تتوارد الأنباء تباعًا، من إدلب ومحيطها، عن حشودات عسكرية لقوات نظام الأسد، في محيط المنطقة الفاصلة بينه وبين فصائل المعارضة؛ بهدف شن عملية عسكرية خلال الأسابيع القادمة، ضد مناطق سيطرة المعارضة، في مخالفةٍ لاتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا الذي أُعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي.
نقلت وكالة (الأناضول) أن “تعزيزات النظام قدِمت من منطقة القلمون، شمال شرقي دمشق، وتمركزت في بلدتي الزلاقية وحلفايا، بريف حماة، وقرية كنسبة، في جبل الأكراد بريف اللاذقية، والنقاط المطلة على ريف حلب الغربي، وتضم هذه التعزيزات آلاف المقاتلين، من قوات النظام ومن الميليشيات الإيرانية الداعمة للنظام”.
من جانب آخر، أكدت (هيئة تحرير الشام) صحة هذه الأنباء، عبر تصريح نقلته (وكالة إباء) قبل يومين، عن “أبو خالد الشامي” الناطق العسكري للهيئة، قال فيه إن: “الشمال السوري المُحرَّر يشهد حالة من الترقب والاستعداد، بعد ورود معلومات عن حشودات لميليشيات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، على خطوط التماس في إدلب”، مضيفًا: “هذه الميليشيات تحتشد، منذ قرابة شهر ونصف، وما زالوا يستقدمون جنودًا من عناصر المصالحات والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري”.
في السياق ذاته، نقل (المرصد السوري لحقوق الإنسان) أنه رصد، اليوم الأربعاء “تجدد الخروقات لوقف إطلاق النار المعلن منذ سريان الهدنة الروسية – التركية، حيث استهدفت قوات النظام منطقة الكتيبة المهجورة في القطاع الشرقي، وأماكنَ في منطقة تل الصخر، في القطاع الشمالي من ريف حماة”، وأكد أنه وثق “عمليات قصف من قبل قوات النظام، طالت مناطق في بلدة جرجناز ومحيطها في ريف إدلب الشرقي، ومناطق في منطقة الزيارة في سهل الغاب، وأطراف بلدة اللطامنة بريف حماة”.
كانت تركيا وروسيا قد أعلنتا، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، التوصلَ إلى اتفاقٍ خلال اجتماع رئيسَي البلدين في مدينة سوتشي الروسية، تضمّن إعلان وقف لإطلاق النار في إدلب ومحيطها، وإنشاء منطقة خالية من السلاح الثقيل، بين فصائل المعارضة وقوات النظام، تخضع للمراقبة التركية الروسية، وتم نشر عشرات نقاط المراقبة التركية في المنطقة، تضمّ كل نقطة العشرات من عناصر الجيش التركي، إضافة إلى مدرعات وآليات ثقيلة.
سُجّلت خلال الفترة الماضية عشرات الخروقات لهذه الاتفاقية، من جهة قوات النظام، في ريفَي حلب وإدلب، بينما واصل النظام ادعاءاته بخرق الاتفاقية من قبل فصائل المعارضة، من خلال قصف مدينة حلب بقذائف الهاون، وكررت روسيا ذات الاتهامات خلال محادثات أستانا الماضية، الشهر الماضي.
النقيب ناجي أبو حذيفة، الناطق باسم (الجبهة الوطنية للتحرير)، علّق على هذه الأخبار، في حديث إلى (جيرون) وقال: “نحن في الجبهة الوطنية في أعلى درجات الجاهزية القتالية، ونحن نُعِدّ العدة منذ شهرين، وقمنا برفع قدرات مقاتلينا ليتمكنوا من التعامل مع كافة السيناريوهات المحتملة”. وأضاف: “قمنا أيضًا بتدعيم التحصينات الهندسية والخطوط الدفاعية بشكل جيد، ومستعدون للمعركة في أي وقت بدأت، وسنكبد النظام خسارة كبيرة ونجعله يندم على هذا الهجوم، إن حصل”.
من جهة ثانية، أبدت تركيا عدة مرات حرصها على استمرار اتفاق إدلب، واقترحت على روسيا تحويله إلى اتفاق دائم، خلال محادثات أستانا الماضية، ولكن البيان الرسمي الذي صدر في ختام المحادثات اكتفى بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق وتطبيق بنوده، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، أن بلاده “نجحت في التصدي لأزمة إنسانية في إدلب، من خلال الاتفاق الذي أبرمته مع روسيا”.
من جانبها، كررت روسيا اتهام المعارضة بخرق الاتفاق، مجددة اتهاماتها حول وجود التنظيمات الإرهابية في إدلب وضرورة محاربتها، حيث لوحت عدة مرات أن من حق النظام شنّ عملية عسكرية، بذريعة قتال التنظيمات الإرهابية المنتشرة في إدلب، وعلى رأسها (هيئة تحرير الشام) وتنظيم (أنصار الدين).
حول الأخبار عن احتمال شن النظام عملية عسكرية على إدلب، قال عبد الوهاب عاصي، الباحث في (مركز جسور للدراسات) في حديث إلى (جيرون): “يبدو أن روسيا جادة في اتخاذ قرار بالهجوم على الشمال السوري، وهي تريد من ذلك الضغط على تركيا، لتقديم مزيد من التنازلات الميدانية أو السياسية، والضغط على أوروبا، من أجل الوقوف في وجه سياسات أميركا في سورية والمنطقة، لكن التقديرات الأولية للمعركة توحي بأنها لا تخرج عن كونها محدودة أو محددة”.
أضاف عاصي: “قد يعتقد البعض أن وجود نقاط المراقبة التركية يشكل عائقًا أمام أي تقدم، لكن هذا التصور أقرب ما يكون واقعيًا حيال المعركة الشاملة، أما إزاء الخيارات الأخرى، فالأمر مختلف، ومثال ذلك الهجوم المحدد الذي نفذته قوة تابعة للحرس الثوري الإيراني، ضد نقطة تابعة لـ (جيش العزة)، إضافة إلى سلسلة عمليات التسلسل التي بات ينفذها النظام وميليشياته بشكل دوري. كما أن النظام السوري يمتلك إمكانية التحرك وفق ثغرة التنظيمات الإرهابية المستثناة من مذكرة وقف إطلاق النار”.
يُذكر أن محافظة إدلب تخضع بشكل كامل لسيطرة المعارضة المسلحة، منذ عام 2015، إضافة إلى أرياف حلب الغربي وحماة الشمالي وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي، وتتقاسم فصائل (الجيش الحر) المتمثلة بـ (الجبهة الوطنية للتحرير) السيطرة على هذه المناطق، مع (هيئة تحرير الشام) وفصائل إسلامية أخرى، ويعيش في المحافظة ما يقارب 3 ملايين مدني، بحسب الأمم المتحدة، من سكانها الأصليين ومن المهجرين من المدن السورية الأخرى، التي تمكّن النظام من السيطرة عليها خلال العامين الماضيين.