في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، أُعيد فتح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسورية، وكان حجم الحركة الفردية والتجارية عبر المعبر لافتًا للانتباه، حيث دخل الأردنيون بمركباتهم، وخرجوا بكمٍ هائل من السلع السورية، نظرًا إلى رخص ثمنها.
مع عودة التبادل التجاري الجزئي للمعبر؛ دخلت عدة مواد زراعية سورية المنشأ إلى الأردن، ما دفع عددًا من المزارعين الأردنيين، بحسب جريدة (الغد)، إلى النزول إلى الشارع، في 7 كانون الأول/ ديسمبر، منددين بحالة الخلل التي أحدثتها المنتجات السورية الزراعية في منتجاتهم، حيث إن العملية الزراعية في الأردن ذات تكلفة أكبر من تلك السورية؛ ما يجعل أسعار المنتجات السورية أقلّ سعرًا من تلك الأردنية.
وفي ضوء ذلك، لعل التوضيح الأفضل لهذه الحالة يكمن في الإشارة إلى حالة “التنافس الاقتصادي” الموجودة بين البلدين؛ فالأردن ليس بحاجة إلى هذه المنتجات، لأن الأردن وسورية هما بلدان يعتمدان بشكلٍ أساسيٍ على قطاعين اقتصاديين؛ هما القطاعان الزراعي والخدماتي. وهذا ما يُظهر البلدين على أنهما مُـتنافسان وليسا متكاملين من الناحية الاقتصادية.
قبل اندلاع الثورة السورية، كان 20 بالمئة من الشعب السوري يعمل في القطاع الزراعي، وكانت ثلث مساحة الجغرافية الزراعية تُستخدم في العملية الزراعية. وفيما شهد القطاع الزراعي السوري تراجعًا نسبيًا، مقارنة بما قبل عام 2011، ظل الاقتصاد السوري يعتمد بنسبةٍ كبيرةٍ على القطاع الزراعي الذي كانت مواده، لا سيّما القطن وزيت الزيتون، من أبرز الصادرات السورية خلال الأزمة. في المقابل، تبلغ نسبة مُساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي للأردن ما يقارب 3.2 بالمئة. وبإخراج اعتماد الاقتصاد الأردني على المساعدات والقروض والضرائب، وغيرها، فإن معدل مساهمة القطاع الزراعي، كقطاع إنتاجي، بهذا الحجم، يجعله قطاعًا مهمًا وأساسيًا في الأردن.
ولا داعي للإسهاب في سرد المعدلات والأرقام، حول مدى اعتماد الطرفين على الزراعة، فعند النظر إلى قطاع الصناعة في كلا البلدين، يتبيّن أنه ضعيف جدًا، وهذا ما يجعلهما في تقييم المُجتمعات الزراعية.
وإلى جانب القطاع الزراعي، ينشط البلدان في مجال الخدمات، لا سيمّا مجال التوصيل اللوجستي، حيث تسعى سورية، ممثلةً بالنظام السوري، من خلال إعادة فتح الطرق الدولية، لاستعادة أهميتها الجغرافية، كحلقة وصل للسلع الأوروبية والتركية واللبنانية، وغيرها، المتجهة نحو الخليج، أما الأردن فتحاول جعل مينائها الوحيد (ميناء العقبة) محافظًا على حيويته، كحلقة وصل بين السلع الأوروبية المُتجهة بحريًا نحو الخليج.
ولكن إن كانت حالة التنافس هي الحاكمة للتبادل الاقتصادي بين الطرفين، فلماذا يتم تصدير المواد الزراعية إلى الأردن، سواء بطريقةٍ رسميةٍ أو غير رسمية؟
في ظلّ الأزمة الفاعلة، وصلت أسعار المنتجات السورية في السوق المحلية، وبحسبان سعر صرف الليرة السورية مقابل العُملات الأجنبية، إلى مستوياتٍ باهظة. لذا يتساءل كثيرون: لماذا لا يتم إنزال المواد الزراعية الفائضة إلى السوق، كي يتم خفض أسعار المنتجات الزراعية في السوق السورية؟
ربما الإجابة الأقرب للصواب هي أن النظام السوري يُدرك أن مكان المُنتجات السورية ليس الأردن، وإنما مكانها الطبيعي في الخليج، ولكنه، على الأرجح، يحاول الضغط على الأردن، وبالتالي على الخليج، لتعجيل عملية التطبيع الاقتصادي الذي تعني التعامل معه، أي مع النظام، عبر بنكه المركزي، وبالتالي رفع حالة المقاطعة أو الحصار الاقتصادي المفروض عليه، وصولًا إلى عملية التطبيع السياسي.
في الختام، يبدو أن حالة الخلل التي عبّر عنها المزارعون الأردنيون، مُصطنعة ومقصودة من قبل النظام السوري الذي سمح بتصدير مواد زراعية، لا سيّما الحمضيات، على الرغم من أن السوق السورية بحاجة ماسة إليها أكثر من السوق الأردنية، لكن يبدو أن الهدف هو هدف سياسي أكثر منه اقتصادي، حيث يحاول النظام -عبر بوابة التصدير- إعادة ذاته إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل عام 2011، أولًا من الدول المُجاورة، ومن ثم مع دول العالم الأخرى.