سلايدرقضايا المجتمع

قالوا في الراحل عبد الله هوشة

رحل الرجل السياسي والباحث عبد الله هوشة (أبو يوسف) عن عمر يناهز 78 سنة، كانت مليئة بالبحث والقراءة والعمل الوطني في مواجهة الطاغية الأب ثم الابن. وكان رجلًا متميزًا، بفكر مستنير وعقل جدلي متفتح، قابلًا للحوار الديمقراطي في كل شيء، زاهدًا في الدنيا، لم يجرِ وراء منصب أو موقع قط، وقد ظل عشرين سنة متخفيًا وملاحقًا من قِبل النظام السوري وأجهزته الأمنية، يوم كان رياض الترك ورفاقه في المعتقلات الأسدية.

كان هوشة قادرًا ومقتدرًا على إنجاز المهمات الموكلة إليه وطنيًا وحزبيًا، رغم الظروف الصعبة. كان يحمل العديد من (البطيخات) في آن واحد، ولم يشكُ يومًا من أي حمل، وكان فكره الجدلي ضرورة لا بد منها، سواء في حزبه أو في أثناء عمله في التجمع الوطني الديمقراطي، وفي مجلس تحرير (الموقف الديمقراطي) التي كان يصر على صدورها الدوري، على الرغم من الملاحقات وصعوبة التنقل وصعوبة الطباعة، ناهيك عن صعوبة التوزيع. وكان حتى آخر أيامه قلقًا وصاحب الأسئلة القلقة، بما يخص الواقع السوري وتغيراته ومآلاته، وكان حريصًا على إنجاز البحوث والدراسات الخالية من الأخطاء أو الهنات، والمفيدة أكثر للقارئ والمتابع نصرة لثورة الشعب السوري في الحرية والكرامة.

(جيرون) التي تدرك أهمية عبد الله هوشة، ومكانته كقامة وطنية سورية استثنائية، حاولت أن تقف عند آراء سياسيين وكتّاب، عاصروه وعرفوا ماهية عمله ونضاله.

عبد الله تركماني، الباحث في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، ورفيق درب (أبو يوسف) قال لـ (جيرون): “كان فقيدنا الراحل عبد الله هوشه/ أبو يوسف رجلًا وطنيًا ديمقراطيًا مخلصًا، قضى عمره من أجل الانتقال بسورية من الاستبداد إلى الديمقراطية. سيرته بيضاء لا غبار عليها، كان له دور مهم في تأسيس وقيادة التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1979، وعندما اعتُقل معظم قيادات حزبه في 1980 (الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي) عمل على إعادة بناء الحزب، وبقي في العمل السري ما يزيد عن عشرين سنة. كان له دور مهم في الإعداد للمؤتمر السادس للحزب (حزب الشعب الديمقراطي السوري)، حيث انتُخب أمينًا أول للحزب، ولكنه لم يستطع التكيف مع بقايا العقلية الستالينية في الحزب، فاستقال من الأمانة ومن اللجنة المركزية”.

وأضاف: “لعب الفقيد دورًا مهمًا في تأسيس (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي) في 2005. وهو مثقف موسوعي، قدّم نموذجًا للسياسي المثقف، الثابت في موقفه من قضية الحرية، والثابت في قوله: إن السياسة فعالية اجتماعية، وليست مجرد تكتيكات وفهلوة وشطارة، كما لمسها لدى بعض من تنطحوا للعمل السياسي بعد الثورة السورية. كان مدركًا أن مستقبل العمل الوطني مرهون بتسلم الشباب قيادته. حتى أيامه الأخيرة، حيث كنت أتواصل معه، كان يكرر أننا في سورية والعالم العربي دخلنا سيرورة تاريخية، تنشد التغيير والحرية والكرامة”.

أما المعارض والكاتب السوري محمد عمر كرداس فقال لـ (جيرون): “لم يترك لي الأصدقاء والزملاء الكثير لأقوله، في وداع الفقيد الغالي، السياسي الوطني والحزبي الملتزم والأديب والإنسان أبي يوسف، فقد سبقني زملاؤنا في التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب الشعب الديمقراطي، بكلمات عن الراحل الكبير. عرفته زميلًا في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، منذ أن دخله إلى أن تركه بترتيبات حزبية، لم نشعر يومًا، في قيادة التجمع، بأننا ننتمي مع أبي يوسف إلى حزبين مختلفين، وذلك لأنه اعتبر أن الهم الوطني هو المسيطر، وأن صيغة التجمع أرقى من الأحزاب. ترأس تحرير صحيفة التجمع (الموقف الديمقراطي) وكان يكتب افتتاحيتها السياسية، بعد نقاش معمق في القيادة، فتأتي متطابقة مع الآراء جميعها”.

وأضاف: “سنوات التخفي والتواري، وهي صنو الاعتقال، أخذت من صحته الكثير، وآلامُ العمود الفقري المبرحة التي تحملها دون علاج جذري، لاستحالة دخوله المشافي، أقعدته أيامًا عديدة، إلا أنه سرعان ما كان يترك الفراش إلى ساحة العمل والحركة، دؤوبًا متفانيًا إلى أقصى الحدود، مؤمنًا بأن المعارضة الحقيقية هي المعارضة الوطنية الديمقراطية، ومشروعها في التغيير الوطني الديمقراطي، ولا بد للتغيير أن يأتي من الداخل مع رفض الاستقواء بالخارج. عرفت معه زوجته الصابرة أم يوسف التي نادرًا ما كانت تلتقيه، ورحلتْ قبله، وربما ذلك ما عجّل برحيله. كيف لا يصاب بالسرطان وهو الذي حمل هموم وطنه وحزبه والتجمع في فترة عصيبة مرت بها الأمة العربية؟! لقد ترك منصبه في قيادة الحزب رفضًا للهيمنة، وخوفًا على الحزب من التشظي، وانزوى بعد أن أصبحت السياسة والعمل الحزبي مجرد مناورات ومؤامرات، بعد غياب جمال الأتاسي الذي رحل بنفس العمر. رحمك الله أبا يوسف، ورضي عنك وأرضاك، وعزاؤنا الحار لعائلته الصغيرة والكبيرة ولأصدقائه ورفاقه ومحبيه، وقدرنا في هذا الموقف الأليم أن نودع بعضنا عن بعد، بعدما عزّ اللقاء، وبلدنا يعيش مأساته التي أعادته إلى القرون الوسطى، بهمجية لا مثيل لها”.

منصور الأتاسي، الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي، قال: “الراحل عبد الله هوشه له العديد من الميزات والسمات المهمة، كقدرته على التعامل الناجح مع الحلفاء ومشاركته في إدارة التجمع الوطني الديمقراطي بشكل ناجح، مقدرًا الظروف السياسية التي كانت تجتازها سورية، في زمن حافظ الأسد وموازين القوى، فقد لعب التجمع دورًا مهمًا كممثل للمعارضة الديمقراطية، طوال فترة حافظ أسد، وسرعان ما اختل عمل التحالف، عندما تبدلت القيادة في حزب الشعب. ثانيًا هي قدرته على مأسسة النشاط الحزبي، فقد تشكلت لأول مرة داخل الأحزاب اليسارية ذات المرجعية الماركسية قيادة حقيقية، استطاعت تجاوز دور الفرد، وعلى الرغم من أن ظروف الاضطهاد والقمع هي التي غيبت الأمين الأول الرفيق رياض الترك، فإن هذا الغياب فتح المجال للتأسيس لقيادة جماعية حقيقية، استطاعت أن تقود الحزب في أصعب الظروف التي مرت بها سورية”. وأضاف: “أعتقد أن هذه التجربة يجب أن تدرس جيدًا، وهي مهمة وخصوصًا في ظروفنا الحالية، حيث تسيطر نزعات الهيمنة على قيادات الحركة الوطنية، مما يؤدي الى بعثرة قواها. وثالثًا قدرته على معرفة قدرات رفاقه واستثمار هذه القدرات بشكل ناجح، فهو (كما أعرف) لا يطلب من الرفاق أكثر مما يكونون قادرين على تقديمه. وإتقانه الملفت للعمل السري، والمحافظة على ما أمكن من الرفاق والمنظمات في الداخل، سمح للحزب بتأمين صلة مع العديد من المثقفين والمهتمين. وأخيرًا تخليه عن منصب الأمانة بمجرد خروج الأمين العام من السجن، وتخليه مرة ثانية، عندما تناقضت إدارة الحزب مع تصوراته، وبقي في المنزل محترمًا حزبه حتى وفاته. وأعتقد أن هذه الصفات هي التي أكسبته احترام الجميع داخل الحزب، على الرغم من الانقسام المؤلم، كما أكسبته احترام قوى الحركة الوطنية التي عمل معها”.

الكاتب والباحث منير شحود قال لـ (جيرون): “باعتباري لم آت من وسط الأحزاب التقليدية المعارضة، فقد التقيت المرحوم هوشة التقاء المواقف بعد الثورة السورية، وكان لنهج المعارضة التقليدية المتدني الفضلُ في تعارفنا، والتوافق، من دون اتفاق، على البقاء في سورية، رغم كل المخاطر، بعد ما غاب العقل السياسي لصالح العواطف والتجاذبات الدولية والإقليمية. تميز الراحل بدقة متابعته للشأن السياسي وتماسك منطقه وقدرته على الإقناع؛ ما جعل الحوار معه، بالنسبة إليّ، متعة لا تفوَّت. وهي من المرات القليلة التي يجتمع فيها التحليل المنطقي الصارم مع رقة الشخصية وشاعريتها وعذوبتها، من دون أن تسيء هذه الملكات بعضها إلى بعض. رحم الله أبا يوسف، فقد كان عَلمًا من أعلام مدينة اللاذقية، ونقطة التقاء مثقفيها وسياسييها”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق