الصورة: مارك بيترسون/ ردوكس، لصحيفة نيويورك تايمز
يتنحى جيم ماتيس عن منصبه كوزير للدفاع، بعد يوم من قيام الرئيس ترامب بتجاوزه، مع غيره من كبار مستشاري الأمن القومي، من خلال الأمر بالانسحاب السريع للقوات البرية الأميركية البالغ عددها 2000 جندي من سورية. ماتيس، وهو جنرال متقاعد بأربع نجوم، قال في خطاب استقالته إن وجهات نظره، حول عدد من المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، تتناقض بشكل أساسي مع وجهات نظر الرئيس.
لم يذكر السيد ماتيس على وجه التحديد قرار الرئيس المتسرع في ما يبدو حول سورية، ولكن من الواضح أنه ومساعديه الكبار قد فوجئوا. مع رحيل السيد ماتيس، فإن آخر مجموعة من المهنيين الأساسيين، الذين تمكنوا (جزئيًا على الأقل) من تقييد السيد ترامب في السياسة الخارجية والدفاعية، قد ولّت الآن.
قبل أقلّ من ثلاثة أشهر، حدد جون بولتون، مستشار الأمن القومي، مهمة أوسع للقوات الأميركية في سورية. في ذلك الوقت، بدا الأمر وكأنه بيان رسمي لسياسة رسمية. لكن، بالنسبة إلى رئاسة دونالد ترامب الفوضوية، يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.
في يوم الأربعاء 19 كانون الأول/ ديسمبر، ألغى السيد ترامب قرار السيد بولتون وباقي فريق الأمن القومي، بقراره المفاجئ القاضي بانسحاب القوات. إن هذه الخطوة، المنفصلة عن أي سياق استراتيجي أوسع أو أي منطق عام، تزرع حالة عدم يقين جديدة بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وبرغبتها في أن تكون زعيمة عالمية، وبدور السيد ترامب كقائد أعلى للقوات المسلحة.
يبدو أن القرار كان القشة الأخيرة للسيد ماتيس، الذي كان يمشي على حبل مشدود [خياراته محدودة] على مدى العامين الماضيين، بين مهنيته وضميره، وبين نزوات رئيسه. أبقى مخاوفه بشكل رئيس لنفسه، بينما كان يتباطئ في عدد من مطالب السيد ترامب، مثل حظر الجنود المتحولين جنسيًا والسعي إلى عرض عسكري كامل اللباس أسفل شارع بنسلفانيا.
مارك وارنر، السيناتور من ولاية فرجينيا، أكبر ديمقراطي في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، قال في تغريدة: إن رحيل السيد ماتيس “مخيف”، ووصفه بأنه “جزيرة من الاستقرار وسط الفوضى في إدارة ترامب”.
من واجب الجنود اتباع قائدهم وتنفيذ الأوامر القانونية، لكن النجاح يعتمد على الثقة بأن القائد يعرف ماذا يفعل وأين يمضي.
إن إرسال الأوامر المتضاربة للجنود في ساحة المعركة، كما يفعل السيد ترامب وإدارته، لا يعرقل فقط المعنويات ويقوض قوى الحلفاء مثل الأكراد السوريين، بل إنه قد يخاطر بمقتل الجنود الأميركيين أو إصابتهم، بسبب الأهداف التي تخلى عنها بالفعل قادتهم.
حتى إن بعض أشد مؤيدي السيد ترامب كانوا قلقين، حيث غرد ماركو روبيو، السيناتور الجمهوري من فلوريدا على تويتر: “إنه خطأ فادح، إذا لم يتم إلغاء ذلك، فسوف يؤرق هذه الإدارة وأميركا لسنوات قادمة”.
السيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، وهو يدعم بشكل عام السيد ترامب، قال إنه وغيره من العاملين في مؤسسة الأمن القومي “فوجئوا” بالإعلان، ودعا لعقد جلسات استماع للكونغرس بشأن القرار.
هذه ليست المرة الأولى التي يرسل فيها الرئيس وإدارته رسائل متضاربة. خلال حملة 2016، وعد السيد ترامب بسحب القوات من سورية، وكان يبحث عن طريقة للقيام بذلك منذ ذلك الحين. في نيسان/ أبريل، أعطى البنتاغون المزيد من الوقت لإكمال المهمة، التي ركزت بشكل صارم، منذ عهد أوباما، على إنهاء الدولة الإسلامية (داعش). وبعد أن تولى بولتون منصبه، قال: “لن نغادر طالما أن القوات الإيرانية هي خارج الحدود الإيرانية، وهذا يشمل الوكلاء والميليشيات الإيرانية”.
في وقت متأخر من يوم الاثنين 17 كانون الأول/ ديسمبر، أخبر جيمس جيفري، مبعوث وزارة الخارجية لسورية، المجلس الأطلسي بأن الولايات المتحدة ستبقى في سورية حتى تُهزَم داعش، ويتم كبح النفوذ الإيراني، ويصبح هناك حل سياسي للحرب الأهلية السورية.
لكن يوم الأربعاء، قام السيد ترامب بتقويض مستشاريه، والمصالح الأميركية، من خلال عكس المسار والإعلان في تغريدة: “لقد هزمنا داعش في سورية، وهي مبرر وجودي الوحيد هناك، خلال رئاسة ترامب”. ولم تكن هناك محاولة لاستخدام ميزة الانسحاب الأميركي لتحقيق أي هدف سياسي أو عسكري محدد.
إن تأكيد السيد ترامب أن الدولة الإسلامية (داعش) مهزومة هو أمرٌ غير معقول. وتباهى في مقطع مصور (فيديو): “لقد فزنا على داعش”. لقد تدهورت قدرة الإرهابيين على شن الضربات بشكل كبير، وتم تحرير جزء كبير من الأراضي التي زعموا أنها لما يسمى بالخلافة، لكن الجماعة ما زالت تحتفظ بجيب من الأراضي على الحدود السورية العراقية، ولديها ما يقرب من 20 إلى 30 ألف مقاتل، وفقًا لباحثين عسكريين. وكما قال السيد جيفري يوم الاثنين: “لم يتم إنجاز المهمة بعد/ حتى الآن”.
لا أحد يريد أن تنتشر القوات الأميركية في منطقة حرب أطول من اللازم. لكن ليس هناك أي مؤشر إلى أن السيد ترامب قد فكر في عواقب انسحاب متهور، مما يسمح لقوات داعش بإعادة تنظيم صفوفها وخلق أزمة أخرى قد تعيد الولايات المتحدة إلى المنطقة.
إن أي انسحاب أميركي سيكون أيضًا هدية لفلاديمير بوتين، الزعيم الروسي، الذي لا يزال يعمل بجد من أجل أن يحلّ بدلًا من النفوذ الأميركي في المنطقة، والذي رحب يوم الخميس بحماسة بالقرار، قائلًا: “دونالد على حق”. أما المستفيد الآخر فهو إيران، التي وسّعت أيضًا منطقتها الإقليمية. ومن المؤكد أن الأمر سيزيد من الصعوبة على إدارة ترامب لتنفيذ سياستها في تصعيد ما تسميه “أقصى قدر من الضغط” على إيران.
ومن بين أكبر الخاسرين على الأرجح، القوات الكردية التي قامت الولايات المتحدة بتجهيزها والاعتماد عليها لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش). رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، يعدُّ أن الكثيرين من الأكراد لا بد أنهم إرهابيون عازمون على تدمير بلاده. وقد تعهد في الأيام الأخيرة، بشن هجوم جديد ضدهم في المنطقة الحدودية السورية. ناقش السيد ترامب قرار الانسحاب في مكالمة هاتفية مع السيد أردوغان يوم الجمعة 14 كانون الأول/ ديسمبر.
الانسحاب الأميركي يُقلق إسرائيل، التي تشعر بالقلق من الوجود العسكري الإيراني القوي في سورية، والأردن، الذي يتحمّل عبئًا كبيرًا من اللاجئين السوريين الذين فروا من القتال عبر الحدود. وفي حين امتنعت إسرائيل عن انتقاد قرار السيد ترامب، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن حكومته ستصعد القتال ضد القوات الموالية لإيران في سورية بمجرد مغادرة الأميركيين.
إن قرارات بمثل هذه العواقب عادة ما يتم دراستها بدقة من قبل مستشاري الرئيس للأمن القومي. لكن المشرعين في الكونغرس قالوا إنه لا توجد مؤشرات على أي عملية بعدها، وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، رفض مناقشة المداولات الداخلية، يوم الأربعاء: “القضية هنا هي أن الرئيس اتخذ قرارًا”.
انطلاقًا من توقيت ونبرة خطاب استقالة السيد ماتيس، فإن الرئيس اتخذ ذلك القرار بمفرده.
اسم المقالة الأصلي | Jim Mattis Was Right |
الكاتب | هيئة التحرير،The Editorial Board |
مكان النشر وتاريخه | نيو يورك تايمز،The New York Times، 20/12 |
رابط المقالة | https://www.nytimes.com/2018/12/20/opinion/editorials/jim-mattis-resignation-syria.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fopinion |
عدد الكلمات | 1011 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |