سلايدرقضايا المجتمع

زواج السوريين في أوروبا بين مطرقة القانون الأوروبي وسندان المهور الباهظة

لم تنتهِ الحرب الضروس في سورية بعد، وما زالت وتيرة تداعياتها في تصاعد مستمر، حيث تشعبت المشكلات وتداخلت الأزمات، وما زال شعب سورية الحر يدفع الأثمان الباهظة لأنه رفع صوته وطالب بالحرية، ولعل أزمة اللجوء إحدى تلك التداعيات الخطيرة لتلك الحرب، فمن لم تقتله قناصات النظام، قتلته قذائفه وبراميله، ومن لم يمت تحت الأنقاض، مات تحت التعذيب في المعتقلات الأسدية، وأما من حالفه الحظ واستطاع الخلاص من أتون المحرقة، فقد تعرّض لأخطار متعددة، وربما هلك قبل أن يبلغ غايته، ومن استطاع -من بعد طول عناء- الوصولَ إلى أوروبا؛ وجد معاناة جديدة بانتظاره.

صحيح أن معظم الدول الأوروبية فتحت ذراعيها لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ووفّرت لهم الأمان الذي افتقدوه في بلادهم، لكن لكل شيء ضريبة لا بد من دفعها، فبعض قوانين اللجوء الصارمة وقفت سدًا منيعًا في وجه الشبان الراغبين في الاستقرار والزواج من بنات بلدهم، حيث تمنع الدول الأوروبية اللاجئ من لمّ شمل الزوجة المقيمة خارج أوروبا، إذا تم عقد القران بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على حصوله على الإقامة، فاضطر الشبان الراغبون في الزواج إلى حصر خياراتهم بالزواج من فتيات سوريات مقيمات في أوروبا، ولأن مفاهيم الزواج عند الفتاة السورية قد تغيّرت، مع تغيّر مكان الإقامة بمعطياتها الجديدة؛ ازدادت الشروط، وكثرت الطلبات، وتحوّل الحصان الأبيض إلى سيارة حمراء، وأضيفت إلى المهر تكاليفُ رحلة اللجوء، وتعقدت القصة وكثرت الآراء، وزادت حالات العزوف عن الزواج، واستبدلت في بعض الأحيان بالمساكنة مع فتيات أوروبيات ليس لهنّ طلبات ولا شروط.

شروط تعجيزية وانتظار عقيم

وصل أحمد إلى هولندا قبل ثلاث سنوات، تعلم اللغة واستقلّ في شقة صغيرة، كما يقول، كان يشعر بالحرية والاستقلال، لكنه مع الأيام بدأ يشعر بالوحدة والعزلة، فقرر الزواج، وبدأت رحلة البحث عن “بنت الحلال” التي تقبل بالزواج به، من دون شروط تعجيزية وطلبات ما أنزل الله بها من سلطان. يضحك أحمد وهو يقول: “والد إحداهن طلب الحصول على المبلغ الذي دفعه للمهرب حين قام بتهريب ابنته!”

يتابع أحمد كلامه: “المهم أنني فشلت فشلًا ذريعًا، في النهاية، أقنعت نفسي بأن لا أمل من الانتظار الطويل، لذلك تعرفتُ إلى سيدة هولندية مطلقة تكبرني ببضع سنوات، قدّمت لي ما تستطيع من مساعدة لترتيب وضعي في هولندا، ثم عرضت عليّ السكن معها في شقتها، وها نحن نعيش معًا، ولتبقَ الفتاة السورية على قيد انتظار الوهم”.

لم يُخفِ أحمد حزنه، عندما سئل عن مدى سعادته مع وضعه الحالي، وقال بنبرة حزينة: “سعيد، على الرغم من أني لم أستطع تحقيق ما يسعدني بشكل حقيقي”.

لحالي أحلالي

كان للمحامي والناشط الحقوقي المقيم في هولندا زكريا غباش رأي آخر، ويبدو أنه ضد فكرة الزواج بفتاة سورية تعيش في أوروبا، بعد كل ما سمعه عن تجارب فاشلة، ويسرد زكريا ما سمعه من قصص الطلاق التي جعلت الشباب السوري يعيد حساباته، فيقول: “التقيتُ في الآونة الأخيرة بنساء سوريات متزوجات ومطلقات، وأيضا عازبات، ودار الحديث مطولًا عن زواج السورية بالسوري، والمشكلات الكثيرة التي سبّبها اختلاف الحياة في أوروبا، عما كانت عليه الحال في سورية. إحداهن قالت بكل صراحة إنها صبرت على زوجها وتعامله السيئ معها حتى موعد لمّ الشمل، وما إن وصلت إلى هولندا وفهمت القانون؛ حتى طلبت الطلاق، مع احتفاظها بحضانة الأولاد وطردته من حياتها”.

يتابع زكريا: “سيدة سورية أخرى قالت إنها كانت قبل الوصول إلى أوروبا تخطط للطلاق من زوجها الذي انتظر لمّ الشمل بفارغ الصبر، جهّزت له المفاجأة، عندما وصلت طلبت الطلاق، معللة سبب انفصالها بأنها تريد العيش بحرية”.

ويضيف: “يبحث الرجل هنا في الغربة عن الاستقرار وتكوين أسرة، وحماية نفسه من الانحراف، ولكنه يصطدم بالواقع المر، فكل فتاة لديها حجتها: واحدة ترفض الزواج لأنه يعيق طموحاتها، وأخرى تريد الانتظار على أمل أن يأتيها من يملك من المال ما يكفي لدفع مهرها باخرة مرصعة بالألماس، وربما تحلم إحداهن بالزواج من رجل أوروبي يرضى بتغيير دينه وعاداته لأجلها.. كم هنّ واهمات، يا سيدتي! ولسوف ينتظرن كثيرًا، إذ إن الزواج من أوروبية لم يعد مجرد فكرة فحسب، بل أصبحت حقيقة فرضها الواقع، وقد أخبرني صديق بأنه يعيش مع صديقة أوروبية بسعادة، ويتقاسم معها المصروف وإيجار المنزل، ولا تُطالبه بما يُثقل كاهله”، وعند سؤاله: لماذا لم ترتبط بفتاة سورية؟ ضحك وقال: “لست مضطرًا إلى الزواج من امرأة تستهلكني ماديًا، ثم بعد ذلك تأخذ الأولاد وتطردني من حياتها، يا عمّي لحالي أحلالي”.

القلة القليلة ما تزال تطمح وتبحث عن تلك الفتاة التي لم تغيرها الغربة، وبقيت على تربية أهلها بعيدًا عن الطمع والأنانية والتفرد باتخاذ القرارات.

يتابع زكريا: “المادة والرفاهية المفرطة التي لم نشهدها في بلادنا غيّرت النفوس، وفككت المجتمع؛ فالمرأة تريد تقليد الغرب، والرجل اندمج في المجتمع الجديد بشكل سلبي، ولا حل لكل تلك التعقيدات إلا بالتوعية والإرشاد، عن طريق منظمات فاعلة هدفها تصحيح المسار”.

دوّر لابنتك قبل ما تدوّر لابنك

أما فراس اللباد، وهو صحفي سوري يقيم في باريس، فقد عبّر عن رأيه من خلال ملامسته للواقع، وقال: “هنالك العديد من الشروط التي سمعنا عنها في الآونة الأخيرة، أهل الفتاة في البداية هم من يضعون الحواجز والعوائق أمام الشاب السوري، عندما يريد أن يتزوج كغيره من الشباب في بلاد اللجوء، ويزرعون في عقول البنات هذه الأفكار التي تودي بهن إلى التمرد، وعدم القبول بالرجل المحترم الذي يسعى للاستقرار وبناء أسرة بالتعاون مع زوجة من بلده، تفهم عاداته وتقاليده”.

وتابع: “النساء بمهارات بالغرب، ولكن ليتهن يتعلمن المفيد من المفيد منه، فالزواج في الغرب مبني على التفاهم والمشاركة في كل شيء، مع احتفاظ كل من الزوج والزوجة بشخصيته المستقلة”.

وأضاف: “المهر المرتفع والطلبات غير المناسبة ستجعل الفتاة السورية وحيدة على رصيف هذا الزمن، ومن كانت تظن أنها ستتزوج برجل غربي؛ فعليها أن تستيقظ من هذا الوهم. الشاب الغربي لدية حياة وتفاصيل أهم من الزواج والجميع يعلم ذلك، فلماذا المواربة والهروب من الواقع؟ وبصراحة مطلقة وبكل تجرد: مسألة الزواج وحلولها تبدأ من الأسرة في الدرجة الأولى، ومن يتذكر المثل الشعبي الذي يقول (دوّر لبنتك قبل ما تدوّر لابنك) من يستوعب هذا المثل، فعليه أن يسعى لتطبيقه، فما المانع من بحث الأسرة عن الرجل المناسب لابنتهم.. هذه حياة مستقبلية، وتحتاج إلى استقرار وهدوء وتعاون. ومن ناحية أخرى، إن الزواج من أوروبية هو خيار شخصي، لكن زادت حالاته كثيرًا في ظل هذه الأزمة المفتعلة من قبل الأهل في بلاد اللجوء، معيبة تلك القصص والحكايات التي نسمعها، مثل أريد ما دفعته على ابنتي في رحلة القارب حتى وصلت إلى أوروبا، فهل تحول الزواج إلى صفقة تجارية!”.

الانتظار الأحمق

طارق الذي يعمل بشكل جزئي في مطعم عربي، خلال نهاية الأسبوع، فالمعهد الذي يدرس فيه يستهلك باقي أيامه، وجد الحل الأنسب للزواج ألا وهو الانتظار إلى ما بعد انتهاء الدراسة والحصول على عقد عمل طويل، أو تغيير القوانين الأوروبية حتى لو شاب شعره، ويردد: “أعرف أن الانتظار قرار أحمق، لكن ما باليد حيلة، وعندما يُتاح لي الزواج سأتزوج إحدى بنات عمي في سورية، إذ لا يمكنني تحمّل فظاعة شروط بعض الآباء في أوروبا التي وصلت إلى حد طلبه الاستمرار في استلام راتب ابنته بعد الزواج، حتى يعوض خسارته!”.

الفقر مشنقة الزواج

عبّرت رُبا، وهي طالبة جامعية عن غضبها من مواقف بعض العرسان الذين يتقدمون إليها، ويتوقعون الحصول على زوجة بثمن هاتف محمول، على حد قولها، وتابعت كلامها بحدة: “الزواج استقرار وأمان، وعلى الرجل تحمل الأعباء الأسرية، ماديًا واجتماعيًا. صحيح أن الفقر مقبرة الزواج، ولكن المشكلة ليست الفقر بحد ذاته، لأن عجز الرجل عن تأمين الاحتياجات سيجعل الحياة متوترة بشكل دائم، ثم لماذا يتأفف الرجل من طلب المرأة للمهر، وهو من شروط عقد الزواج، علمًا أنه لا يدفعه إلا في حال الطلاق، فهل يخطط الرجل للطلاق قبل الزواج!”.

نصيحة للأمهات

رأي أم محمد، التي زوّجت ابنتها قبل أيام، يختلف عمّا قالته ربا، إذ قالت: “زوجت ابنتي على التيسير، حتى إننا ساعدنا زوجها في تجهيز البيت، فالشاب يعيش وحده في أوروبا، وجميع أفراد أسرته يعيشون بين الأردن ومصر، لذلك كان علينا احتضانه كابن لنا، ألا تكفيه غربته وظروفه حتى نزيد عليه ونورطه في ديون تكسر ظهره وظهر ابنتنا معه”، وتابعت: “نصيحة لكل الأمهات: لا تفسدن حياة بناتكن بالطلبات والمهور المرتفعة، فالحياة عسر ويسر”.

مشكلة الزواج المتعثر، والطلاق السهل في المجتمع السوري، تؤكد بوضوح أننا بحاجة ماسة إلى التفكير مطولًا في أنجع الطرق، لإصلاح الخلل الذي سببته الحرب في بنية المجتمع عن طريق الندوات والمؤتمرات الهادفة إلى إعادة الوجه الحقيقي للأسرة السورية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق