سلايدرقضايا المجتمع

السوريون والثورة و(فيسبوك)

دخل موقع (فيسبوك) حياةَ السوريين بقوة، مع اندلاع الثورة، من خلال دوره في النقل المباشر للتظاهرات والأخبار الميدانية، وتوثيق انتهاكات أجهزة النظام، وأتاح الفرصة -فيما بعد- لتواصل ناشطين متباعدين جغرافيًا، وساعدهم في تشكيل تنسيقيات وهيئات ثورية، لكن (فيسبوك) فقد تأثيره -مع مرور الوقت- متأثرًا بالتحولات والتراجعات في مسار الثورة، ليصبح -في حالات كثيرة- وسيلة للصداقة والتعارف، ونقل أخبار المناسبات كالأعياد والوفيات وغيرها، إضافة إلى الألعاب والتسلية، وأسوأ ما فعله (فيسبوك) فينا بثُّ الإشاعات، وإثارة الخلافات السياسية والعسكرية، والنعرات الطائفية والمناطقية.

وعلى الرغم من أهمية موقع (تويتر) سياسيًا، بالنسبة إلى مواقع التواصل، فإن السوريين فضلوا عليه (فيسبوك) ربما بسبب تصميمه الذي يناسب طبيعتهم التي تهوى التفاصيل الكثيرة وأساليب القص والرواية، ولكونه يتيح التعليق والتفاعل والمشاركة المباشرة أكثر.

ساهم (فيسبوك) مع وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، في كسر جدار التعتيم الإعلامي واحتكار السلطات للإعلام الرسمي، في ظل منع الإعلام المستقل؛ وقد ظهر ما سُمّي بـ “الإعلام البديل”، من خلال ظاهرة المواطن الصحفي الذي يستطيع إنجاز تقرير مصور موثق ببساطة، عبر هاتفه الذكي، متجاوزًا منع النظام وسائل الإعلام العالمية من تغطية فعاليات الثورة، وبالفعل استطاع الناشطون الإعلاميون إبراز الصورة الناصعة للثورة ومطالبها العادلة وتوجهاتها السلمية، من خلال إطلاق تسميات على أيام التظاهر وتغطيتها بشكل مستمر ومباشر، وكشف ما يقوم به النظام من قتل واعتقال في مواجهتها، وساهم (فيسبوك) في ظهور ثقافة جديدة من الحوار وتبادل الأفكار، وتكوين مجموعات عمل مشتركة، والقيام بحملات دعم وتضامن مع معتقلين ومختطفين ومدن محاصرة ومهجرين ولاجئين، وتوجيه عرائض للمنظمات الدولية والحقوقية بذلك، وكذلك ممارسة ضغوط قوية على أجهزة وهيئات المعارضة المختلفة، ومطالبتها بتحسين الأداء والالتزام بمبادئ وأهداف الثورة والشفافية في عملها.

وعلى الرغم من وجود إيجابيات عديدة، في (فيسبوك)، ظهرت فيه شوائب كثيرة معظمها يعود إلى نوازع شخصية وعدم تعمق ثقافة الحوار، في فضاء مفتوح بالمطلق من دون حواجز أو رقابة، وتحولت جدران (فيسبوك) على نحو مريع، إلى ساحات لتبادل الشتائم والاتهامات والتخوين الذي طال جميع المكونات السورية، من دون استثناء، من نظام ومعارضة وفصائل وإسلاميين وعلمانيين وأكراد وعرب وريف ومدينة وأقليات وطوائف، وتترافق حملات الشتائم -عادة- مع تطورات ميدانية سلبية أو تسريبات مدروسة أو إشاعات واختراقات يقوم بها النظام.

لوحظ في نشاط السوريين على (فيسبوك) انتشار ظواهر التعميم، في إطلاق الأحكام، واعتماد القص واللصق، ونقل الأخبار بسرعة دون البحث عن مصادرها الحقيقية، والوقوع تحت رغبات عاطفية في التهويل والتهويش، والخضوع للإشاعات ودعوات الانتقام والثأر والطائفية، وعلى الدوام، في أي حدث كان، هناك فئة من المنتقدين والمشككين في كل شيء، بات يطلق عليهم “ثوار فيسبوك”.

فتح فضاء (فيسبوك) و(يوتيوب) الباب أمام ظهور العديد من التنسيقيات والهيئات والأحزاب والفصائل غير الفاعلة أو المؤثرة، من خلال بث مقطع مصور، وتلاوة بيان أمام الكاميرا، أو إنشاء صفحة أو مجموعة “فيسبوكية” من دون وجود تأثير فاعل أو ميداني.

من جانب آخر، تلاعب جيش النظام الإلكتروني، بالعديد من الناشطين، عبر اختراق حساباتهم الشخصية بأسماء وهمية، ثم تهديدهم وابتزازهم بعد ذلك، فيما قامت بعض الصفحات بتجاوز سرية العمل الثوري وخصوصيته، ونشر تفاصيل عن أوضاع الفصائل والمحاصرين، وتقديم معلومات مجانية للنظام، ساعدته في فهم ما يجري من دون عناء.

وعلى الرغم من دور (فيسبوك) السلبي، تمثل وسائل التواصل الاجتماعي فرصة حقيقية، لإعادة تشكيل وعي جمعي على أسس وطنية وأخلاقية، وفتح مساحة للحوار الإيجابي بين كافة المكونات السورية، وتقليص مساحة التشظي فيما بينها.

في الآونة الأخيرة، بدأ الفتور يشوب نشاطات السوريين على (فيسبوك)، مع تغير ملحوظ عليها، بسبب تحولات ميدانية، ولدت شعورًا مخادعًا بانتصار النظام، وهو ما دفع كثيرين إلى مغادرة صفحاتهم، وتوقفهم عن متابعة نشاطات الثورة أو التحول باتجاه الألعاب والترفيه.

أضاع السوريون الكثير من الوقت على جدران (فيسبوك) من دون الاستفادة من خصائصه ومزاياه، كما يفترض، وهذا الأمر يستدعي -من دون شك- إجراء دراسات وأبحاث ميدانية معمقة تتناول التأثيرات النفسية والاجتماعية، وكيفية التعامل الفعال مع وسائل التواصل الاجتماعي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق