ترجماتسلايدر

لا يمكن إعادة بناء سورية على أنقاض المقابر الجماعية السريّة لأحبائنا

يرث غير بيدرسون العديد من القضايا التي تحتاج إلى حلّ، وأهمها كيفية ضمان العدالة لأكثر من 100 ألف من السوريين المحتجزين قسرًا لدى نظام الأسد

صورة الغلاف: آمنة خولاني، الثانية من اليمين، التي قُتل إخوتها الثلاثة في السجون السورية/ الحملة السورية

كانت لدي آمال كبيرة عندما التقيت لأول مرة بـ ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، خارج أبواب قصر الأمم في جنيف، حيث كانت تُجرى محادثات السلام. في ذلك اليوم من شباط/ فبراير من العام الماضي، حملت صورًا لأشقائي الثلاثة الذين اختفوا، ومشيتُ في احتجاج صامت خارج مكتب الأمم المتحدة، حيث كانت تُجرى المحادثات. وافق دي ميستورا على رؤية مجموعتنا: “عائلات من أجل الحرية” التي أُسست لتقيم الحملة من أجل المحتجزين عند النظام السوري. أخذ قائمة مطالبنا ووافق على إطلاع الأطراف المشاركة في المحادثات عليها، التي تضم النظام والمعارضة.

كنتُ خائفةً من التكلم بصوت عالٍ، ومرعوبة من أنّ رفعي صور إخوتي أمام العديد من الكاميرات سيكلفهم المزيد من التعذيب، إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة في سجون بشار الأسد. لكننا كنا مصممين في ذلك اليوم على أن يُسمع صوتنا، وكان السيد دي ميستورا أول شخص نأتمنه على قائمة مطالبنا. كنا ندعو إلى الحرية والعدالة لأحبائنا ولأكثر من 100 ألف شخص اعتُقلوا واختفوا قسرًا في سورية.

بعد محادثات جنيف، التقيت به عدة مرات، وآخرها في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول هيئةٍ للمساءلة في سورية. وكان يعرب -دائمًا- عن تعاطفه مع محنة المعتقلين في سورية. ومع ذلك، لم تترجم وعوده بطمأنتنا إلى أي إجراء عملي. كانت هناك لحظات كثيرة كان يمكنه أن يصدر فيها بيانات ومطالبات لإطلاق سراح المعتقلين السوريين، وحق عائلاتهم في معرفة مكان أحبائهم، لكنه لم يفعل.

أنا أقدّر أن مهمته ليست سهلة. ولكن عندما انتشرت أخبار استقالته، لم أستطع أن أُخفي غضبي من عدم إحراز تقدم بخصوص قضية الاحتجاز طوال مدة ولايته. ولا يسعني إلا أن آمل أن بديله، غير بيدرسون، الدبلوماسي النرويجي، سيفعل المزيد من أجل تلبية مطالبنا، عندما يتولى المنصب في نهاية الشهر.

إن رفع ملفنا لن يؤثر في حيادية السيد دي ميستورا، كمبعوث سلام، بل على العكس، كان هذا جزءًا من مهمته.

كعوائل، فقد كانت دائمًا مطالبنا إنسانية. طلبنا السماح للمنظمات الطبية بدخول السجون السورية، وفحص الحالات الصحية للمحتجزين، والسماح للعائلات بزيارة أحبائها، ومعرفة مواقع دفن المحتجزين الذين ماتوا نتيجة للتعذيب، ونظمنا حملة من أجل الحرية والعدالة لجميع السوريين، بغض النظر عمن كان وراء احتجازهم.

كان الأمر متأخرًا جدًا وكارثيًا، بالنسبة إلى ثلاثة من إخوتي الأربعة. نظّمنا أنا وزوجي، مع أخويّ مجد وعبد الستار، احتجاجات سلمية، عندما بدأت الانتفاضات في آذار/ مارس 2011.

في تموز/ يوليو من ذلك العام، اعتقلت مخابرات النظام الجوية عبد الستار. وبعد أسبوعين، عادوا لاعتقال أخي الأصغر مجد، واقتادوهما إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة.

في كانون الأول/ ديسمبر، بعد دفع رشاوى، تمكنتُ أخيرًا من زيارتهما، لكن لم يكن من الممكن التعرف إليهما بسبب تعرضهما للتعذيب الشديد. كانت تلك آخر مرة أراهم فيها لكن لسنوات بعد ذلك، لم تعد لدي أي فكرة فيما إذا كانوا أحياء أو ميتين.

في خريف 2012، عادوا لاعتقال أخويّ: بلال ومحمد. احتُجز بلال مدة سبعة أشهر، ثم أُطلق سراحه، لكنه بدا هيكلًا عظميًا. أخبرنا أن محمدًا توفي نتيجةً للتعذيب. في عام 2014، عندما انشق مصورٌ عسكري، وسرّب آلاف الصور الخاصة بالمحتجزين الذين ماتوا في السجون السورية، كانت هناك صورة محمد بين الضحايا.

أنا وزوجي، اعتقلتنا المخابرات الجوية في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بعد غارة على منزلنا في دمشق. تعرضنا للتعذيب، وضُرب زوجي أمامي حتى اعترفتُ بالجرائم التي اتهموني بها.

حُكم علينا بالسجن أربع سنوات، لكن أُفرج عنا بعد حوالي ستة أشهر. لم أكتشف السبب قط، لكنني غادرتُ دمشق بعد فترة قصيرة. لم يكن لدي أي خيار.

في الصيف الماضي، بدأ نظام الأسد أخيرًا في الكشف عن أسماء المعتقلين الذين ماتوا في سجونه، زاعمًا أنهم ماتوا بسبب نوبات قلبية أو فيروسات. تلقيت إخطارًا رسميًا بوفاة مجد وعبد الستار في السجن. لم يعترف النظام بأن محمد عُذّب حتى الموت. كما عرف أصدقائي في مجموعة “عائلات من أجل الحرية” بوفاة إخوتهم وشركائهم. كان أسوأ يوم في حياتنا.

لا شيء يمكن أن يعيد لي أخي، لكن عندما تلقت مئات العائلات إخطارات القتل هذه، لم يعلق دي ميستورا حتى على هذا الانتهاك الخطير.

نحن نعلم أن العالم قد نسي أحباءنا، ولكننا نحن لن ننساهم. أعتقد أنه كان على مبعوثنا أن يكون أكثر صراحة في المطالبة بالعدالة للمحتجزين، وبطمأنة أحبائهم.

في جميع أنحاء العالم، دانت الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان إخطارات الموت هذه، لكن دي ميستورا كان غائبًا كليًا، على الرغم من امتلاكه سلطة طلب لجنة خاصة للدخول إلى السجون وفحص الأسباب الحقيقية وراء مقتل الآلاف من المعتقلين.

على نحوٍ متكرر، بدا وكأنه ينأى بنفسه ويتجنب قضية الاحتجاز الضرورية، وهو فشل أوجع بشكل خاص جميع أفراد عائلات من أجل الحرية، نظرًا إلى أنه كان يعرف الألم العميق الذي سببه لهم.

بدلًا من ذلك، وفي محاولة منه للوصول إلى تسوية، اختار التركيز على عملية صياغة دستور جديد، وهو ما يعدّه الكثير من السوريين عديم الجدوى أو مضيعةً للوقت. ومن المفارقات، أن الدستور الحالي يحمي المواطنين السوريين من الاختفاء القسري. بوجود دكتاتور في السلطة، لن يساوي الدستور قيمة الورق المكتوب عليه.

ما لم يفهمه دي ميستورا على الإطلاق هو أن السلام الدائم في سورية لن يتحقق؛ ما لم يتم التعامل مع جريمة الاحتجاز القسري ومعالجتها. في جميع أنحاء العالم، تبكي العائلات السورية فقدان الأحباء المفقودين، الذين مصيرهم مجهول. لا يمكن أن يتوقعوا أن يقضوا حياتهم كلها من دون أجوبة، ولا ينبغي إعادة بناء سورية على أنقاض المقابر الجماعية والسرية للمحتجزين.

يرثُ بيدرسون العديد من القضايا التي تحتاج إلى حل، وأهمها كيفية ضمان العدالة لأكثر من 100 ألف من السوريين الذين احتجزهم نظام الأسد قسرًا، وأعداد أقلّ محتجزين لدى الجماعات المسلحة المختلفة. كنا أنا وزوجي وأشقائي الأربعة جميعًا ضحايا هذه الوحشية، لأننا عارضنا نظام الأسد سلميًا. لقد عانت العائلات الأخرى التي لا تُعد ولا تُحصى/ الكثيرة في جميع أنحاء سورية من المعاناة التي تحملتها عائلتي.

طالما ظلّ النظام وممثلوه في السلطة، فإن التهديد بالاعتقال يمنع أيضًا اللاجئين السوريين من العودة للمساعدة في إعادة بناء بلدنا المحطم.

في الأسابيع الأخيرة، رأينا سوريين يعودون إلى ديارهم، أغراهم النظام بوعود بالأمان، من أجل القبض على البعض وتغييبهم. هناك حاجة ملحة إلى العدالة من الأمم المتحدة لجميع المفقودين، سواء في مراكز الاحتجاز أو أولئك الذين يعيشون في المنفى في مكان آخر.

هذا ما نأمل أن يحققه المبعوث الجديد. وهو دبلوماسي محنك وسفير نرويجي سابق لدى الصين، السيد بيدرسون لديه خبرة في العمل مع الحكومات الاستبدادية والمتكتمة.

هناك حاجة ماسة إلى قرار من الأمم المتحدة يدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مواقع دفن أولئك الذين قُتلوا. يجب على الأمم المتحدة أيضًا الضغط على النظام للسماح للمنظمات الإنسانية بزيارة سجونه مع ضمان محاسبة المسؤولين عن الاعتقال القسري.

بعد كل هذه السنوات، من الصعب أن نأمل في أن التغيير سيأتي. هل يستطيع السيد بيدرسون أن يفعل ما فشل المبعوثون الثلاثة من قبله في تحقيقه؟ من أجل مستقبل بلدي، يجب عليه ذلك.

اسم المقالة الأصلي

Syria cannot be rebuilt on the mass secret graves of our loved ones

الكاتب

آمنة خولاني،Amina Kholani

مكان النشر وتاريخه

ذَ ناشيونال،The National، 27/12

رابط المقالة

https://www.thenational.ae/opinion/comment/syria-cannot-be-rebuilt-on-the-mass-secret-graves-of-our-loved-ones-1.807048?fbclid=IwAR05zdXdi8_v-Sy9i5UGbdaZHKaSEUdddujtkQLQTesFuqlYaoZwki1xBcc

عدد الكلمات

1094

ترجمة

وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق