تحاول موسكو الدفع صوب خلق توجه عربي، يهدف إلى إعادة تفعيل مقعد سورية في الجامعة العربية -ممثلًا بالنظام- ودفع النظام نحو “الشرعية” العربية، مقابل أن تقوم موسكو بالضغط على إيران من أجل الخروج من سورية، ويأتي ذلك بالتزامن مع توافقات روسية-تركية (دون طهران) حيال مرحلة ما بعد خروج القوات الأميركية من سورية.
مصادر متقاطعة قالت لـ (جيرون): إن روسيا تقود حراكًا بين الدول العربية، عبر الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، ودول أخرى، من أجل إعادة الشرعية للنظام على طاولة الجامعة العربية، والمساعدة في إعادة إعمار سورية، مقابل ضمانات قدمتها روسيا، حول دفع إيران خارج سورية.
المصادر أشارت إلى أن الإمارات بدأت -منذ مدة- التواصل مع شخصيات معارضة، إضافة إلى أن لها دورًا في الحراك الذي تقوم به مصر مع النظام السوري -ولعل الزيارة التي أجراها علي مملوك إلى القاهرة تأتي في هذا الإطار- وذلك من أجل تحقيق هدفين: الأول ضرب السعي التركي شمال سورية، والثاني دفع الإيرانيين خارج سورية.
وتوضح المصادر المطلعة أن روسيا قدّمت ضمانًا، بأن يقوم النظام رسميًا -بعد حين- بإرسال طلب إلى إيران من أجل الخروج من سورية، في الوقت الذي ستقوم فيه موسكو بوضع عدة عوائق أمام بقاء الإيرانيين، أهمها القلق الدولي من المخطط الإيراني في سورية، العقوبات الأميركية، مخاوف “إسرائيل”، والسعي العربي.
وعلى الرغم من ذلك، ما زالت المجموعة العربية (التي تنسق مع موسكو) متخوفة من أن يخلف الروس بضمانهم هذا، ووفق المصادر، فإن هذا الضمان ليس هينًا على موسكو التي ترى في الوجود الإيراني ما يخدم مصالحها في المنطقة، فضلًا عن تشابك التفاهمات والمصالح بين البلدين، وهو ما يجعل الآمال التي تعقدها المجموعة العربية صعبة التحقيق في الوقت الراهن، أو ربما بعيدة المنال.
وكانت وكالة (رويترز) قد نقلت، قبل أيام، عن دبلوماسي عربي قوله إنه يعتقد أن الغالبية (الدول العربية) تريد إعادة سورية لمقعدها في الجامعة، مشيرًا إلى أنه لا يتوقع أن تكون هناك معارضة للقرار، باستثناء ثلاث أو أربع دول.
تأتي هذه التطورات، بعد ظهور مؤشرات على الساحة العربية حيال الملف السوري، أهمها زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، ثم إعادة فتح الإمارات لسفارتها في دمشق، ثم تأكيد البحرين أن علاقاتها مع النظام لم تنقطع، وتحسن العلاقات بين النظام والأردن، فضلًا عن زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام علي مملوك إلى القاهرة.
نور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، قال قبل أيام على حسابه في (تويتر): إن “قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بعودة عملها السياسي والدبلوماسي في دمشق يأتي بعد قراءة متأنية للتطورات”، كما أن القرار الإماراتي يأتي “وليد قناعة بأن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري، حرصًا على سورية وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها”.
ونشر وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، على حسابه في (تويتر)، أن “سورية بلد عربي رئيسي في المنطقة، لم ننقطع عنه ولم ينقطع عنا، رغم الظروف الصعبة”، وتابع: “نقف معه في حماية سيادته وأراضيه من أي انتهاك. ونقف معه في اعادة الاستقرار إلى ربوعه، وتحقيق الأمن والازدهار لشعبه الشقيق”.
في سياق التطورات العربية أيضًا، قالت مصادر كويتية مطلعة: إن قرار الكويت إغلاق السفارة في دمشق “كان سابقًا بقرار من الجامعة العربية التزمنا به”، وأضافت: “إذا كان هناك قرار جديد للجامعة، بعودة العلاقات مع دمشق وفتح الدول العربية لسفاراتها هناك؛ فإن الكويت ستلتزم مجددًا”، بحسب ما نقلت صحيفة (القبس) الكويتية.
على صعيد متصل، زار وفد تركي، برئاسة وزير خارجية أنقرة مولود جاويش أوغلو، العاصمة الروسية موسكو، والتقى مع الجانب الروسي برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، وبحثا الملف السوري وتطوراته بعد قرار البيت الأبيض سحب القوات الأميركية من سورية خلال فترة أقصاها 100 يوم، وكان لافتًا غياب الجانب الإيراني عن الاجتماع، ولا سيما أن الرئيسين التركي والروسي عقدا قمة في وقت سابق، حول إدلب، لم يحضرها الجانب الإيراني أيضًا.
وقال أوغلو، خلال مؤتمر صحفي، أمس السبت، عقب اللقاء: “باعتبارنا ضامنين لمسار أستانا (روسيا، تركيا، إيران)، فإننا ندافع عن وحدة تراب سورية وكيانها السياسي، ونعارض جميع الجهود التي من شأنها الإخلال بهما”، وأوضح أن الاجتماع الذي تم بين الطرفين “شهد مراجعة مخرجات مساري أستانا وسوتشي، والخطوات الممكن اتخاذها لاحقًا، إضافة إلى قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من شمالي سورية”.
بدوره، قال لافروف خلال المؤتمر ذاته: إن الجانبين اتفقا على “تكثيف العمل من أجل تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومحاربة الإرهاب في إطار اتفاقات البلدين”، وأضاف: “قمنا بتقييم كيفية سير العملية السياسية التي اكتسبت زخمًا كبيرًا، بعد مؤتمر الحوار السوري (سوتشي) في إطار مسار أستانا”.