أشار (مجلس سوريا الديمقراطية/ مسد)، الأربعاء 26 كانون الأول/ ديسمبر 2018، إلى وجود مفاوضات مع مصر، بهدف التوسط مع النظام السوري في دمشق، وقالت الرئيسة المُشتركة إلهام أحمد، في تصريحات لصحيفة (العرب) اللندنية، إن هناك اتصالات، جرت في الأيام القليلة الماضية، بين قيادات كردية ومسؤولين مصريين، لتتدخل القاهرة في مسألة التوسط مع دمشق.
وعبرّت أحمد عن أملها في أن تتمكّن مصر من وقف التصعيد في شمال سورية، والتوسط لدى النظام السوري على وجه السرعة. وتعقيبًا على الخبر، أشارت الصحيفة إلى أن وفدًا من المخابرات المصرية سيزور سورية قريبًا، لوقف التصعيد العسكري في منطقة شرق سورية.
هناك عدة عوامل تُمكّن مصر من لعب دور حيوي في إتمام وساطة بين النظام و “وحدات الحماية” الكردية:
دفع خليجي ضد التحرك التركي:
تُحاول تركيا الاستفادة من قرار الانسحاب الأميركي قدر الإمكان، ويبدو أنها تسعى، بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أراضيها، للاستفادة من ضغط الرأي العام على السعودية التي تحاول إدارة ترامب إبعادها من التعرض لضغوط دولية سياسية وحقوقية وعسكرية فعلية، مقابل دفعها لتمويل عملية إعادة الإعمار في شرق سورية، والضغط عليها لتخفيف حدة الحرب في اليمن، ودفعها نحو تخفيض أسعار النفط، وغير ذلك من المكاسب. وفي ضوء ذلك التوجه الأميركي المذكور؛ تسعى تركيا لتوظيف هذا التوجه لخدمة مصالحها، في منطقة شرق الفرات، حيث إنها طرف أساس في قضية مقتل خاشقجي، ويمكنها من خلال التنسيق مع دول أوروبية كبرى تعير المبادئ الإنسانية أهمية كبيرة، أو من خلال نشر مزيد من التسريبات، إيقاعَ السعودية في مأزق، إذا لم يُراعى جزء من مصالحها في شرق الفرات.
انطلاقًا من التعامل مع سياسة الأمر الواقع؛ يبدو أن دولًا خليجية قد تدفع مصر نحو لعب دور دبلوماسي نشط، من أجل تقريب وجهات النظر بين النظام السوري و “وحدات حماية الشعب” قدر الإمكان، طبعًا لا يُتوقع أن تؤدي مصر دورًا حيويًا، من دون توافق موسكو وواشنطن على تحقيق النظام انتشارًا جزئيًا في بعض مناطق شرق الفرات، ليأتي الدور المصري في إطار شكلي فحسب، يُبعد الإحراج من موسكو وواشنطن اللتين قد تحتجّان على ذلك الدور المصري المذكور، في ضوء رفع الإحراج عن تحركهما السياسي والعسكري أمام تركيا. كما يأتي الدور المصري في إطار محاولة دول خليجية تخفيف حجم استفادة تركيا من المناخ الحالي قدر الإمكان.
ارتباط استخباراتي سوري – مصري:
بعد تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، بدا أن مصر تميل إلى جانب النظام السوري، فضلًا عن دعواتها الإعلامية -أحيانًا- عددًا من الدول العربية، لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، عوضًا من محاولتها الإبقاء على التطبيع مُنخفض المستوى مع النظام السوري، من خلال عدة لقاءات ثقافية وإعلامية مصرية سورية جرت في دمشق، كان من الصعب أن تتم، لولا الموافقة الأمنية المصرية المقصودة في الغالب.
في 24 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، زار رئيس مكتب الأمن الوطني لدى النظام السوري علي مملوك القاهرةَ، بدعوة من رئيس المخابرات المصرية عباس كامل. ويأتي سياق الزيارة، على الأرجح، في ترتيب آليات عودة دمشق إلى حضن الجامعة العربية، والمفاوضات عمّا يمكن أن يقدمه النظام للدول العربية ضد النفوذ الإيراني، في حال قبلت تمويل جزء من عملية إعادة الإعمار، وبهذا الارتباط الاستخباراتي الحيوي؛ يتضح عامل آخر عن مدى إمكانية نجاح الدور المصري في تقريب وجهات النظر، بين النظام السوري ووحدات الحماية، وإن كان ذلك بصورة شكلية.
في السياق ذاته، يمكن قراءة زيارة رئيس (تيار الغد) الذي يتخذ القاهرة مقرًا رئيسًا له، أحمد الجربا، مطلع الشهر الجاري إلى منطقة شرقي الفرات، في إطار محاولته دفع “وحدات الحماية” نحو المناداة بوساطة مصرية، كتلك التي تمت في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، العام الماضي. ويبدو أن دعوة (مجلس سوريا الديمقراطي/ مسد) مصر، للقيام بدور الوساطة، تحمل جزءًا من منطق تفسير زيارة الجربا في هذا الإطار.
مسعى مصري لرفع مستوى دورها في معادلات الشرق الأوسط:
تنبع أهمية أي نظام في منطقة الشرق الأوسط، بالنسبة إلى الدول الكبرى، من مستوى الدور الوظيفي الذي يقوم به، وفي الحالة المصرية، التي ما زال فيها السيسي يبحث عن شرعية دولية توطّد حكمه أطول مدة ممكنة، يزداد الطموح للعب دورٍ حيويٍ في المسألة السورية التي تُعدّ مسألة اللحظة الفاعلة على الساحة الدولية، وهي تمنح القاهرة فرصةً لتوسيع نطاق دورها ومجال مناورتها، في أزمات المنطقة الأخرى.
في الختام، تبقى المبادرة، إذا حدثت فعلًا، شكلية، إذ تمنح موسكو وواشنطن ذريعة أمام تركيا، للتحرك بما يخالف طموحها، وهذا -إلى جانب العوامل المذكورة أعلاه- ما يجعل تحولها إلى واقع أمرًا ممكنًا. ولا يبتعد ذلك من حدود الواقعية كثيرًا، فقد حدث هذا في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، حيث تحركت موسكو ضد مسار أستانا الذي جعل من المناطق المذكورة “مناطق خفض تصعيد”، يُنظر في أمرها عبر أستانا، إلا أن الوساطة المصرية مهّدت لموسكو الطريق لاختراق ذلك الأمر. ولكن يبقى الأمر بحاجة إلى صفقة دولية بين موسكو وواشنطن، في ظلها تتم الوساطة المصرية.