هموم ثقافية

التعري.. وثقافة الخوف

يتوق أصحاب العقلية الذكورية، الممسوسين بالتعصب الديني والسياسي والإجتماعي، لأن يتم التعري فقط أمام أبصارهم، أما ما دون ذلك، فيغدو الأمر بالنسبة إليهم جريمة، تسمى “الفعل الفاضح العلني”، هم يرغبون في أن يستأثروا بالأنثى لأنفسهم، وفي الخفاء لا في العلن، فلا ضير من أن تتعرى الأنثى في خلواتهم، على نحو سري، وأن تتخذ دور المسكينة، والضحية، وأن تتعرى وهي تتوسل سيدها ليثني على عريها بنظراته ولمساته، أما تلك التي تمارس التعري، في العلن، بحرّية، وقد نزعت من قلبها المسكنة، وتحررت من كونها ضحية، فتلك تحديدًا من يتصدى لها أصحاب الثقافة العصبوية، من حقوقيين، وقضاة، ونواب، ووزراء، ومشايخ.. فهي تخيفهم بخروجها من تحت عباءتهم، وتخلخل وتزلزل الأرض من تحت أقدامهم، إذا ما مارست فعل التعري بحرية وإرادة شخصية، بعيدًا من سطوة ذكورتهم وسلطتهم، ومن منطق ثقافتهم هذه، يرون في فعل كهذا، جريمة توازي جريمة الإخصاء، نعم، فهم يعادون ويكرهون المتعرية، ليس لأنها مارست حريتها في العلن، انطلاقًا من إرادتها الشخصية، فحسب، بل لكونها، في اللاشعور عندهم، قد أقدمت على إخصائهم، لمجرد أنها تحررت من كونها سبيّة لهم، أو ضحية لنزواتهم، أو عشيقة سرية لواحد منهم.

واللافت للنظر، أن كل ما له علاقة بجسد الأنثى، وعريه، يؤدي إلى استنفار طاقات أمثال هؤلاء؛ إذ على ما يبدو، ما من مشكلة عندهم، في أن تُعذّب الأنثى، وتعرّى، وتُجلد وتغتصب، ويقطع عنقها، داخل المعتقلات المحسوبة على الجماعات الإسلامية، أو في سجون الأنظمة الدكتاتورية، فكل هذا يحدث هناك، في الخفاء، وبالإكراه، وهو خارج عن إرادة الأنثى، ولذلك لا يستدعي الضغينة، ولا يعتبر جريمة تخدش الحياء العام، ولا يؤدي إلى إفساد المجتمع، ولا يستدعي رفع الدعاوى والقضايا، وعقد الاجتماعات والمحاكمات، وشن الحملات الإعلامية!! فمع مثل هذه الأحداث يصابون بالعماء والخرس، بينما العري العلني، من منطلق تأويلهم المعرفي للديانات وللشرائع السماوية، والقوانين، هو وحده من يؤثّر في الأجيال القادمة، ويحرضها على فعل الكبائر، وهو وحده ما يستدعي من السادة حراس العقيدة والعادات، التعجل لمواجهته.

هم متشبثون بأثواب آلهة يتخيلونها، وقد حملت إليهم في جنتهم، الموعودين بها، حوريات عاريات كاسيات، يرتدين ربما، أثوابًا مشابهة لثوب الحورية، ولهذا يوجهون سخطهم وغضبهم عليها، فهم يكرهون أن تظهر الحوريات على الأرض، وأن يفتنن بحضورهن أحد غيرهم، فالحوريات مقتصرات عليهم، لأنهم وحدهم المؤمنون، ووحدهم الموعودون بالجنة، فكيف تتجرأ إحداهن على كشف فتنتها الجسدية فوق الأرض، في حين أن جميع الحوريات مرهونات فقط لأصحاب السعادة في اليوم الأخرة، ولا يحق لأحد غيرهم أن ينعم برؤيتهن على الأرض، تلك الأرض التي ترتج من تحتهم، لمجرد أن يبصروا فعلًا خليعًا، كما يصفونه، وهو يمارس في العلن، إلى حد، بدا وكأن سيقان (رانيا يوسف) التي ظهرت من خلال شقوق الفستان، تغفو على ميزات لا ندركها نحن -البشر العاديين- ولم يدركها بعد علم التشريح، ولا علم الجمال، حتى حسبنا أن شيئًا ما، على غاية من الخطورة يقبع هناك، ويهدد سلامة وبنية المجتمع العربي، وأركان إسلامه، فرحنا نمعن النظر، ولم نجد إلا امرأة ممن خلق الله، تقدم على فعل، يصادفنا في التلفاز، وفي المهرجانات، والمناسبات، وأحيانًا كثيرة في شوارعنا العربية، لكنه لم يستوقفنا، كما استوقفنا هذه المرة، نظرًا إلى استنفار هذا الكم الهائل من (طاقات الأمة).

إن أي فعل فاضح وكاشف وعلني، يفقد هيبة المنتمين إلى الثقافة العصبوية، كيف لا، وهم المشتغلون بالغيبيات، ومنها يحصلون أرزاقهم، وباسمها يمارسون سلطتهم وسطوتهم على الناس، فلو انكشف كل شيء لأصبحوا في حالة عري كامل، وهذا العري هو الذي يخافون منه.

وها هو فستان رانيا يوسف، يعكس من جديد، عريهم الفكري والروحي والإيماني، ويشير إلى أن ذواتهم وعقولهم وأفئدتهم، تقبع هناك، بين السيقان، ومن هنا، لا يبدو مستغربًا، أنهم يقفون مع الأنظمة القمعية والدكتاتورية، لكونهم يتشاركون معها في العداء للحرية واغتصابها، ويشتركون معها في كراهية كل ما يخرج إلى النور! لذلك، كانوا هم أول من اقتسم مع الأنظمة الدكتاتورية الجرائم بحق الثورات العربية، وأكثر ما تجلى ذلك في الثورة السورية، إذ لم يهن على كلا الطرفين، رؤية كل هذا الجمال والألق الذي ارتسم على وجوه الشابات والشباب، حينما خرجوا ينادون بحريتهم في العلن، فسارعوا ينهشون لحومهم، ويطعنون ظهورهم بفتاواهم وشعاراتهم وحرابهم، لأن تلك الثورة خرجت دون إذن منهم، فأي شيء يخرج إلى النور، أو يخرج عن إطار سلطتهم وسطوتهم، يعتبر جريمة، حتى لو كان محض فستان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق