أعلنت (هيئة تحرير الشام) مساء أمس الجمعة، سيطرتها الكاملة على بلدة عنجارة في ريف حلب الغربي، معقل (حركة نور الدين الزنكي) التي كانت تسيطر على معظم ريف حلب الغربي، بعد معارك استمرت عدة أيام بين الفصيلين، امتدت إلى عدة مناطق في أرياف حلب وإدلب، بمشاركة (الجبهة الوطنية للتحرير).
وأكدت معرفات (هيئة تحرير الشام) عبر برنامج (تلغرام) أن مقاتليها سيطروا على بلدة عينجارة، وأنها تمكنت من السيطرة على كامل ريف حلب الغربي، و”القضاء على حركة (نور الدين الزنكي)”، فيما أكد ناشطون أن ما يقارب 400 مقاتل من الحركة، مع عائلاتهم، توجهوا إلى مناطق سيطرة (الجيش الوطني) في منطقة عفرين، ومن ضمنهم قيادة الحركة.
جاءت سيطرة (الهيئة) على ريف حلب الغربي، بعد ستة أيام من الاشتباكات بين الفصيلين، بدأت بمعارك في مدينة دارة عزة وجبل بركات، حيث تمكنت (الهيئة) من السيطرة عليه، ثم سيطرت لاحقًا على (الفوج 111) في منطقة الشيخ سليمان، ثم تقدمت، عصر أمس الجمعة، إلى بلدات (عنجارة والهوتة وعويجل وعرب فطوم وبابيص ومعارة الأرتيق)، وانسحب مقاتلو (الزنكي) أخيرًا من بلدة قبتان الجبل، بعد أن حاصرتهم قوات (الهيئة)، إلى منطقة عفرين، مساء أمس الجمعة.

من جانب آخر، رفض قيادي في (حركة نور الدين الزنكي) -طلب عدم الكشف عن اسمه- التعليقَ على أسباب انسحاب الحركة من ريف حلب الغربي، وأكد في حديث إلى (جيرون) أن “معارك (الجبهة الوطنية) لن تتوقف مع (الهيئة)، وأن خسارة مواقع في ريف حلب لا تعني حلّ الحركة أو استسلامها”، وأضاف أن “الظرف اليوم لا يسمح للحركة بالإدلاء بأي تصريح حول ما حدث”.
وكانت (الجبهة الوطنية) التي تضم عدة فصائل من (الجيش السوري الحر) قد أعلنت، الأربعاء الماضي، “النفير العام” ضد (هيئة تحرير الشام) في محافظة إدلب، وقالت في بيان: “نعلن النفير العام لمكوناتنا كافة، على كامل التراب المحرر، للتصدي لاعتداءات الهيئة، وردع الظالم، واسترداد المناطق التي اغتصبتها كافة”، وتمكنت قوات (الجبهة)، وتُعدّ حركة الزنكي أحد مكوناتها، من طرد مقاتلي (الهيئة) من عدة بلدات وقرى، في ريفَي إدلب الجنوبي والشرقي، أبرزها جبل شحشبو وبلدة تلمنس.
تعود نشأة (حركة نور الدين الزنكي) إلى أواخر عام 2011، بقيادة توفيق شهاب الدين، وقد ساهمت في تشكيل (لواء التوحيد) في ريف حلب، وينحدر معظم مقاتليها من مدن وبلدات ريف حلب الغربي، إضافة إلى مقاتلين من مدينة حلب، واعتمدت الحركة على قوتها المناطقية، عن طريق الحاضنة الشعبية التي تمتكلها في ريف حلب الغربي، وكان لها دور بارز في تشكيل (جيش المجاهدين) الذي طرد مقاتلي تنظيم (داعش) من أرياف إدلب وحلب، عام 2014.
تميزت الحركة بتنظيمها عسكريًا، وبناء عدة مؤسسات مدنية تتبع لها، كما تمكنت من استقطاب عشرات الشباب والناشطين، للعمل وتأسيس منظمات مدنية في مناطق سيطرتها، وانضمت عام 2016 إلى (هيئة تحرير الشام) عند تأسيسها، لكنها تركتها بسبب تسلط (جبهة النصرة) والجناح السلفي فيها، على (الهيئة)، وانضمت في الصيف الماضي إلى (الجبهة الوطنية للتحرير) التي تضم كلًا من “فيلق الشام، وأحرار الشام، وصقور الشام، وجيش إدلب الحر، وجيش النصر، وكتائب أخرى”.
خاضت حركة الزنكي عدة معارك ضد (هيئة تحرير الشام) وخسر الطرفان مئات العناصر، في خمس جولات قتالية، خلال العامين الماضين، وتصدت قبل عدة أشهر لمحاولة (الهيئة) السيطرة على مناطق في ريف حلب الغربي، ولكنها خسرت مواقعها، في اليومين الماضيين، بعد هجوم للهيئة بقيادة جهادي يُدعى “أبو اليقظان المصري” وهو الذي أفتى بقتل عناصر الزنكي، العام الماضي.
عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز (جسور للدراسات)، قال في حديث إلى (جيرون): “تمكنت (هيئة تحرير الشام) من السيطرة على ريف حلب الغربي، بعد فشلها سابقًا عدة مرات، بسبب انتهاجها استراتيجية جديدة، تمثلت بأمور عدة أهمها: اللجوء إلى سياسة تحييد المدن، بذريعة الحفاظ على سلامة المدنيين، ما تسبب في قطع طرق الإمداد عن مقاتلي (الزنكي)، وشن هجوم متزامن على مواقع الحركة، وثاني الأسباب هو اللجوء إلى إشغال (الجبهة الوطنية للتحرير) بمعارك في جبل شحشبو وريف إدلب الجنوبي الشرقي، منعًا لإرسال مؤازرات لمقاتلي (الزنكي) في ريف حلب الغريي، ونجحت في ذلك”.
أضاف عاصي: “كما تمكّنت (الهيئة) من تحييد بعض الفصائل، مثل بعض كتائب (فيلق الشام) في القطاع الشمالي، وغيرها، مستفيدة من بنية (الجبهة الوطنية للتحرير) الهشة، وأخيرًا تمكنت من اختراق بنية (حركة نور الدين الزنكي) المناطقية، عبر استمالة بعض المناطق، وتقديم وعود بمشاركتها في (حكومة الإنقاذ) وإعطائها صلاحيات إدارية، مثل ما جرى في بلدة عويجل وغيرها”.
يشكّل دخول (هيئة تحرير الشام) إلى ريف حلب الغربي مصدرَ قلق لدى الناشطين ومنظمات المجتمع المدني، حيث قد يشكل هذا التطور تضييقًا على عمل المنظمات، وعمل مؤسسات الحكومة المؤقتة التي تنشط في المنطقة، كما سيؤدي إلى تبعية المنطقة خدميًا لـ (حكومة الإنقاذ)، وإضعاف فاعلية المجالس المحلية، التي نظمت أول انتخابات ديمقراطية لاختيار مجلس بلدة عنجارة، قبل عدة أسابيع.