تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

اكتمال الجريمة يفجر أشواق الزعماء العرب

في صيف عام 2011، لم تكن الجريمة قد اكتملت بعدُ، إذ كان ضحايا النظام السوري -في ذلك الحين- بضعة آلاف وحسب، وكذلك أعداد المعتقلين والمهجرين، ولم يكن الدمار قد طال معظم الأحياء والمدن السورية، وربما كان هذا توقيتًا مناسبًا للزعماء العرب، كي يجمدوا عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، بذريعة احتجاجهم على الجرائم التي يرتكبها الأسد بحق الثوار السوريين؛ فاعتقد كثير من السوريين، ومعهم بعض الأشقاء العرب، أن زعماءهم من ملوك ورؤساء وأمراء باتوا يمثلون، ولو بالحد الأدنى، جزءًا من طموحاتهم وأمانيهم، وأنهم لم ولن يسمحوا لسفاح مثل بشار الأسد، بقتل المزيد من أبناء شعبه، وأن لا بد من وضع حد لجرائمه. ومن منطلق هذا التخمين؛ تم حرمانه من الجلوس إلى طاولتهم المستديرة في مقرّ الجامعة العربية، ومن هناك راح العديد من هؤلاء الزعماء يُنددون بجرائم الأسد، ويُعلنون دعمهم الكامل للشعب السوري في ثورته، ووصل الأمر بكثيرين منهم إلى أن أعلنوا صراحة عن ضرورة رحيل الأسد، بوصفه فاقدًا لشرعية حكم شعبه. وتواصل تكرار مثل هذه المزاعم على لسان وزير خارجية المملكة العربية السعودية حتى وقت قريب، في جملته الشهيرة: (على الأسد أن يرحل، سياسيًا أو عسكريًا)، وكانت هذه التحركات والمزاعم والموشحات، الإجراءات الوحيدة التي أقدم عليها الزعماء العرب للتعبير عن قلقهم، إزاء الجرائم التي أدت -حينذاك- إلى قتل عشرات الآلاف من السوريين.

ما دون هذا، لم يحركوا ساكنًا، ولم يقدموا على أي إجراء يؤدي -فعليًا- إلى رحيل الأسد، حيث اكتفوا بتوظيف كل جهودهم وطاقاتهم وإمكاناتهم للطعن والغدر بالثورة السورية، عن طريق ما سُمّي “مساعدات إغاثية للشعب السوري” في حين أنهم لم يمدوه إلا بأشباح الهلاك والموت، إذ لم يتركوا  جهةً إرهابية أو تكفيرية إلا أرسلوها، كهدايا وعطايا للسوريين الثائرين على الخنوع والظلم والاستعباد، وكانوا يتباكون عليهم في المحافل الدولية، وفي تصريحاتهم الإعلامية، بينما في الخفاء، من داخل قصورهم، كانوا يُعدّون الخطط لتوسيع رقعة الموت السوري، وجعله يدفع ثمن حلمه بالحرية.

كي تنطلي الحيلة والخديعة على المخدوعين والمخادعين، اتخذ بعض الزعماء العرب رقعةً من الأرض التي لا يحكمها الأسد مقرًا للمعارضات السورية، تعقّد فيها اجتماعاتها، وفيها تستعر الخلافات وتتضارب المواقف، وتتشتت الجهود والطاقات، ومع ذلك تسابق كثيرون من أعضاء هذه المعارضات إلى التعبير عن شكرهم الأنظمة العربية على الهدايا والعطايا التي أُرسلت إلى الشعب السوري، وكأنهم ليسوا إلا ألعوبة بيد تلك الأنظمة، يشكرونها ويحمدونها، على عطايا لم تكن تحمل في طياتها إلا نيرانًا لحرق ما تبقى من حرية وكرامة السوريين، إذ أثبتت الوقائع، واقعة إثر أخرى، أن الزعماء العرب ساهموا -فعليًا- مع الأسد وعصاباته، في طعن الثورة السورية، ونقلها إلى المصير المهلك الذي وصلت إليه، وإلا فلماذا الآن، بعد اكتمال الجريمة، يروق لهم إعادة العلاقات مع النظام السوري، بذريعة الحرص على وحدة سورية وشعبها، وقد قتلَ الأسد واعتقل وشرد نصفَ شعبها، على مرأى من أبصارهم، وعلى مدار ثمانية سنوات، وجعل أراضيها محتلة ومستباحة للعصابات الإيرانية والروسية والداعشية، وعرضة للتدخلات التركية والأميركية وغيرها؟

ألا يعني هذا أن زعماء الأمة العربية، بعد بلوغ الجريمة مرحلة الكمال، وجدوا التوقيت المناسب لتقديم العطايا والهدايا للأسد، تعبيرًا عن امتنانهم على الأداء المشرّف الذي اعتمده في قمع السوريين وقتلهم، بوصفه هذه المرة النموذج الأمثل لهم، والمرشد إلى كيفية إبادة أي شعب عربي يثور على واحد منهم، وهذا يؤكد مرة ثانية أن اجتماعاتهم في مقر الجامعة العربية صيف عام 2011، واتخاذهم لقرار تجميد عضوية النظام السوري، لم يكن الغرض منه إلا التورية والمخادعة والنفاق، ليتاح لهم مشاركة الأسد في قتل السوريين التواقين للحرية. أم تراهم ليسوا إلا عبيدًا، عند أسيادهم من الأميركيين والصهاينة، الذين أشاروا عليهم الآن، كما أشاروا عليهم سابقًا، بأن الظرف بات مناسبًا لإعادة النظام السوري إلى حظيرتهم؛ فراحوا يتراكضون لتنفيذ وتأدية تلك الأوامر التي افتتحها زعيم السودان عمر البشير، الفار من وجه العدالة الدولية، وكان قبله وزير خارجية البحرين قد تصافح مع وزير خارجية العصابة الأسدية وليد المعلم، ومؤخرًا أعلنت كل من الإمارات والبحرين فتح سفارتهما في دمشق، ومن قبل كان النظامُ الأردني قد بادر إلى فتح معابره الحدودية مع تلك العصابة، كذلك أعادت تونس الرحلات الجوية مع دمشق، والحبل على الجرار، خصوصًا أن وزير خارجية الرياض قد كفّ -منذ مدة ليست ببعيدة- عن ترديد جملته الشهيرة الخاصة بحتمية رحيل الأسد، سياسيًا أو عسكريًا، إذ أضحى الأسد الآن، بعد أن أوكل إليه قتل حلم حرية الشعوب العربية، صديقًا مقربًا من الزعماء العرب الذين لا يُباركون ويحتفون بالجريمة، إلا في حال اكتمالها، وحينئذ، تهفوا صدورهم لمعانقة وتهنئة سيدها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق