اقتصادسلايدر

الآثار الكارثية للحرب على البيئة في سورية

الحرب التي شنّها النظام السوري على الشعب عام 2011، لم تكن حربًا ضد البشر وحسب، وإنما ضد كل أنواع الحياة، وضد البيئة من ماء ونبات وحيوان وشجر، وكانت آثارها مدمرة على البيئة السورية، إلى حد بعيد، الأمر الذي يستدعي تسليط الأضواء عليها، والتفكير في سبل الحد من مخاطرها.

هناك جهود لمنظمات دولية تُدخل مسألة التلوث الناجم عن السلاح في حساباتها، في أثناء التخطيط لجميع عملياتها في أنحاء العالم، كعمليات الإغاثة والأمن الاقتصادي والمياه والصرف الصحي والصحة وحماية المدنيين، إلخ، ومثال على ذلك برامج اللجنة الدولية للأمن الاقتصادي، التي لا تهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين يعانون فحسب، بل تسعى لمنع مزيد من المعاناة من خلال ضمان عدم اضطرار السكان إلى دخول مناطق خطيرة لكسب الرزق، والحيلولة دون وقوع الحوادث، والحد من الآثار الناجمة عن التلوث الناجم عن السلاح، وهما أمران يلازمان الأنشطة الرامية إلى مساعدة الذين وقعوا ضحية التلوث الناجم عن السلاح، مثل إعادة التأهيل البدني والعمليات الجراحية وبرامج الأمن الاقتصادي.

يتضمن عمل هذه اللجنة الدولية مجموعة من العناصر، كجمع المعلومات وتحليلها، والتوعية بالمخاطر، ثم المسح والتطهير، ويمثّل جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة بالسلاح وضحاياها، الأساس الذي يستند إليه كل تخطيط، وعندما تقوم اللجنة بتحليل البيانات فهي تستخدم النتائج لتحديد المناطق الخطرة والأشخاص الأكثر عرضة للخطر، لوضع الأولويات لكل بلد من بلدان العالم، وغالبًا ما تلعب الجمعيات الوطنية دورًا مهمًا في جمع البيانات.

من أهم آثار الحرب السورية على البيئة، عملية حرق آبار النفط، وتصريف المواد الكيميائية والمشعة من المصانع أو المنشآت والمخازن، وتلوث المياه نتيجة تدمير نظم معالجة مياه الصرف الصحي، وحدوث فيضانات وجفاف للأرض بعد تدمير السدود وأنظمة الريّ.

كذلك هنالك آثار ناتجة عن التأثيرات الفيزيائية أو الكيميائية على الغطاء النباتي، وتشمل هذه الفئة تآكل وعدم إعادة النمو والتصحر، وكذلك أثر المواد الكيميائية الناتجة عن استخدام الدبابات والمدفعيات، وما ينتج عن ذلك من مادة ثنائي الفينيل متعدد الكلور عن أنظمتها الهيدروليكية، وهي مادة من الملوثات العضوية الثابتة، وكذلك الرصاص العادي وقذائف الدبابات التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، كما أن المتفجرات هي مركبات النيتروجين العضوية التي تحتوي على الزئبق في بعض الأحيان، وإضافة إلى ذلك الألغام والقنابل التي لا تنفجر في أثناء القتال.

تُعتبر العواقب الاقتصادية لهذا الدمار البيئي هائلة أيضًا، وكمثال عن التكاليف المالية الضخمة للتأثيرات البيئية التي تخلفها الحرب، نذكر أن تكلفة تنظيف 640 كم2 من الأراضي من مخلفات حرق النفط تصل إلى 450 مليون دولار، كما أن كلفة نزع 1.6 مليون لغم أرضي أكثر من 400 مليون دولار (اللجنة الدولية للصليب الأحمر).

أدى استهداف الأراضي الزراعية إلى التضييق على السكان وحرمان الأهالي من مردودها الغذائي، وبخاصة في المناطق التي كان النظام يحاصرها من جميع الجهات، وأبرز تلك المناطق الغوطة الشرقية في ريف دمشق، كما قام النظام السوري بتجريف أراض زراعية (أشجار مثمرة وصبار) في محيط داريّا والمعضمية غرب دمشق، وذلك بذريعة أن الفصائل المعارضة تستخدم تلك المزارع لمهاجمة قوات النظام في دمشق، وبخاصة في مطار المزة العسكري. وفي إدلب قالت الحكومة السورية المؤقتة المعارضة إن 70 بالمئة من الأشجار الحراجية في المحافظة قد تم قطعها أو أُحرقت منذ انطلاق الثورة السورية، في حين اقتصر دور وزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ (إدلب) لمواجهة التحطيب الجائر، على نشرات توعية، وإبراز أهمية الشجرة ومكانتها في الإسلام، للتأثير على الناس في خطب الجمعة والدروس في المساجد، بحسب تحقيق صحفي (الفرحات احمد، العربي الجديد، تشرين الأول/ أكتوبر 2018)، واعتمد السوريون خلال السنوات الأخيرة الحطب وسيلة للتدفئة في ظل ندرة توفير المحروقات وارتفاع أسعارها؛ الأمر الذي دفعهم إلى قطع الأشجار (سميرة مبيض، تاريخ البيئة والحرب، موقع  البيئة والحرب، نقلًا عن  مقالة مترجمة بتصرف للعالم arne jernelov).

أظهرت تحاليل مخبرية في عام 2013 أن 74 بالمئة من مياه الشرب، في ريف دمشق، تلوثت وتحتوي على مسببات التهاب الكبد، وأن شبكات المياه بريف دمشق مخالفة للمواصفات العالمية، ولم تخضع للصيانة الكافية، حيث منعت العقوبات استيراد المعقمات، كما أظهرت أن عشرات آلاف السوريين يُعانون بسبب تلوث مياه الشرب الناجم عن اختلاطها بمياه الصرف الصحي، إذ لم تستطع هذه الشبكات الصمود أمام المواجهات العسكرية المحيطة بها، فتعرضت للتكسير والتسرب، وساعد في ذلك قدمُ هذه الشبكات ونوعيتها المخالفة للمواصفات العالمية وقلة صيانتها، كما تغيب خدمات توفير مياه شرب نقية عن مخيمات النازحين من مناطقهم داخل سورية، وتتوزع مخيمات النازحين في عدة مناطق أبرزها أرياف حلب وإدلب والحسكة ودير الزور، الأمر الذي أدى إلى انتشار أوبئة وأمراض.

شهدت سنوات الحرب استخدام النظام السوري أسلحة محملة بمواد كيمياوية سامة، في مناطق عدة أبرزها الغوطة الشرقية، إذ تعرضت لقصف بغازات سامة في آب/ أغسطس 2013 وفي 2018، وكذلك بلدة خان شيخون في ريف إدلب التي تعرضت لقصف كيمياوي في نيسان/ أبريل 2017.

انتشرت شرقيّ سورية، خلال السنوات الأخيرة، آلاف مصافي النفط البدائية عبر تسخين خزانات تُحوّل النفط الخام، من دون أدنى مستلزمات السلامة، فضلًا عن انتشار نواتج الحرق من مواد سامة، وسحب من الدخان الأسود (الهباب الأسود) المليء بالغازات السامة، وتشير المعلومات إلى أن الغازات الناتجة عن حراقات النفط البدائية شرق سورية أدت إلى انتشار واسع للأمراض الجلدية والتنفسية، وأن الدخان المرافق لعملية التصفية يحتوي على غاز ثنائي أكسيد الكربون ومادة الرصاص التي تؤثر في تطور الأجنّة، كما أن ريف الحسكة شهد تزايدًا في أعداد الحيوانات النافقة، بينما يتزايد تصبغ المحاصيل الزراعية باللون الأسود (أحمد نذير، البيئة السورية ضحية الحرب الصامتة المميتة، موقع روزانا، 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018).

تؤكد الطبيبة صباح خضور، اختصاصية الأمراض النسائية، أن لتلوث البيئة وغياب نمط الحياة السليم والرعاية الصحية “دورًا رئيسًا في زيادة حالات التشوهات الخلقية وحالات الإجهاض والولادة المبكرة التي تعاني منها النساء في سورية مؤخرًا”، ويقول عميد كلية الطب في جامعة دمشق صلاح الشيخة: إن نسبة التشوهات للأطفال حديثي الولادة “ارتفعت في سورية نحو 3 بالمئة، مشيرًا إلى وجود مخاوف من ارتفاع هذه النسبة، لعدم وجود بيئة صحية وسليمة في بعض المناطق الشمالية والشرقية في سورية (سارة مراد، التلوث البيئي في سورية… سلاح آخر يقتل السوريين ببطئ، صدى الشام، 1 آذار/ مارس 2016).

يلفت اختصاصيون إلى انتشار مرض السرطان في سورية، وأن زيادة أعداد الإصابات هي نتيجة طبيعية لتلوث البيئة بجميع أنواع الملوثات، من أبخرة ومواد سامة ومؤكسدة، التي تحفز على حدوث الطفرات في جسم الإنسان والإصابة بالمرض، كما أن لانهيار النظام الصحي وغياب الكشف المبكر والعلاج اللازم دورًا في تزايد أعداد الوفيات الناتجة عن الإصابة بالمرض، وهذا ما أكدته وزارة الصحة السورية، من خلال أرقام الوفيات المرضية خلال عام 2015، وقد احتلت فيها الأورام الخبيثة المرتبة الأولى في قائمة الأمراض الأكثر تسببًا بالوفيات المرضية، بنسبة 50.92 بالمئة، والمرتبة الثالثة في قائمة الأمراض الأكثر حدوثًا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق