تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

أنقرة وواشنطن.. نقاط التوافق والخلاف في شرق الفرات

احتجاجًا على استخدام عبارة “الحيلولة دون قتل أنقرة الأكراد”؛ رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبالَ مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، في 7 كانون الثاني/ يناير 2019، الذي قدم إلى تركيا في زيارة كانت تهدف إلى تخفيف التوتر بين البلدين، لكنها على العكس أدت إلى اشتداده نسبيًا.

على الأرجح، يأتي الموقف التركي في هذا الصدد رغبةً في إرسال رسالة صارخة للرأي العام العالمي، بأن أنقرة لا تقبل المساس بهويتها القومية “كدولة تميل إلى ممارسة تطهير عرقي ضد جهةٍ ما”، وإنما دولة تتحرك خدمةً لمصالحها القومية على نحوٍ أمنيٍ بحت.

لقد كان الموقف التركي، على الرغم من رفض أردوغان استقبال بولتون، حيال مسألة التعاون مع واشنطن، متزنًا إلى حدٍ بعيد، فلم يكد بولتون يُغادر أنقرة، حتى صرح الرئيس التركي بأن أنقرة على توافق كبير مع الرئيس ترامب، غير أن هناك أصواتًا مختلفة تصدر عن إدارته، وأضاف: “نحن نعتمد موقف الرئيس الأميركي كمرجع لاتفاقنا”. وهو ما يشير إلى أن أنقرة تحاول مخاطبة شخص الرئيس ترامب ذي التصرف “النرجسي” في قرارته، وتسعى لاستغلال هذه الصفة في إضفاء التقدير على شخصه، كي تضمن تحجيم تأثير أعضاء إدارته، في تنفيذ الاتفاق قدر الإمكان.

ما يزيد من دلالة توجه أنقرة نحو إحراز المذكور أعلاه، تصريح الناطق باسم الرئاسة وكبير مستشاريها، إبراهيم كالن، بأن أردوغان “لم يعد بلقاء بولتون، ولم يكن هناك موعد مثبت للقاء”، إذ إن أنقرة حاولت، قدر الإمكان، إرسال رسالتها للرأي العام العالمي، لكن من دون الاتجاه نحو التصعيد مع واشنطن.

في ضوء هذا المُلخص عن زيارة بولتون وما وقع على هامشها من أحداث؛ يطرح كثيرون تساؤلًا: ما هي حقيقة التنسيق التركي – الأميركي في شرق الفرات؟ وأين هي نقاط الخلاف بين الطرفين؟

نقاط التوافق بين الطرفين:

إن المرجع الأساس لسبر أغوار نقاط التوافق بين الطرفين هو المقال الذي نشره الرئيس أردوغان، في صحيفة (نيويورك تايمز) بعنوان “خطة تركيا لاستعادة السلام في تركيا”.

وقد سرد الرئيس أردوغان توافق بلاده مع خطة واشنطن الخاصة بالانسحاب من سورية، والقائمة على تحقيق “تحالف تكاملي” يُحرز “انتشارًا تشاركيًا” لجميع العناصر المحلية والإقليمية الفاعلة، على نحوٍ يمكّن واشنطن من تقاسم التكاليف المادية والبشرية والعسكرية مع هذه العناصر، ويحقق لها انتشارًا جزئيًا طفيفًا يمكّنها من الاستمرار في محاولات تحجيم النفوذ الإيراني، والاستفادة من المُقدرات الريعية في تلك المنطقة.

وتلامس نقاط توافق أنقرة مع واشنطن على النحو التالي:

– أنقرة مستعدة للاتجاه نحو محاربة بقايا تنظيم (داعش) والحيلولة دون نشوئها وظهورها للسطح مرة أخرى، وقال الرئيس أردوغان: “نحن الذين حاربناهم بيتًا بيتًا في الباب، وتلتزم تركيا بهزيمة ما يُسمى بالدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية في سورية؛ لأن الشعب التركي على دراية تامة بتهديد التطرف العنيف”.

– الموافقة على الانضمام إلى “التحالف التكاملي”، وتحقيق “انتشار تشاركي”، حيث يقول أردوغان: “إن الخطوة الأولى في هذا الصدد هي إنشاء قوة لتحقيق الاستقرار تضم مقاتلين من جميع أطياف المجتمع السوري. إن هيئة متنوعة من الأطياف هي وحدها القادرة على خدمة جميع المواطنين السوريين، وفرض القانون والنظام في مختلف أرجاء البلاد. ومن هذا المنطلق، أود أن أشير إلى أنه ليس لدينا أي خلاف مع الأكراد السوريين”. وتشير هذه الجملة إلى رغبة أنقرة في نشر البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي المنافس لـ (وحدات الحماية الكردية)، والمتوافقة نسبيًا مع السياسات التركية، إضافة إلى نشر بعض القوات العربية الرابضة في مناطق (درع الفرات) و(غصن الزيتون) وإدلب، والمُنحدرة من المناطق الشرقية الواقعة تحت سيطرة “وحدات الحماية”.

– العزم على تحمل بعض تكاليف إعادة تأهيل المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وإدارتها من خلال المجالس المحلية التي تُنادي بتأسيسها واشنطن للإبقاء على نفوذها. ففي معرض مقاله يقول الرئيس أردوغان: “إن ضمان التمثيل السياسي الكافي لجميع أطياف المجتمع السوري هو أولوية أخرى. وستحكم مجالس منتخبة شعبيًا، تحت مراقبة تركية، الأراضي السورية الخاضعة حاليًا لسيطرة (حماية الشعب) أو (الدولة الإسلامية).. وسيقوم المسؤولون الأتراك ذوو الخبرة المناسبة بتقديم المشورة لهم في ما يتعلق بالشؤون البلدية والتعليم والرعاية الصحية وخدمات الطوارئ”. وفي هذه النقطة، تُعلن أنقرة، بكل وضوح، قبولها بجزئية الخطة الأميركية المُنادية بتأسيس مجالس محلية مستقلة إداريًا وأمنيًا عن العاصمة دمشق.

لعل تنسيق الاستخبارات التركية بشكلٍ وثيق، مع فصائل المنطقة الشرقية المنتشرة في منطقتي (غصن الزيتون) و(درع الفرات)، كتجمع “أحرار الشرقية” و(الفرقة 20) التابعة لـ (فيلق الشام)، وإشعارها بالاستعداد للانتقال نحو منطقة شرق الفرات، وتنسيق أنقرة مع واشنطن على نشر بعض قوات البيشمركة في بعض النقاط الحدودية والداخلية للمنطقة، وإسهامها في تأسيس مجالس محلية إدارية، ينحدر أعضاؤها من الرقة ودير الزور، أعلنت عن ذاتها في مدينة شانلي أورفا التركية، وفي المقابل خفض وتيرة الحديث عن قضية خاشقجي التي أراد ترامب حلها، عبر تحقيق بعض المكاسب التي لا تشمل عزل محمد بن سلمان عن الحكم، تُمثل أدلة ميدانية واضحة على محاولة تركيا التوافق قدر الإمكان مع الخطة الأميركية.

نقاط الخلاف بين الطرفين:

بالرجوع إلى المقال ذاته، تتضح نقاط الخلاف بين الطرفين على النحو التالي:

  • منح “قوى خارجية” دورًا ملموسًا في المنطقة الشرقية. في الغالب، يقصد الرئيس أردوغان بقوله: “نشعر بقلق عميق من أن بعض القوى الخارجية قد تستخدم بقايا التنظيم كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية”، بعض دول التحالف الدولي، كفرنسا والنرويج وغيرهما، ودول عربية، كالإمارات ومصر، ويأتي تدخلها في إطار خفض أهمية أنقرة بالنسبة إلى واشنطن.
  • سيطرة كلية أو شبه كلية؛ هذا ما تُطالب به تركيا بقول الرئيس أردوغان: “ستحكم مجالس منتخبة شعبيًا، تحت مراقبة تركية، الأراضي السورية الخاضعة حاليًا لسيطرة (وحدات حماية الشعب) أو يسيطر عليها ما يُسمى (الدولة الإسلامية)، وسيكون الأفراد الذين لا صلة لهم بالجماعات الإرهابية مؤهلين لتمثيل مجتمعاتهم المحلية في الحكومات المحلية”. فأنقرة ترغب في لعب دور كبير وحيوي، في إدارة منطقة شرق الفرات، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر؛ عبر المجالس المحلية الإدارية، وهذا ما يبدو أن واشنطن الراغبة في تطبيق منهجية “الانتشار التشاركي” الذي يشمل أكثر من دولة وعنصر محلي، لا تقبل به.

في الختام، إن الطرف التركي يقبل بالخطة الأميركية الخاصة بمنطقة شرق الفرات بنسبة 80 بالمئة. لكن الخلاف بين الطرفين يقوم على رغبة أنقرة في أن تكون الوكيل الإقليمي، صاحب الدور الأكبر نسبيًا في إدارة المنطقة ما بعد انسحاب القوات الأميركية، في سبيل إحكام الحصار على (وحدات الحماية)، للحيلولة دون إقدامها على أي خطوة قد تضر بالأمن القومي التركي. ولعل تصريح بولتون بأن “واشنطن تسعى لعدم إقدام تركيا على قتل الأكراد”؛ أي الاشتباك مع (وحدات حماية الشعب) يدل على خلاف الطرفين حول خطة أنقرة في محاصرة (وحدات الحماية) جغرافيًا وإداريًا، كما أن الطرفين يختلفان في ما يتعلق بنقطة منح دول أخرى دورًا في المنطقة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق