أدب وفنون

في ذكرى ولادة التشكيلي السوري لؤي كيالي

احتفلَ محرك البحث العالمي (غوغل) يوم الأحد 20/ 1/ 2019، بالذكرى الـ 85 لولادة الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي.

لم يكن كيالي خلاصة عائلة، كان خلاصة حلب كلّها، تاريخها؛ قلعتها؛ أسواقها؛ قدودها؛ وما تناثر في أزقتها من نوتات موسيقية. لقد أدرك بحسه الإنساني أن الفن صوت، فكان صوتَ من لا صوت لهم؛ صوت خفيض ولكنه مسموع جدًا. لم يستطع خريج قسم الزخرفة في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، أن يزخرف آلام الفقراء، وماسحي الأحذية؛ والبياعين؛ والشحاذين؛ والصيادين؛ والأجساد التي تتراكم في الشوارع الخلفية للبؤس، فرسمهم عذابهم بالفحم. ولم يكتفِ برسم ما يراه، بل ما يشعر به أيضًا.

لا أحد يتكرر، إلا أن لؤي كيالي ذهب أبعد من التكرار في تميزه، فكانت العزلة بانتظاره، ومن ثم النهاية المأسوية الملتبسة. بدأ الرسم وهو في الحادية عشرة من عمره، ونظّم أول عرضٍ لأولى لوحاته في مدرسة التجهيز بحلب سنة 1952. التحق بعد المدرسة الثانوية بكلية الحقوق في جامعة حلب عام 1956، ثم ترك دراسة الحقوق، وذهب في بعثة من وزارة المعارف، إلى أكاديمية الفنون الجميلة في روما/ إيطاليا. تخرج؛ وعاد إلى سورية؛ وبدأ التدريس في ثانويات دمشق، قبل أن ينتقل إلى التدريس في المعهد العالي للفنون الجميلة، الذي أصبح فيما بعد (كلية الفنون الجميلة)، عام 1962.

بعد معرضه الرابع، سافر إلى إيطاليا عام 1964، حيث أقام معرضه الخامس، وعاد بعد معرضه السادس إلى سورية، ليقيم معرضه السابع في أبريل/ نيسان عام 1967، وكان بين لوحات المعرض، لوحة تحمل اسم (ثم ماذا) التي كانت بداية لمشروع فني يتكون من 30 لوحة، ترصد واقع المواطن العربي، ومعاناته وتطلعاته. حمل المعرض اسم (في سبيل القضية) فتعرض لانتقادات كثيرة، فمزق تلك اللوحات، وتوقف عن الرسم والتدريس.

عاد إلى الرسم في السبعينيات، وأقام هو وزميله فاتح المدرّس معرضًا بمدينة حلب. أقام كيالي معرضه الثامن في مدينة بيروت عام 1971، ثم عاد إلى سورية وأقام معرضه التاسع في صالة الشعب عام 1974، ورجع إلى بيروت مع معرضه العاشر.

 

نظّم كيالي آخر معرضين له في صالة الشعب للفنون الجميلة بمدينة دمشق؛ فكان المعرض الحادي عشر في عام 1976 والثاني عشر والأخير في عام 1978. ولم يلعب كيالي لعبة إنتاج الحياة مع المرأة التي كانت شريكة الكثير من مواضيع لوحاته، فعاش وحيدًا، ومات وحيدًا.

إن ثراء حياة الفنان لؤي كيالي، ثراء داخلي، ثراء ليس صالحًا للتداول، ثراء تبدو استثنائيته في الأثر الذي تركه في مسيرة الفن التشكيلي بعده، وفي قيمة الأعمال الفنية التي رسمها؛ فما انطوت عليه نفسه كان واضح المعالم في لوحاته، وفي حياته. لقد حمل لؤي كيالي الجرس بوقت مبكر من مسيرة الليل العربي البهيم، قرعه 30 لوحة في سبيل القضية، فأثار انتباه السهام في جعبة الطابور الخامس من الكتاب والفنانين، فاستهدفوه، وأصابوا منهم مقتلًا في فنه، وفي رؤيته للواقع العربي، فمزق تلك اللوحات، ومزقت الكآبةُ نفسَه.

لؤي كيالي هو ذلك الطفل الذي رأى الملك عاريًا، في قصة ثياب الإمبراطور. وهو ذلك الصوت الذي حملته الألوان إلى بصيرة النقاد، فنالت أعماله شهرة طافت الآفاق. لم يستحضر كيالي الغموض، كما فعل الفنان البلجيكي رينيه ماغريت، ولم يقدم اقتراحات فنية، لإثارة الألغاز، كما فعل الإيطالي ليوناردو دافنشي، لقد كان واضحًا فيما يراه. فالأشياء؛ والمواقف؛ وحركة الحياة المحيطة بنا؛ كلها واضحة، الخلل في نظرتنا إليها.

لقد رسم لؤي كيالي الأسئلة، وحين لم يجد لها أجوبة، حاول تغيير المكان، فارتحل، إلاّ أن الأمكنة لم تكن أكثر من محطات في حياته: حلب، دمشق، أرواد، معلولا، بيروت، إيطاليا، وفي كل رحلة كان يعود منه إليه!!

ولد لؤي كيالي في مدينة حلب في 20 يناير/ كانون الثاني عام 1934، بدأ الرسم وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان أول عرض للوحاته في مدرسة التجهيز في حلب عام 1952. ولم تتلكأ مسيرته الفنية، إنما تلكأت مسيرته الشخصية، فقد رافقه الاكتئاب، ونوباته التي ما تكاد ترحل حتى تعود، إلى أن توفي في 26 كانون الأول/ ديسمبر، عام 1978.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق