سلايدرقضايا المجتمع

الرقة.. بطالة وأوضاع معيشية متردية ومجلسها المدني يعِد بتحسّن قريب

في العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أعلنت (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة من قوات التحالف الدولي، انتهاء “معركة تحرير مدينة الرقة” وطرد تنظيم (داعش) منها، ثم أُعلن تأسيس (مجلس الرقة المدني) لإدارة شؤون المدينة وتأمين احتياجات السكان، ولكن معظم سكان المدينة فقَدوا -من بعد تحريرها- بيوتهم ومحالهم وممتلكاتهم أو أجزاء منها، فضلًا عن فقدهم أفرادًا من أسرهم وجيرانهم، وأمسى بعضهم في الخيام ينتظر حصص الإغاثة والمساعدات، أو خارج الحدود يترقب بوارق الأمل للعودة، أما من عادوا إلى ما تبقى من مدينتهم فإنهم عانوا سوء الأحوال الاقتصادية وضيق العيش، وتزداد الأوضاع سوءًا مع ازدياد نسبة العائدين وقلة فرص العمل والمشاريع التي توفر دخلًا ثابتًا للسكان.

تعرضت مدينة الرقة لدمار واسع في البنى التحتية والمنازل، إبان المعارك التي استمرت عدة أشهر، بين التحالف الدولي و(قوات سوريا االديمقراطية) من جهة، وتنظيم (داعش) من جهة أخرى، وبلغت نسبة الدمار في المدينة -بحسب الأمم المتحدة- بين 70 إلى 80 في المئة، وقد حذّر (برنامج الأغذية العالمي WFP) على الرغم من تأمين آلاف الحصص الغذائية للسكان الذين عادوا للمدينة خلال الأشهر الأولى، من عدم وجود مصادر دخل للسكان العائدين.

بعد أكثر من عام على تحرير المدينة، يحاول السكان المتضررون إعادة بناء منازلهم وترميمها، وإعادة فتح محالهم، ولكن هناك عددًا من الصعوبات تواجههم، منها عدم توفر المبالغ المالية الكافية للترميم، إضافة إلى شكوى الناس من الضرائب التي يفرضها عليهم (مجلس الرقة المدني) فيما تم إعادة ترميم وافتتاح عدد كبير من المدارس والمؤسسات الخدمية، وتحاول منظمات دولية ومحلية مساعدة الناس في إعادة الاستقرار للمدينة، من خلال مشاريع تنموية.

(أبو محمد) -طلب عدم الكشف عن اسمه- يحمل شهادة جامعية ويعيش في مدينة الرقة مع عائلته، قال لـ (جيرون): “البطالة تتفشى في الرقة بشكل كبير. إحدى المنظمات أعلنت قبل أيام عن شاغر في وظيفة لشخص واحد، فتقدّم للوظيفة أكثر من 100 شخص، 30 منهم يحملون شهادة الهندسة”. وأضاف: “مدينة الرقة تعتمد على الزراعة، ونتيجة ضعف الإنتاج -خلال العامين السابقين- لم يزرع الفلاحون أراضيهم هذه السنة، إضافة إلى عدم امتلاك المال لتغطية المصاريف الزراعية”.

نتيجة بحث الصور عن الرقة
الدمار الذي لحق بمدينة الرقة بسبب المعارك 2017

أضاف أبو محمد: “يلجأ معظم الشباب القادرين على العمل إلى أعمال التكسير وإزالة الركام والبناء، مع أن هذه الأعمال تتناقص كثيرًا أثناء فصل الشتاء، بسبب الظروف الجوية، فضلًا عن عدم وجود سيولة مادية كافية عند الناس لإعادة إعمار بيوتهم. أما بالنسبة إلى مجال التجارة، فإن أصحاب المحال يشكون من ارتفاع الضرائب التي تفرضها سلطات (مجلس الرقة المدني) وعدم أخذها بالحسبان وضع الناس وحالة المدينة المأسوية، حيث يتضاعف سعر أي مادة بسبب الضرائب، ويثقل ذلك الأمر كاهل المدنيين”.

مصادر الدخل في الرقة -بحسب سكان في المدينة- تتمثل في عدة أمور منها: الوظائف في مؤسسات (مجلس الرقة المدني) والمنظمات الدولية والمحلية التي تنشط في المدينة، والمهن والحرف، والزراعة والتجارة، إضافة إلى موظفي دوائر الدولة سابقًا الذين ما زال بعضهم يتقاضى راتبه من النظام، عن طريق أقارب لهم في مناطق النظام، مع أن الراتب لا يتجاوز 40 ألف ليرة سورية، أي أقلّ من 100 دولار، وهو مبلغ لا يكاد يغطي مصروف أسبوع في الرقة.

(أبو سعيد) وهو أحد العاملين في منظمات المجتمع المدني في الرقة، تحدث إلى (جيرون) عن الوضع المعيشي في الرقة، وقال: “نفقات الحياة في مدينة الرقة، لعائلة صغيرة مؤلفة من 4 أشخاص، تصل إلى 150 ألف ليرة، في الشهر الواحد، من أجل حياة كريمة، طبعًا من دون رفاهيات، ونسبة البطالة في المدينة عالية جدًا، الناس يعيشون وضعًا مأسويًا، وفي الأيام الأخيرة، ازدادت نسبة السرقات والسلب في المدينة، بسبب الفقر والحاجة. كثيرٌ من الناس يُنفقون ممّا ادخروه في سالف الأيام، من أموال ومصاغ، فيما اضطر بعضهم إلى بيع الأراضي والأملاك كي يعيشوا”.

عودة الحياة تدريجيا للرقة

يعمل (مجلس الرقة المدني) على تأمين الخدمات الأساسية للسكان، والتفاهم مع المنظمات الدولية، لافتتاح مشاريع تسهم في تحسين وضع المدينة، بحسب عبد السلام حمسورك، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في (مجلس الرقة المدني)، الذي أكد أن الوضع في الرقة يتحسن يومًا بعد يوم، و قال حمسورك، في حديث خاص إلى (جيرون): “مدينة الرقة التي كانت مدمرة بنسبة 80 بالمئة، وخارجة حديثًا من سيطرة تنظيم (داعش)، بدأت الحياة فيها تتحسن، حيث بدأ الناس العودة التدريجية بعد تفعيل (مجلس الرقة المدني) للخدمات الأساسية، من ماء وصرف صحي وكهرباء وإعادة افتتاح المدارس، بالتعاون مع المنظمات والأهالي، حاليًا عدد العوائل في مدينة الرقة 55 ألف عائلة، وفي ريف الرقة يوجد 85 ألف عائلة، العدد الكلي للعوائل التي عادت للرقة وريفها 140 ألف عائلة”.

أما عن الأوضاع المعيشية في المدينة، فقال حمسورك: “الوضع المعيشي ليس جيدًا، لأن المدينة زراعية، ويعتمد السكان على الزراعة، بالدرجة الأولى. ومع الأسف، هناك ضعف في مردود الزراعة، وكان عدد كبير من السكان يعتمد على الوظيفة الحكومية، وأصبحوا بلا عمل حاليًا، فيما يلجأ البعض إلى وظائف المنظمات أو وظائف مؤسسات مجلس الرقة”.

أضاف حمسورك: “في مكتب التشغيل التابع لـ (مجلس الرقة المدني) بلغ عدد المسجلين نحو 17500 شخص يحتاج إلى عمل، فيما تمكن المكتب من تأمين فرص عمل لـ 4000 شخص حتى الآن، مع مراعاة الاختصاص الدراسي والمهنة التي يحملها المتقدم. الأعداد كبيرة ونحاول قدر المستطاع افتتاح مشاريع جديدة تستوعب أعداد العاطلين عن العمل، وتحسن سبل العيش في المدينة”.

بخصوص الخطط التي ينوي المكتب تفعليها، قال حمسورك: “خلال عام 2018، كنا نركز على الإغاثة، وتقديم السلل والمعونات؛ لأن المدينة كانت تعيش حالة إسعافية استثنائية، ولكننا اليوم نركز في خططنا على المشاريع التنموية، وخاصة في مجال الاستثمار الزراعي، ووقعنا عددًا من العقود مع منظمات لافتتاح مشاريع، حيث نعمل لإعادة تشغيل قنوات الريّ خلال الشهرين القادمين، ونضغط لافتتاح مشاريع يستفيد منها الناس، بهدف التخلص من السلل الإغاثية، والتوجه إلى المشاريع التنموية والاستقرار”.

صورة ذات صلة
تحطيم تمثال الأسد وسط الرقة بعد سيطرة الجيش الحر 2013

اختتم حمسورك: “اجتمعنا، أول أمس الثلاثاء، مع خمس منظمات دولية في مدينة عين عيسى، وناقشنا معهم هذه النقاط، بحيث يتم إيقاف البرامج الإغاثية ما عدا المساعدات التي تقدّم للأيتام والأرامل، أما بقية المشاريع فستكون تنموية مستدامة، من أجل تفعيل الإنتاج وإنهاء ظاهرة التواكل عند الناس”.

تقع مدينة الرقة على ضفاف نهر الفرات، وهي أول مركز محافظة خرج عن سيطرة النظام، على يد فصائل (الجيش الحر) عام 2013، لكن (داعش) سيطر عليها عام 2014، وشهدت أعنف معركة بين التنظيم و(قوات سوريا الديمقراطية) صيف 2017، أسفرت عن تحرير المدينة، وقُتل خلال المعركة أكثر من 1500 مدني، وتم تدمير معظم المدينة وبنيتها التحية، وما تزال المقابر الجماعية التي تُكتشف، بين الفينة والأخرى، شاهدة على ما تعرّض له السكان، إبّان تلك المعارك.

بينما ينتظر سكان الرقة وعودَ إعادة الإعمار، وتنمية المنطقة التي أطلقتها عدة دول غربية وعربية، إثر تحرير المدينة من سطوة تنظيم (داعش)، تزداد الأوضاع سوءًا وسط محاولات من المؤسسات والمنظمات الموجودة في المدينة لتحسين الوضع، ولكن هذه الجهود -بحسب السكان- تحتاج إلى مبالغ ضخمة تعيد الحياة للمدينة، وتفعّل دورة الإنتاج والحياة الكريمة لسكانها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق