كشفت إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى (اتفاقية أضنة) -الموقعة بين النظام السوري وتركيا عام 1998- تباينًا بينه وبين نظيره التركي رجب طيب أردوغان، حول ملف (المنطقة الآمنة) في سورية، إذ تسعى تركيا للتوغل داخل سورية إلى عمق يصل إلى 30 كم في الأراضي السورية، في حين أن إشارة بوتين إلى الاتفاقية تذكر بأن أنقرة يمكنها الدخول إلى عمق 5 كيلومتر. كما كشفت الإشارة ذاتها عن محاولة روسية، لبناء جسر تواصل بين الأتراك والنظام من خلال الاتفاق، في الوقت الذي باتت فيه الخلافات الروسية-الإيرانية أوضح في سورية، بالتزامن مع انتقاد إيراني يقول إن موسكو عطلت منظومة (إس 300) أثناء القصف الإسرائيلي لمواقع في سورية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي له مع نظيره أردوغان، أول أمس، أشار إلى أن (اتفاقية أضنة) بين دمشق وأنقرة لا تزال قائمة، وعدّ أنها يمكن أن تساعد في ضمان أمن تركيا، وهو ما عدّه كثيرون تلميحًا روسيًا واضحًا لحدود المنطقة الآمنة التي حاول أردوغان إقناع بوتين بها خلال اللقاء.
بدوره لفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الخميس، إلى “ضرورة إعادة طرح اتفاقية أضنة المبرمة بين تركيا وسورية عام 1998، للتداول”، في حين قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم إنه ما من شيء مؤكد بعدُ، بشأن إقامة منطقة آمنة شمال سورية.
الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاضات يحيى العريضي قال في حديث إلى (جيرون): إن السيناريو المرحج لمنطقة شرق الفرات “يعتمد على كثير من المعطيات والمتغيرات والمتحولات والعلاقات الثنائية، والأيادي المنخرطة في القضية السورية”، وقال إن “اللافت في قمة بوتين-أردوغان هو استحضار الاتفاق الأمني (اتفاق أضنة)”.
وعبّر عن أمله في أن “يكون في هذا الاتفاق وتفسيره واحد بين البلدين”، وعدّ أنه “في حال كان كل بلد يرى الاتفاق بطريقته، فنحن أمام انتكاسة جديدة”، وأوضح: “في حال كان هناك تباين في تفسير الاتفاق، فإنه ربما يكون على الشكل التالي: أردوغان يريد منطقة آمنة على حدود تركيا الجنوبية، والاستناد القانوني بالنسبة إليه -ربما- هو (اتفاق أضنة)”.
وأضاف العريضي: “بوتين -باعتقادي- لن يمانع ذلك، ولكن الخطأ في أهداف بوتين من وراء استحضار الاتفاق، أن يكون تنفيذ الاتفاق مشروطًا بالتنسيق مع النظام السوري، وهو ما يعني أن الرئيس الروسي يقوم بتعويم النظام السوري بقوة مع الجهة التي تقف بقوة أيضًا مع الشعب السوري ومطالبه”.
في السياق، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الخميس، إنه “ما من شيء مؤكد بعد بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال سورية”، لكنه لفت إلى “توافق في وجهتي النظر التركية والأميركية، باستثناء بضع نقاط”، مشيرًا في تصريحات متلفزة إلى وجود “اتصال غير مباشر مع النظام السوري”.
أضاف أوغلو أن بلاده قادرة على إقامة المنطقة الآمنة “بمفردها”، إلا أنها لن تستبعد الولايات المتحدة أو روسيا أو أي دول أخرى تريد أن تتعاون في هذه المسألة، وعدّ أن أنقرة وموسكو لديهما نفس التوجه، في ما يتصل بالحل السياسي في سورية، باستثناء مسألة بقاء الأسد في منصبه.
ويُرجح أن يتأخر الحسم في ملف شرق الفرات إلى ما بعد القمة الثلاثية (تركيا، روسيا، إيران) في موسكو الشهر المقبل، كما أنه من المتوقع أن تدفع القمة ملف اللجنة الدستورية -العالق- خطوة نحو الأمام. وقال العريضي إن القمة فعلًا يمكن أن تدفع بملف الدستورية إلى الأمام، وأشار إلى أن “السبب بسيط؛ روسيا أنجزت عسكريًا بمفهومها، لكن هذا الإنجاز العسكري سيكون نقمة عليها، في حال لم يُتوج بجنى سياسي، وهو لا يمكن أن يتحقق إلا بالعودة إلى القرارات الدولية التي بوابتها اللجنة الدستورية للقرار 2254″، وأكد أن الهيئة العليا للمفاوضات ستبقى في حالة “تمترس عند القرار الدولي وحيثياته وبنوده، والحق السوري الملحوظ في هذا القرار”.
في غضون ذلك، قال قائد (وحدات حماية الشعب) سيبان حمو: إن “هناك محاولات لإجراء مفاوضات… موقف الحكومة السورية كان إيجابيًا… نعتقد أن تبدأ في الأيام المقبلة”، وأضاف في تصريحات لوكالة (رويترز) أمس أن “أي منطقة آمنة في شمال شرق سورية يجب أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وتابع: “قلنا نريد أن نكون على علاقة جيدة كجيران، إلا أن الدولة التركية لا تقبل هذا الشيء، فهي لا تقبل وجود كيان كردي حر ومنطقة ذاتية آمنة، وإذا هجمت تركيا على مناطقنا؛ فسنقوم بالرد المناسب”، على حد قوله.
على المقلب الآخر، بدأت تظهر جليًا الخلافات الروسية-الإيرانية في سورية، ولا سيما أن الأيام الماضية شهدت بدء اشتباكات دامية بين (الفرقة الرابعة) التي تتبع إلى إيران و(الحرس الثوري الإيراني)، وبين (الفيلق الخامس) الذي أشرفت روسيا على تشكيل قواته.
في ذلك أيضًا، قال رئیس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بیشه: إن “هناك نقدًا جادًا یُوجه إلى روسیا”، مشيرًا إلى أن الأخيرة “تقوم بتعطیل منظومة (إس 300) حین یشن الكیان الصهیوني هجماته على سوریة”، وعقّب في تصريحات للوكالة الإيرانية للأنباء (إرنا) أنه “إذا كانت منظومة (إس 300) الروسیة تعمل بشكل صحیح، فإن الكیان الصهیوني لا یستطیع شن هجماته على سوریة بسهولة”، وعدّ أن “هناك نوعًا من التنسیق بین الهجمات الصهیونیة والدفاع الجوي الروسي المتمركز فی سوریة”، وزعم أن “إسرائيل” تريد “إجبار إیران على الرد لخلق تحدٍ جدید في سوریة”، على حد قوله.
إلى ذلك، نشرت صحيفة (نيزافيسيمايا غازيتا) الروسية أمس تقريرًا تحدثت فيه عن “حشود شيعية على الحدود مع العراق، تستعد لدخول الأراضي السورية”، ذكر التقرير أن الصحافة الإسرائيلية تحدثت “مستندة إلى مصادرها، عن أن هناك حشودًا كبيرة لقوات موالية لإيران بالقرب من الحدود السورية العراقية. ويقدّر عدد المسلحين الذين ينتمون إلى قوة الحشد الشعبي العراقي بحوالي 10 آلاف شخص”، بحسب ما نقلت قناة (روسيا اليوم).