سلايدرقضايا المجتمع

الطلاق عند الأسر المهاجرة إلى أوروبا يدخل قائمة المشكلات

الطلاق كلمة غير محببة في الأوساط الاجتماعية التقليدية، وهو من الناحية الدينية “أبغض الحلال إلى الله”؛ ذلك أن انعكاساته النفسية والاجتماعية لا تقتصر على الزوج والزوجة وحسب، بل تتعداها لتصل إلى التأثير في الأطفال وتربيتهم ومعيشتهم وآمالهم وطموحاتهم ومستقبلهم.

على إثر الهجرة الكبيرة من الدول العربية (بخاصة دول الربيع العربي) إلى أوروبا والعالم؛ ازدادت حالات الطلاق في السنوات الأخيرة، وتعددت أسباب ومبررات هذه الظاهرة الجديدة، ولا سيما بالنسبة إلى الجاليات العربية عامة والسورية خاصة، في المجتمعات الأوروبية، من دون أن تُوضع خطط لمعالجتها والحد منها، على الرغم من أن الزواج مؤسسة اجتماعية تربوية مهمة لحفظ توازن المجتمعات، ومن كونه يسهم في استقرار العائلات وتربية النشء وتأمين الاستقرار لهم والتخطيط لمستقبلهم.

كثير من العائلات القادمة من الشرق الأوسط إلى أوروبا عمومًا، تكون محملةً بتراكمات ومشكلات اجتماعية سابقة -وبخاصة في طريقة تعامل الزوج مع الزوجة نتيجة الثقافة الذكورية السائدة والمتوارثة في هذه المجتمعات- وبمجرد الانتقال إلى أوروبا والشعور بشيء من الاستقرار؛ تتغير النظرة إلى كثير من الأمور، حيث يسود الاستقلال الاقتصادي لكل من الزوجة والزوج، ومن آثار هذا الانتقال أن تفكّر الزوجة بالانفصال عن زوجها والطلاق منه، على الرغم من أن هذا سيؤثر سلبًا في نفسية الأبناء ومستقبلهم، حيث تشعر المرأة بأن الحالة الاقتصادية والقوانين الجديدة تساعدها في اتخاذ هذا القرار المصيري، وهنا قد تدخل أسباب أخرى في الطلاق، ربما كثرة خروج الرجل من المنزل وقضاء أغلب أوقاته في السهر مع الأصدقاء، وترك الزوجة حبيسة الجدران الأربعة، وتقضي المرأة وقتها مع الأسرة والأهل في حال غياب زوجها، وقد يكون السبب نتيجة خلافات حول الدخل الوارد إليهما من الحكومات الأوروبية (السوسيال) وطريقة الصرف على مستلزمات البيت والمعيشة والأبناء، أو وجود علاقات عاطفية للرجل مع نساء أخريات، كما أن الرجل نفسه يمكن أن يفكر في الطلاق وينفذه، وهذا نادر جدًا، إذ إن أغلب حالات الطلاق تحصل بناء على طلب الزوجة لا الزوج، كما أن بعض النساء تحرّض نساء أخريات على الطلاق، على الرغم من وجود احتمال لمعالجة الأسباب بالحوار الموضوعي، قبل حدوث الانفصال، وفي بعض الأحيان، حيث الحياة تصبح جحيمًا بين الطرفين، يكون الانفصال هو الحل، ولا ننسى أن أغلب حالات الزواج في البلد المشرقي الأم هي حالات زواج تقليدي، وليست نتيجة علاقة حب وتعارف جيد.

حول هذه الظاهرة، قالت الكاتبة ماجدولين الرفاعي المقيمة في هولندا لـ (جيرون): “تعدّ ظاهرة الطلاق التي انتشرت بين اللاجئين الذين هجرتهم الحرب، من أخطر القضايا التي يعانيها المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع السوري بشكل خاص، والعائلات التي هاجرت إلى أوروبا تواجه وضعًا ليس سهلًا، يتمثل بتغيير جذري لقواعد العيش المعتادة داخل الوطن، حيث كان للرجل سلطته وسيادته، على جميع الصعد المادية والاجتماعية، وكان على المرأة السمع والطاعة، في مراحل حياتها المختلفة، قبل الزواج تكون تحت سلطة الأب والأخ، وأحيانًا العم أو الخال، وبعد الزواج تقبع المرأة تحت سلطة الزوج وأسرته، وعادة ما تلتزم المرأة احترام سيادة الرجل خوفًا من الطلاق والتشرد، خاصة إذا لم تكن مستقلة ماديًا أو غير متعلمة، لذلك استمرت الحياة على هذه الوتيرة، علمًا أن معظم حالات الزواج تتم كحالة اجتماعية لا بدّ منها، فابن العم يتزوج ابنة عمه، بغض النظر عن رضاها وأحيانًا من دون رضا الزوج أيضًا، فالخضوع للأعراف والتقاليد يكون فوق اعتبارات الحب والتفاهم، وفوق قواعد نجاح العلاقة الزوجية، لذلك نجد بعد وصول الأسر السورية إلى أوروبا أن الحياة انقلبت رأسًا على عقب، فالمرأة متساوية مع الرجل في الواجبات والحقوق داخل المجتمع الأوروبي، وهذا ما جعل المرأة السورية تتلمس حريتها وأهميتها للمرة الأولى، إذ شعرت بالحماية والأمان، وهذا ما دفعها إلى أن تُعيد حساباتها وتسأل نفسها لماذا تستمر مع رجل لم يكن زواجها منه خيارها هي، ثم إنه لم يعد هو المعيل الوحيد  للأسرة، فالدولة تتكفل بكل شيء، لذلك بدأت التصفيات بطلب الانفصال والطلاق”.

وأضافت: “كل ما سلف لا يعني أن الأسرة السورية مُفككة، ولكن هنالك حالاتٍ أراها، من وجهة نظري، صحيّة، لأن استمرار زواج فاشل سيكون أكثر ضررًا من الطلاق ذاته، وأغلب الظن أن هذه الحالة مؤقتة تشبه الدهشة، وإن الأمور بعد مدة ستستقر وتعود الحياة إلى طبيعتها، فالزواج مؤسسة مقدسة، لا بد من تأسيسها على المحبة والاحترام والتفاهم”.

من جانب آخر، رأى شكيب عاصي، المقيم في ألمانيا، أن أسباب الطلاق متعددة، وأبرزها برأيه سببان: “الأول هو التحرر المادي والاجتماعي، حيث أصبحت المرأة حرة وخارجة عن هيمنة الرجل الاقتصادية، وأيضًا تحررها من القيود الاجتماعية، حيث إنها لن تُحرج عائلتها بالطلاق ولن تكون عبئًا عليهم، أما السبب الثاني فهو الأنانية، حيث إن معظم العائلات سافر منها فردٌ سواء كان الزوج أو الزوجة، وابتعد عن العائلة مدة سنة أو سنتين أو أكثر، وفي هذه الحالة يشعر الزوج أو الزوجة -المبتعد عن العائلة- بالحرية الفردية، والابتعاد من جو الضغط والمعاتبات اليومية والمراقبة والتسلط، وبزوغ النزعات الفردية عند بعضهم، فنتج عن كل هذا التصميم على قطع العلاقة الزوجية”.

وحسب الناشطات السوريات في ألمانيا بالشأن الاجتماعي، فإن القوانين الأوروبية لا تنحاز إلى النساء دون الرجال، حيث إنها تنص على مبدأ المساواة بين الجنسين، على العكس من بلدان الأصل (الشرق الأوسط)، وتعتقد النساء، خطأً ووهمًا، أن القوانين الأوروبية منحازة إليهن أكثر من الرجال، هذا الفهم المغلوط يؤثر أحيانًا في الوعي النسائي سلبًا، ويؤدي إلى مشكلات أسرية كثيرة بين الأزواج، لها انعكاسات سلبية ضارة على الأطفال، وقد تصل الخلافات في النهاية إلى الطلاق.

كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟

تقع المسؤولية الكبيرة على النخبة النسائية الواعية المهاجرة إلى أوروبا، إذ يتحملن مسؤولية توعية باقي النساء المهاجرات، وشرح الظروف الجديدة وكيفية التعامل مع الأزواج في مثل هذه الظروف، وعدم اللجوء إلى أسلوب ردة الفعل على تراكمات سابقة، وإلى التشنج والتشدد في التعامل الزوجي، فالأسرة مؤسسة مهمة لتطوير المجتمعات، حين تُبنى على أسس صحيحة وواعية ومتوازنة، ويمكن في غالب الأحيان حلّ الخلافات الزوجية بالحوار والنقاش بعيدًا من الانفعال والغضب.

الوعي والمعرفة ضروريان للرجل والمرأة، وانتشار المؤسسات الاجتماعية والفعاليات والنشاطات التوعوية، ونشر الكتب والكراسات والاحتفالات الجماعية والرحلات المشتركة لجمع العائلات معًا، كلها تُساهم في تخفيف حدة التوتر بين الأزواج في أوروبا، وتُعرّف الشخص بحقوقه وواجباته تجاه الآخر، وقد تُخفف من الانفصال، قبل أن يصبح “شرًا لا بد منه”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق