من الطبيعي أن يتفاخر قتلة الشعب السوري، حينما يضطرون في بعض الحالات إلى رفع سكاكينهم عن أعناق مجموعة من الناس، ولو موقتًا، كما هو حاصل الآن في إدلب على سبيل المثال، راغبين في أن ينصّبوا أنفسهم أوصياء على السوريين، لكونهم أبقوهم أحياء ولم يقتلوهم، كما قتلوا مئات الآلاف من أهلهم وأحبتهم، محاولين بذلك، عبثًا، غسل رائحة الدماء التي باتت جزءًا من طبيعة تكوينهم، لكثرة ما قتلوا وأحرقوا، بأسلحة جاؤوا بها إلى سورية لاختبار مدى قدرتها على الفتك بأرواح البشر، وسحق العمران والمدن، ظانين أنهم -بأسلوبهم هذا- يستطيعون تشويه الحقائق والوقائع، وكنس ما حُفر في ذواكرنا نحن، السوريين، من مشاهد تصوّر ذبح وحرق الآلاف من الأطفال والنساء والرجال.
ها هو لافروف، وزير خارجية السفاح بوتين، يحاول أن يمارس مهنة الإجرام، والنفاق السياسي، برداء العفة، إذ لا يرى في كل الخراب الذي لحق بالسوريين من جراء همجية سيده بوتين وطائراته، إلا أنه كان سعيًا فاضلًا، يصب في خدمة الإنسانية! ومن الطبيعي ألا يشعر لافروف بأي نوع من الخجل، حينما يُمارس نفاقه هذا، ويدّعي أن وجود القوات والمعدات الحربية الروسية والإيرانية في سورية قد ساهم في القضاء على الإرهاب، وأنها أحرزت تقدمًا ملحوظًا في المجال الإنساني. هكذا يفهم الوزير المنتدب عن السفاحين، أن قتل الناس الآمنين، وتهجيرهم من بيوتهم، هو “تقدمٌ” على الصعيد الإنساني، و”انتصار” على الإرهاب، وهو يقول -بكل صفاقة- إنه لا يقبل بؤرًا إرهابية في سورية، وكأن ما ألقته طائرات بلاده على الأرض السورية، من صواريخ وقنابل وأسلحة محرمة دوليًا، كان حمائم سلام!
هكذا يتعامى السفاحون عن جرائمهم، وإن أبصروها، ويسبغون عليها مسحة من الجمال والبطولة، ليغدو قتلهم الناسَ أمرًا عاديًا. وهذا هو الحاصل بالفعل في العقلية السياسية العالمية التي دائمًا تحمّل الضحايا مسؤولية القتل الذي لحق بهم، ومن منطلق هذه العقلية، طبيعي أن يغدو بوتين والأسد وخامنئي، حسب قناعة لافروف، مخلصين ومنقذين، على الرغم من ارتكابهم أعمالًا إرهابية تفوق أي إرهاب شهده العصر الحديث، ومن الطبيعي أيضًا، لعقلية إجرامية كعقلية لافروف، أن تعجز عن رؤية الإرهاب الذي تنشره إيران في سورية وفي عموم المحيط العربي، لكونه حليفًا لها، وهذا الحلف -بمفهوم لافروف- هو من يحارب الإرهاب، وهو من يحقق التقدم الإنساني للسوريين، وعلى ذلك، نراه يستغرب الاتهامات التي تطال إيران، ولا يرى في كل الجرائم والفظائع التي ارتكبتها، منذ الثورة الخمينية حتى الآن، ما يثبت أنها أعمال إرهابية! بل هو يستشهد بنقاء الدور الذي تلعبه إيران، وبـ “الرسالة الحضارية” التي تؤديها في هذا العالم بزعامة الخامنئي، فبالنسبة إلى لافروف، يكفي أن إيران لم تجلب للمافيا الروسية أي أذًى، عندما كانت تمارس الإبادات الجماعية في القوقاز، وأما قتلها السوريين، وما دمرت وأحرقت من بيوتهم ومدنهم، فلا يُدرج في مناهج لافروف الإجرامية، على أنه أذًى لشعب، ولا إرهاب بحقه،
حينما مضى لافروف يقارن بين السلام المزعوم الذي جلبه الاتفاق التركي – الروسي على إدلب، متسترًا على المذبحة المؤجلة، وبين ما حصل في مدينتي الرقة والبصرة، كان يعمد إلى تفضيل قاتل عن قاتل، وسفاح على سفاح، مشيرًا بذلك إلى أميركا وما جلبته من دمار وخراب في الموصل، متجاهلًا مرة ثانية كيف اجتاحت طائرات بلاده سماء الغوطة، وأحالت عمرانها إلى خراب، وناسها إلى أشلاء، وأرغمت من بقي حيًا منهم على هجر البيوت، وكانت قد سبقتها إلى ذلك المصير الجهنمي حلب، وداريّا وغيرها من المدن السورية، لكن هكذا تتم المناوشات والتهم بين السفاحين في المحافل الدولية، لتستمر عملية تبرير وشرعنة الجريمة من على المنابر الإعلامية، فلا يتوه ويضيع إلا الضحايا، أما السفاحون، فليس لهم إلا أن يرشحوا أنفسهم للعب دور الأنبياء.