تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

لماذا تتمسك فرنسا بمنطقة شرق الفرات؟

في حين تعتزم تركيا قضم حصة الأسد من منطقة نفوذ واشنطن في سورية؛ أي منطقة شرق الفرات، ترفع فرنسا لواء العصيان، مؤكّدةً أن جيشها سيُبقي انتشاره في سورية حتى نهاية العام الجاري. ولم تقف حدة العصيان الفرنسي على ذلك، بل شملت نشر قوات فرنسية إضافية في مدينة منبج التي تقع ضمن المناطق التي تستهدفها تركيا.

أمام هذا المشهد الذي يصطدم فيه طموح دولتين عضوين في حلف الشمال الأطلسي “الناتو”؛ يتساءل كثيرون عن الدوافع التي تجعل فرنسا تتمسك بمنطقة شرق الفرات، رافعةً لواء المنافسة أمام تركيا على وجه التحديد.

لعل أول وأهم العوامل التي تفسر موقف فرنسا من التمسك في منطقة شرق الفرات، بناءُ توزان قوى مباشر وفعال ضد روسيا المنافسة لها في حوض شرق البحر المتوسط، أمنيًا وجيواقتصاديًا، فضلًا عن تنافس الطرفين في الأطلسي.

“البحث عن الأوراق كاملة” ربما تُفسر هذه الجملة العامل الثاني لتمسك فرنسا بوجودٍ مباشر، وتوجيه دعمٍ حيوي لـ “وحدات حماية الشعب” التي تُصنفها تركيا على أنها جماعة إرهابية، إذ يشير لعب الأوراق المُتعدد إلى تنافس الطرفين في الميدان الليبي، حيث تدعم فرنسا قوات حفتر، بينما تدعم تركيا حكومة طرابلس. وعلى الأرجح، ترمي فرنسا إلى تخفيف حدة النفوذ التركي في المعادلة الليبية، من خلال تثبيت معادلة موازنة الأوراق معها في الميدان السوري.

إذا أردنا أن نُدرك العامل الثالث؛ فعلينا النظر إلى التوجه الاستراتيجي الأميركي الذي تحاول فرنسا، في الغالب، المناورة ضمن هامشه. تقوم الخطة الأميركية الاستراتيجية، حيال منطقة شرق الأوسط، على استراتيجية “الانتشار التشاركي” التي تعني تخفيف الوجود الأميركي المباشر في المنطقة قدر الإمكان، مقابل مشاركة القوى المحلية والدولية في التكاليف البشرية والمادية والعسكرية. وبوضع اتفاق واشنطن وباريس المُسبق، على إدارة فرنسا عملية تأهيل مجالس الإدارة المحلية بعد الانسحاب الأميركي؛ يتضح هدف فرنسا من التمسك بمنطقة شرق الفرات، حيث ترمي إلى التشديد على أهمية هذا الاتفاق والتمسك به على نطاق واسع، وإظهار ذاتها بصيت القوى الفاعلة القادرة على صوغ معادلات راسخة في منطقة شرق الفرات، وغيرها من الميادين حول العالم.

فيما يتعلق بالعامل الرابع، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالنظر إلى برنامجه الانتخابي وتوجهات سياسته الخارجية على الساحة الدولية، يؤمن بمشروع “توحيد شطري المتوسط” القائمة، بصورةٍ أساسيةٍ، على إعادة الدور الحيوي للإمبراطوريات الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط التي تؤثر، باستقرارها السياسي والاقتصادي وعدمه، في أسس استقرار القارة الأوروبية. كما أن تربع الشرق الأوسط على منطقة نفوذ تجارية مهمة توصف بـ “قلب العالم”، يدفع فرنسا، وغيرها من الدول الأوروبية، إلى جني صيدٍ ثمينٍ من النفوذ فيها، ولا سيما في ظل هيمنة الوجه الانعزالي على السياسة الأميركية إزاء المنطقة، وتكشير الدب الروسي عن أنيابه في السعي لقضم أكبر قدر ممكن من النفوذ فيها. وفي هذا الإطار، نتذكر الدور الفرنسي في إنهاء أزمة اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في السعودية، وعرض ذاتها كوسيط في القضية الفلسطينية، والخلافات القائمة بين تركيا وكردستان العراق، عقب استفتاء الاستقلال في أيلول/ سبتمبر 2017.

في سياق ذكر العامل الخامس والأخير، يمكن الإشارة إلى حقول النفط والغاز الطبيعي في منطقة شرق الفرات التي يُقدر أنها تحوي ما يقارب 75 بالمئة من مجموع احتياطي سورية من النفط والغاز. وعلى الأرجح، ترى فرنسا، بالتزامن مع اقتراب الأزمة من التسوية وتقاسم المقدرات السورية، أن فرصتها سانحة لملء الفراغ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأميركي في المنطقة، مقابل تسنّم شركاتها مناقصات التنقيب واستخراج النفط والغاز في هذه المنطقة.

في الختام، قد تتعدد العوامل التي تدفع فرنسا إلى التمسك بمنطقة شرق الفرات، وتُفصح عن رغبتها في ذلك بصورةٍ علنية. لكن ذلك يكمن، في الغالب، في هدفها القائم على تحقيق توازن قوى فعال ضد منافسيها، على الساحتين الإقليمية والدولية، ولا سيما روسيا وتركيا، تستطيع من خلاله تحقيق ما ترنو إليه من نفوذ ومصالح في الميدان السوري وغيره من الميادين الأخرى.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق