منذ أكثر من 55 عامًا، قِمم جامعة الدول العربية تتوالى، وكانت سورية وفلسطين هما محور هذه القِمم، وأولى تلك القمم القمة التي دعي إليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، وأتت نتيجة مخاوف “الجمهورية العربية السورية”، وحزبها القائد، البعث العربي الاشتراكي، من أن تُسيطر “إسرائيل” على منابع المياه التي كانت تُغذي مياه نهر بانياس الذي ينبع من الجولان المحتل، ويغذي بحيرة طبريا التي كانت آنذاك داخلة ضمن حدود الهدنة مع الدولة العبرية. يومها كان في السلطة شخصية بعثية مهزوزة هو أمين الحافظ الذي أدخل إلى سورية إلياهو كوهين، ومكّنه من دخول الأوساط المخملية الشامية، ومكّنه من صداقة كل القيادات البعثية من يمينها إلى يسارها، وهو الذي ورّط عبد الناصر في موضوع التخوف على منابع المياه السورية، ليغالب عبد الناصر جرحه الانفصالي، ويدعو إلى أولى القِمم العربية التي ما زالت تتوالى بين الحين والآخر، ومحورها كان دائمًا سورية وفلسطين.
يومها لم تكن دول جامعة الدول العربية بهذا العدد المتضخم من الدول التي في الحقيقة لا يربطها بالعروبة إلا حبل سري واه، لا يلبث أن ينقطع هنا أو هناك نتيجة ضعف هذا الرابط، والنتيجة الوحيدة التي خرجت بها أول قمة هي بيان هش لم يستطع أن يحوّل موضوع المياه، كونه موضوعًا لا يقرره الطرف العربي، بل تحدده “إسرائيل” بالضبط، واتفق المجتمعون على أن تتوالى القِمم، لدراسة موضوع مياه الجولان السورية، إضافة إلى موضوع رئيس آخر هو القضية الفلسطينية.
في القمة الثانية، تراجع الوضع السوري، ليتقدم عليه الوضع الفلسطيني، حيث قرر المجتمعون تشكيل “منظمة التحرير الفلسطينية”، وذراعها المسلح “جيش التحرير الفلسطيني” الذي كان يتمركز في كل من سورية ومصر، وقد توهم الحاضرون أنه سيكون مُحرّر فلسطين من العدو الإسرائيلي، وراميها في البحر، كما كان يجعجع أحمد سعيد، مدير إذاعة “صوت العرب”.
القمة الثالثة كانت قمة إعادة سورية مرة أخرى إلى الواجهة، من خلال إقرار الاتفاقية الدفاعية المشتركة، التي كان عمادها الأساس القوات المصرية والقوات السورية، ويومها خضع جمال عبد الناصر للابتزاز البعثي، في شكله الشباطي، حيث كان قادة سورية الجدد، بعد حركة 23 شباط/ فبراير، وكان على رأسها كل من صلاح جديد وحافظ الأسد، وهي التي أوصلت المنطقة العربية ودولها إلى هزيمة حزيران/ يونيو، وهنا كانت القمة الرابعة التي أقرت تشكيل قيادة عسكرية موحدة، وقد قاطعها نائب الملك السعودي، الأمير فيصل بن عبد العزيز، وأقرّت مساندة كل من مصر وسورية، في حال العدوان عليها من قبل الدولة العبرية، لكي ينضم إلى اتفاقية الدفاع المشتركة ملك الأردن، الحسين بن طلال، وكان يرفض التوقيع عليها، وإلى الآن لم يُفهم لماذا دخل الملك حسين هذه الاتفاقية، وهو الذي كان يعرف أن الحرب العربية – الإسرائيلية ستكون خاسرة، بالنسبة إلى العرب، في حال وقوعها، وذلك لارتباطه بدوائر المخابرات الأميركية والإنكليزية، والاستنتاج الأكثر منطقية هو أنه طُلب منه تسليم الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى الدولة العبرية، يومئذ استفاق العرب، دولًا وشعوبًا، على هزيمة أربعة جيوش عربية هزيمة نكراء، لم يستفيقوا منها حتى يومنا هذا، لا بل توالت عليهم الهزائم الواحدة تلو الأخرى. يومها خسرت مصر سيناء وغزة ومضائق تيران، وخسرت سورية الجولان والقنيطرة، بمسرحية حافظ الأسد، بالانسحاب الكيفي الكاذب وسقوط القنيطرة، ويومها عقدت القمة العربية، لأول مرة، خارج مصر، في عاصمة السودان الخرطوم.
خرجت قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث الشهيرة: “لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل” و”ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة”، وشهدت القِمة المصالحة ما بين القطبين العربيين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن العزيز، وأدت إلى خروج مصر من اليمن، بعد سقوط إمبراطورية عبد الحكيم عامر.
نتيجة هزيمة حزيران/ يونيو؛ برزت حركة المقاومة الفلسطينية، لتعيد فلسطين مرة أخرى إلى الواجهة، وبقيت هذه الحركة تزداد قوة، وصولًا إلى رفعها الشعارات المستفزة للملك حسين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: “كل السلطة للمقاومة” و”المجالس الشعبية هي البديل للسلطة” إلخ.. وقد أدى ذلك إلى ضرب هذه الحركة في أيلول/ سبتمبر 1970، ودعا عبد الناصر إلى مؤتمر قمة طارئ لتدارس الوضع في الأردن، ختمت بمقتل عبد الناصر المأسوي، وكانت أولى نتائجه سيطرة حافظ الأسد على السلطة في سورية، بعد أن اعتقل صلاح جديد، ويوسف زعين، ونور الدين الأتاسي، واستطاع إبراهيم ماخوس الهرب.
بعد انقلاب حافظ الأسد، كان انقلاب أنور السادات وسقوط حركة هاشم عطا السودانية، ليبرز دورُ العسكر: الأسد، السادات، القذافي، النميري.. إلخ. وبعد كل أزمة، كانت مؤتمرات القمة تنعقد، إما بسبب القضية الفلسطينية أو أي أزمة يكون محورها نظام البعث السوري وزميله البعث العراقي؛ فكانت المؤتمرات تنعقد للتداول، لتخرج بلا نتائج تذكر.
شهد لبنان، الشهر الماضي، مهزلة أسماها القمة الاقتصادية والتنموية، كانت الغاية من عقدها في لبنان تعويم النظام السوري، من خلال الطلب من الدول المجتمعة إعادة النظام إلى مقعد سورية الذي خسره نتيجة ثورة الشعب السوري، فاعتقد حلفاء بشار الأسد في لبنان بأن انعقاد القمة لا يمكن أن يتم دون النظام السوري، ولكنهم فشلوا في تمرير هذه العودة، ليخرج آخر المؤتمرات القِممية باهتًا لا معنى له، لكونه لم يخرج بأي قرار يمكن تطبيقه على المستوى الاقتصادي.
خلاصة هذه المؤتمرات أنها لا تخرج بأي نتيجة، لذا لا معنى لأن تنعقد، كون مقرراتها غير قابلة للتنفيذ.