هل الظلم من أصل الطبيعة البشرية؟ لقد تناول الشعر العربي هذا الإشكالية حينما أجمع عدد من شعراء العربية في عصور مختلفة، على أن الظلم راسخ في طبيعة الإنسان.
وقبل أن نتناول مقولة أولئك الشعراء؛ سنطرح السؤال من واقع السياسة بشكل عام، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. فقد تميزت هذه العلاقة عبر العصور بتمركز السلطة المطلقة بيد الملوك والسلاطين والقياصرة والأباطرة، واستمر الأمر حتى قيام الثورات التحررية؛ بدءًا من الثورة الفرنسية عام 1789- 1799 وصولًا إلى الحياة الديمقراطية التي ينعم بها عديد من شعوب العالم الحر.
لقد أفرزت هذه العلاقة غير المتوازنة بين الحكام وشعوبهم حالات من الظلم الذي مورس، دون رادع من ضمير أو إحساس بإنسانية الإنسان. ولم يتنازل الملوك والقياصرة عن سلطتهم إلا مرغمين، بفعل الثورات التي قامت في أوروبا وروسيا القيصرية وغيرها من البلدان. حتى أضحت الديمقراطية مطلبًا شعبيًا لا تُنال بالرضى والقبول، وإنما بالعناء وسفك الدماء.
إننا نجد شبه اتفاق، عند الشعراء العرب الذين تناولوا موضوع الظلم ومفهومه؛ على أن الظلم ملازم للطبيعة البشرية. وإذا كانت طبيعة الحياة في المجتمع الجاهلي وسيادة أخذ الحق بقوة السيف، لا بقوة القانون، قد جعلت زهير بن أبي سلمى يعتبر أن من لا يظلم الناس سيتعرض للظلم؛ فما الذي دعا عمر بن أبي ربيعة الإسلامي، ومن بعده المتنبي العباسي، كي يترسموا خطى زهير الجاهلي!؟
لقد كان محور معلقة زهير بن أبي سلمى يدور حول ذم الحرب والجنوح نحو السلم. فقد ركز في تلك المعلقة على مدح السيدين اللذين أصلحا ذات البين بين عبس وذبيان. فما باله يرى أن الإنسان إن لم يكن ظالمًا فسيتعرض للظلم من غيره، على مبدأ الظلم أنفى للظلم.
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يُظلم
لن نجد تفسيرًا للشطر الأخير غير هذا التفسير؛ مع أنه يتجه في معلقته اتجاهًا مخالفًا، حينما يتحدث عن نتائج الحرب المدمرة. والحرب في نهاية الأمر سيادة الغالب على المغلوب وممارسة الظلم عليه.
ولو انتقلنا من العصر الجاهلي المحكوم بشريعة السيف، إلى العصر الإسلامي المحكوم بشريعة القرآن، لوجدنا عمر بن أبي ربيعة يؤكد المبدأ نفسه، حينما يعتبر أن من لا يمارس الاستبداد فإنما لعجزه وقصوره، لا لعفته وإنسانيته. في قوله:
ليت هندًا أنجزتنا ما تعد/ وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرة واحدة/ إنما العاجز من لا يستبد
حتى لو كان الاستبداد الذي قصده بن أبي ربيعة يتعلق باستبداد قلوب المحبين؛ فإنه لا يخرج عن مفهوم رسوخ الظلم والاستبداد في الطبيعة البشرية.
أما المتنبي في العصر الجاهلي المتأخر، الذي انتقل فيه المجتمع الإسلامي إلى حالة فكرية متقدمة، نتيجة احتكاكه بالثقافة اليونانية وانفتاحه عليها، فإنه يرى، بصراحة ووضوح لا يمكن تأويلهما، أن الظلم من شيم النفوس:
فالظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
وبعد: يبقى السؤال المشروع الذي تفرضه طبيعة هذه الأمثلة من الشعر العربي؛ هل يتعلق أمر الظلم بطبيعة تركيبة الإنسان العربي؛ حتى نجد نتائجه ماثلة أمامنا في كل البلدان العربية دون استثناء، والمتمثل بعلاقة الحاكم العربي بشعبه، وممارسة أقسى أنواع الاستبداد والطغيان، أم لاعتقاد هذا الحاكم العربي أن العاجز من لا يستبد؟