بشار الأسد في دمشق في كانون الثاني/ يناير 2014. (جوزيف عيد/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي)
أثناء خطابه عن حالة الاتحاد، استشهد الرئيس ترامب بالمحرقة (الهولوكوست)، ومدح بعض ضيوفه المدعوين، قائلًا: “إن جنود الولايات المتحدة هم من حرروا معسكرات الاعتقال النازية وضحايا تلك المعسكرات”.
تجبرنا تعليقات ترامب على أن نسأل أنفسنا: أما تزال الولايات المتحدة مخلصة للقسم (الذي ظهر بعد القتل الجماعي لليهود والأقليات الأخرى أثناء الحرب العالمية الثانية): “إنها لن تتكرر مجددًا“؟ إن نظرة واحدة إلى سورية تؤكد أننا فاشلون.
ينص قانون غودوين Godwin’s Law على أنه كلما طالت مدة أي نقاش سياسي؛ ازدادت احتمالية المقارنة المرتبطة بالنازيين أو بأدولف هتلر [الوصول إلى طريق مسدود في النقاش، حيث تطلق على الشخص السيئ عباراتٌ أنه شبيه بهتلر]. إنه تحذير ضد التكافؤ الخاطئ، وتذكير بالرعب الاسثنائي للمحرقة (الهولوكوست). لكن بالنسبة إلى ضحايا بشار الأسد، فإن المقارنة ملائمة. ليس عليك إلا أن تسأل عمر الشغري، وهو سوري عانى من أسوأ الفظائع.
قال لي، ردًا على خطاب ترامب: “ما يحدث في سورية هو محرقة (هولوكوست). الفرق هو أننا ما نزال نملك الوقت لفعل شيءٍ ما لوقف هذه المحرقة”.
عندما انضم عمر، وكان آنذاك في الخامسة عشرة من عمره، لأول مرة إلى الاحتجاجات في البيضا (بانياس)، مسقط رأسه، كان ذلك بدافع الفضول. وعندما اعتُقل أول مرة، عذبوه مدة يومين فقط، ثم أطلقوا سراحه. هنالك، أدرك عمر ما كانت تقوم به حكومته، فعاد مباشرة إلى التظاهرات.
اعتُقل وعُذّب، خمس مرات أخرى، وفي كل مرة كان يُطلق سراحه، من بعد أن يدفع والده -وهو ضابط عسكري متقاعد- رشوة. لكن بعد اعتقاله الأخير، لم يأت والد عمر. عرف لاحقًا أن قوات الأسد قتَلت والده وإخوته ومعظم أهالي القرية. هذه المذبحة التي وقعت عام 2013 معروفة بـ “مذبحة البيضا”.
قال لي عمر: “ثم بدأ التعذيب الحقيقي. لقد أيقنوا أنني لن أخرج”.

كان عمر في سجن محلي مع ثلاثة من أقربائه. وكثيرًا ما تعرضوا للتعذيب، يُسمعونهم صراخ بعضهم، لاستخدام ألم أحدهم كتعذيب نفسي على الآخرين. عُذبوا حتى إنهم اعترفوا بجرائمَ لم يرتكبوها، ومن ثمّ عذبوهم أكثر.
وقال: “كانوا يتسلّون بتعذيبنا. كل شيء هناك فظيع، في وقت واحد، يُعذَب ابنُ عمك إلى جانبك، وأنت ترى وتنتظر دورك”.
بعد ذلك ساءت الأمور. ونُقل عمر إلى سجن المخابرات العسكرية المعروف باسم الفرع 291. حيث قال عمر: “التعذيب الجنسي هو التعذيب المفضل في هذا الفرع”. ثم زادت الأمور سوءًا. ونُقل عمر إلى الفرع 215، الذي وصفته هيومن رايتس ووتش بـ “فرع الموت”.
يتحمّل معظم الناس العيش هناك لأسابيع معدودة وحسب، أما عمر فبقي مدة 21 شهرًا. توفي أبناء عمه الثلاثة. واعتقلوا ابن عمه الرابع، الذي توفي أيضًا. أمضى عمر بعدها عشرة أشهر في سجن صيدنايا، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “مسلخٌ بشري”. يعيش عمر الآن في السويد، مُكرسًا حياته لمناشدة العالم ألا يغض الطرف عما يجري في بلده. وقد نقلته تلك المهمة إلى واشنطن هذا الأسبوع، ليحكي قصته للمسؤولين والمشرعين.
داخل الفرع 215، وفي الفاصل بين جلسات التعذيب، أُجبر عمر على ترقيم وتسجيل الجثث. انتهى المطاف بالمئات من هذه الجثث، في مشفى يُعرف باسم 601، وهناك، صُوروا من قبل ضابط في الشرطة العسكرية يُعرف باسم (قيصر) الذي هرب بعد ذلك من سورية ومعه أكثر من 55 ألف صورة، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقق منها، كدليل على فظائع الأسد الجماعية.
تُشكّل هذه الأدلة الأساس لمعرض قيصر في متحف الهولوكوست التذكاري الأميركي في واشنطن. وقد قال ستيفن راب، السفير المتجول السابق لشوؤن “العدالة الجنائية الدولية” وجرائم الحروب في وزارة الخارجية الأميركية: إن هذا الدليل هو الأقوى منذ محاكمات نورمبرغ [التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية] وإن “آلية الأسد في القتل” هي الأسوأ منذ النازيين.
قدّم قيصر شهادته أمام لجنة في مجلس النواب عام 2015. في الشهر الماضي، وافق الكونغرس على مشروع قانون عقوبات باسم قيصر. وقد عُرضت صوره في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، بعد مرور عدة أعوام، لا يزال الفرع 215 مركز قتل متواصل. إن سجون الأسد ليست سوى وسيلة واحدة من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام: تجويع المدن، وقصف المشافي، واستخدام الأسلحة الكيمياوية، في مسعاه لقتل ما يقدر بنحو نصف مليون من الأبرياء.
ماذا على الأسد أن يفعل أكثر حتى تُقارن جرائمه بالهولوكوست؟! محاولة التطهير العرقي على نطاق واسع؟ تحققوا. التعذيبُ الجماعي وقتل المدنيين في مراكز الاعتقال؟ تحققوا. حرقُ الجثث؟ تحققوا. قتلُ الأطفال بالغاز؟ تحققوا.
غالبًا ما يقدّم المدافعون عن الأسد في واشنطن خيارًا خاطئًا: إما أن تدعم حكم الأسد، أو أنك تؤيد التدخل العسكري لمصلحة الإرهابيين. خلال الهولوكوست، كانت هناك حالة منطقية ضد التدخل العسكري، مثل الآن. أصبحت هذه الحجة ذريعة لتجاهل الفظائع، مثل الآن. بعد ذلك، كان لدى الولايات المتحدة خيارات غير الاجتياح، مثل قبول المزيد من اللاجئين الفارين من الفظائع. لكنها حتى في ذلك الوقت، لم تتصرف، مثلما هي الحال الآن.
في النهاية، ما يعتقده الأميركيون هو أمرٌ غير مهم. بالنسبة إلى جيلٍ كامل من السوريين، هذه هي محرقتهم. على مدى السنوات المقبلة، قد يستمر نظام الأسد في ذبح الآلاف، لكن سينجو كثيرون، وسيعيشون ليحكون قصصهم. ستفوق أدلتهم كرم متحف الهولوكوست. ستحتاج المحرقة السورية إلى متحفها الخاص.
طالما بقي الأسد في السلطة، فلن يكون هناك سلام في سورية. سيناضل الناس دومًا من أجل الكرامة. ولكن ذات يوم، سينتهي حكمه الوحشي القاسي. وفي بعض العناوين المستقبلية، سيُحتفل بالناجين من المحرقة السورية مع محرريهم. ومن المرجح ألا يكون هذا العنوان في الولايات المتحدة؛ لأننا بقينا متفرجين. لكن لا يمكننا أبدًا أن نقول إننا ما كنّا نعرف. لقد أخبرَنا عمر.
اسم المقالة الأصلي | The vow of ‘never again’ is dying in Assad’s prisons |
الكاتب | جوش روجين،Josh Rogin |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوست،The Washington Post، 7/2 |
رابط المقالة | https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/the-vow-of-never-again-is-dying-in-assads-prisons/2019/02/07/699d65a6-2b13-11e9-984d-9b8fba003e81_story.html?utm_term=.0d58d1fb15ea |
عدد الكلمات | 909 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |