قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أول أمس الاثنين، عشية انعقاد مؤتمر “مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط” في العاصمة البولندية وارسو، إنّه ممتن لمقاطعة لبنان أعمال المؤتمر، معتبرًا أنّ ذلك “انتصارًا” لطهران من بيروت.
تصريحات ظريف الذي يزور بيروت، منذ يوم الأحد الفائت، ركزت على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وتقديم المساعدة للحكومة الجديدة لترتيب عودة نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى بلادهم.

والتقى ظريف، في وقت سابق من زيارته، الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، فضلًا عن أمين عام ميليشيا (حزب الله) حسن نصر الله.

وكان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل قد أعلن، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيراني، مقاطعة بلاده للمؤتمر، الذي ينعقد بين 12 و14 شباط/ فبراير الجاري، والذي تأمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تحقق تحالفًا ضد طهران، يعمل على تضييق الخناق على نظام الملالي ومواجهة أجنداته التخريبية في المنطقة والعالم.
- بحث الملف السوري بغياب روسيا

على صعيد آخر، أكدت مصادر صحفية عربية أنّ القضية السورية والبحث عن تسوية سياسية للملف السوري، ستكون أحد بنود المؤتمر؛ على الرغم من إعلان روسيا عدم مشاركتها فيه، حيث يقدم المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسون تقريرًا لممثلي 79 دولة وأربع منظمات دولية المشاركين في المؤتمر، الذي يتزامن عقده مع القمة الثلاثية بين الرؤساء: الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني في سوتشي، التي تتناول عملية آستانا وتشكيل اللجنة الدستورية السورية تمهيدًا لإطلاق الإصلاح الدستوري بهدف تنفيذ القرار الدولي 2254.
تبدأ أعمال المؤتمر، بحسب ما أبرزت صحف عربية، مساء أمس الثلاثاء، بتقرير عن سورية يقدمه المبعوث الدولي إلى سورية، وآخر عن اليمن يقدمه المبعوث الدولي مارتن غريفيث، وتقرير ثالث عن الشرق الأوسط يقدمه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
ومن المقرر عقد ثلاث جلسات عمل متزامنة في العاصمة البولونية، تتناول الأولى “ملف الصواريخ الباليستية” عبر التركيز على (موضوع نزع السلاح مثل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والدرون، بما فيها منصات إطلاق الصواريخ) بحيث يجري خلال النقاش بين المشاركين البحث في “خيارات للحد من تطوير الصواريخ، والعمل للتعاون لضمان الأمن البحري وحماية حقوق الدول في الأمن والدفاع”.
وتتناول الجلسة الثانية ملف “الأمن السيبراني” والتهديدات المتصاعدة إزاء ذلك من الدول و”اللاعبين المستقلين”.
أما الجلسة الثالثة، فستتناول موضوع “محاربة الإرهاب” ومن ضمن ذلك التعاون لمحاربة تمويل التنظيمات الإرهابية، التي “تهدد الأمن والسلام العالمين”، واقتراح تبادل المعلومات والتعاون بطريقة أكثر تأثيرًا.
ومن المقرر أن يقدم المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسون أوّلَ تقرير له إلى مجلس الأمن، نهاية الشهر الجاري، بعد استكمال جولاته بزيارات إلى بروكسل ولندن وباريس، عقب زياراته إلى الرياض وأنقرة وطهران ودمشق.
- حشد أميركي لمواجهة “خطر إيران”
تشارك في “مؤتمر وارسو” الذي يتصدر جدول أعماله مواجهة “خطر إيران”، 12 دولة عربية، ومن المتوقع أن يحضر وزيرا خارجية السعودية والإمارات، جنبًا إلى جنب، مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس. في وقت أعلنت فيه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنّها ستتخلف عن الحضور، بالرغم من أنّ المؤتمر يُعقد في بلد أوروبي، ما يثير مخاوف من أن يكون مستوى المشاركة الأوروبية أقل من توقعات إدارة الرئيس ترامب.
ووفقًا لمصادر إعلامية عربية وغربية، فإن من المقرر أن يسفر المؤتمر عن تشكيل ست لجان عمل، لتنفيذ التوصيات المتعلقة بـ “الصواريخ الباليستية”، و”محاربة الإرهاب”، و”محاربة تهديد الأمن السيبراني”، و”توفير الأمن والطاقة وأمان الطرق البحرية وحقوق الإنسان”، في إشارة إلى ملفات تخص سلوك إيران في المنطقة.
متابعون رأوا أنّ الإدارة الأميركية تقصدت تنظيم عقد المؤتمر بالتزامن مع الذكرى الأربعين لـ “الثورة الإيرانية”، وإن كانت وافقت على تغيير في هيكليته وبرنامجه واسمه، ليصبح يتناول “السلام والأمن في الشرق الأوسط” بدلًا من التركيز المباشر على دور إيران، وإن كانت عناصر النقاش ستتناول سلوك طهران. كما جرى التوافق الأميركي – البولندي على أن يكون البيان الختامي باسم الدولتين، وليس جميع المشاركين.
تعود فكرة “مؤتمر وارسو” إلى عدّة أشهر، عندما اقترحت إدارة ترامب الدعوة إلى اجتماع موسع بهدف تشكيل “تحالف دولي ضد إيران”، يوازي “التحالف الدولي ضد داعش”، الذي يضم حاليًا 79 دولة وعقد مؤتمره الأخير لوزراء الخارجية في واشنطن قبل أيام، وسيعقد مؤتمرًا لوزراء الدفاع منتصف الشهر الجاري.
وتشبه آلية العمل في “مؤتمر وارسو” واللجان المنبثقة منه مراحل إطلاق التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش) في 2014؛ حيث يتزامن أيضًا مع قرب إعلان واشنطن القضاء الكامل على التنظيم الإرهابي في آخر جيوبه شرق سورية، وبدء تنفيذ قرار ترامب الانسحاب العسكري من سورية مع الاحتفاظ بقاعدة (التنف).
واستبق وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عقد المؤتمر، بجولة بدأت الاثنين إلى دول المجر وسلوفاكيا وبولندا، لتعويض نقص الوجود الأميركي الذي فتح الطريق أمام قدر أكبر من النفوذ الصيني والروسي، في وسط أوروبا.

وكانت ردة فعل طهران غاضبة، على إثر الإعلان أوّل مرّة عن المؤتمر. واستدعت وزارة الخارجية، في 13 كانون الثاني/ يناير الفائت، القائم بالأعمال البولندي “احتجاجًا على ما يسمّى مؤتمر السلام والأمن المعادي لإيران”.
وقال إسحاق جهانجيري نائب الرئيس الإيراني: إنّ “سبب عقد هذا الاجتماع هو فشل العقوبات الأميركية في تركيع إيران”. ونقلت وكالة أنباء (فارس) شبه الرسمية عن جهانجيري قوله: “ظن الأميركيون أنّ الضغوط ستدمر اقتصادنا. أرادوا وقف صادراتنا النفطية لكنهم فشلوا… والآن قرروا عقد مؤتمر مناهض لإيران في أوروبا”.
وأعلن الرئيس ترامب انسحاب بلاده، العام الماضي، من اتّفاق أبرم في عام 2015، من أجل الحد من نشاط إيران النووي، ولكن الاتحاد الأوروبي مصمم على التمسك بالاتّفاق.
- تحذيرات فلسطينية من “تصفية” القضية
وكالات أنباء عالمية قالت: إنّ جاريد كوشنر، مستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس ترامب، سيناقش خطة أميركية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عُرفت إعلاميًا بـ “صفقة القرن”، وقد عكف كوشنر على إعدادها ضمن فريق مختص على مدار عامين.
السلطة الفلسطينية التي قررت مقاطعة المؤتمر أطلقت، مع تسارع “العد التنازلي” للإعلان الأميركي عن الصفقة المشبوهة، تصريحات غاضبة تجاه ما تصفها بـ “محاولات” أميركية أو إقليمية لاستثنائها وتمرير مشاريع تعتبرها “تصفوية” للقضية الوطنية.
القيادي الفلسطيني صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لـ (منظمة التحرير الفلسطينية) رفض، عبر تغريدة على موقع (تويتر) الجمعة، الدعوة للمشاركة في “مؤتمر وارسو”.
وحثت حكومة تسيير الأعمال برئاسة رامي الحمد الله الدول العربية على مقاطعة المؤتمر أو خفض مستوى تمثيلها فيه على الأقل.
من جهة ثانية، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في حديث إلى إذاعة (صوت فلسطين) الاثنين، إنّه ينبغي للدول العربية على الأقل إرسال وفود من مستوى أدنى من الوزاري إلى المؤتمر. مؤكدًا “رفض السلطة الفلسطينية للمؤتمر وأي مخرجات ستصدر عنه”.
بدوره، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى موسى، الاثنين: إنّ “كل الدعوات التي تأتي من الولايات المتحدة الأميركية هدفها تصفية القضية الفلسطينية، بإيجاد أعداء وصراعات في المنطقة، تخدم الأهداف الصهيونية والأميركية”.
وأضاف موسى: “الشخصيات التي تذهب إلى هذا المؤتمر، هي شخصيات تذهب وفق أجندة العمالة مع الكيان الصهيوني والعمالة مع أميركا، وبذلك هؤلاء يطعنون القضية الفلسطينية في الظهر، الأصل أن يتعامل معهم الشعب الفلسطيني كخونة للقضية الوطنية”. وختم قائلًا: إنّ “أميركا تقوم بدور استعماري وتفكيكي وتدميري في كل المنطقة العربية، وهي التي رعت الانقلابات في الربيع العربي، وهي التي تعمل وفق أجندة واضحة؛ هي حماية الكيان الصهيوني وتمكينه من الهيمنة والسيطرة على المنطقة”.
محللون سياسيون فلسطينيون وعرب رأوا أنّ إدارة ترامب تحاول حاليًا أن تحرك المياه الراكدة، بشأن “صفقة القرن” مع اقتراب إعلانها المقرر بعد انتخابات الكنيست التي ستجري في نيسان/ أبريل المقبل، وذلك من خلال إثارة البلبلة والفضول بشكل مقصود، عبر القول إنّ “كوشنر سيتحدث عن الخطة، وسيتم النقاش والاستماع لتساؤلات بخصوصها”.
فيما رأى مراقبون عرب أنّ الحديث عن القضية الفلسطينية، في المؤتمر في سياق خطة السلام الأميركية، يبدو هو الآخر رفعًا للعتب، لأنّه تم الترتيب لأمور متعلقة أكثر بإيران وسياسات أميركا ومحاولاتها لخلق “الناتو العربي” لمواجهتها، فضلًا عن الخريطة الجيو-سياسية للمنطقة، كما تراها إدارة ترامب، وما يتصل بها من رؤية لمستقبل سورية وكذلك الملف اليمني.