دافع نقيب المحامين السوريين نزار سكيف، الموالي للنظام الأسدي، عن الاتّهامات الدولية لـ بشار الأسد بقتل مراسلة الحرب الأميركية الصحافية ماري كولفين، قائلًا: إنّ “قرار المحكمة لم يُؤسس على فكر قانوني، وهو قرار سياسي بامتياز، وتحصين سياسي وقانوني للإرهابيين”، في إشارة إلى عناصر (الجيش السوري الحر).
صحيفة (الوطن) التي يملكها ابن خال رئيس النظام رامي مخلوف، نقلت عن سكيف، الاثنين 11 من الشهر الحالي، وصفه لقرار محكمة مقاطعة كولومبيا بتحميل النظام مسؤولية الجريمة، بـ “اللاقانوني” من حيث الاختصاص والولاية، على حدِّ قوله. مبررًا ذلك بأنّ كولفين “لم تدخل إلى سورية بعلم الجهات التي يجب أن تمنحها موافقة الدخول”.

مقولة “عدم دخول الصحافية الأميركية ماري كولفين إلى سورية بعلم الأجهزة الأمنية الأسدية” أصبحت الحجة الواهية التي يرددها “أزلام” النظام لتبرئة الأسد من تهمة قتلها، حيث تبناها من قبل المخرج نجدت أنزور نائب رئيس مجلس الشعب التابع للأسد.
أنزور قال في تصريح صحفي نقلته وكالة (أسوشييتد برس) الأميركية، الأسبوع الفائت، إنّ حكم المحكمة الأميركية مبني على “تنبؤات” أكثر منه على تحقيق يتفق مع القانون. وتابع: إنّ “كولفين كانت قد دخلت البلاد بشكل غير قانوني”، مضيفًا: “لا نعلم من قتلها”.

كذلك فعل عضو مجلس الشعب محمد خير العكام، حيث قال لوكالة (سبوتنيك) الروسية: إنّ ماري كولفين “دخلت الأراضي السورية بطريقة غير شرعية، وكانت موجودة إلى جانب الإرهابيين في أثناء قيامهم بمهاجمة المناطق الآمنة لتنقل الأخبار المفبركة، ومن حق الجيش السوري أن يقصف مواقع الإرهابيين دفاعًا عن الشعب السوري، وفوق ذلك كله لا يوجد ما يؤكد أنّ قصف الجيش السوري هو ما تسبب في مقتل الصحفية المذكورة، وبالتالي لا يحق لأيّ محكمة أميركية أن تصدر أحكامًا بهذا الخصوص ضدّ الحكومة السورية”.
وردًا على الحكم الأميركي دعا العكام، وهو أستاذ القانون في جامعة دمشق، المنظومةَ القضائية في سورية، إلى أن تتجه إلى تحريك آلاف الدعاوى بحق واشنطن، لاستصدار أحكام تغرمها بتعويضات لأسر آلاف “الشهداء” السوريين الذين قتلوا بنيران المقاتلات الأميركية. وأضاف: “بما أنّ المنظومة القانونية في الولايات المتحدة الأميركية تسمح لمحاكمها بإصدار أحكام غيابية ضدّ دولة أخرى، بحجة أنّها تدافع عن مواطنيها؛ فأنا أدعو المنظومة القانونية في سورية إلى أن تنحو المنحى ذاته، وخاصة مع الاعتراف الذي صدر منذ يومين عن قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وقد أقرّ بأنّ “قوات التحالف قتلت 1190 مدنيًا في سورية”.
أنور البني: “العدالة تأخذ مجراها”

في المقابل، علق المحامي السوري الناشط في مجال حقوق الإنسان أنور البني (رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية)، على الحدث مطلع الشهر الحالي، عبر صفحته الشخصية في (فيسبوك) بالقول: إنّ “العدالة تأخذ مجراها”. وأضاف: “أميركا تلحق بأوروبا برسالة واضحة بأنّه لا يمكن إعادة تدوير النظام، فقد أصبح نُفايات غير قابلة للتدوير. فبعد (قانون قيصر) أصدرت، يوم الخميس 31 كانون أول/ يناير الفائت، قاضية محكمة مقاطعة كولومبيا الأميركية، أمي بيرمان جاكسون، حكمًا بقيمة 302 مليون دولار ضدّ الحكومة السورية، حيث حمّلتها مسؤولية قتل مراسلة الحرب الأميركية ماري كولفين. وعلى الرغم من أنّ الحكم لم يتطرق إلى الشق الجزائي ومعاقبة المجرمين. فإنّه خطوة على طريق العدالة. ورسالة المجرمين بأن لا مكان آمنًا يمكن أن تكونوا فيه ولا مهرب لكم من العقاب عن الجرائم التي ارتكبتموها”.

من جهة ثانية، رأى مدير (الشبكة السورية لحقوق الإنسان) فضل عبد الغني أنّ الحكم يتضمن شقين، فإلى جانب التعويض المالي، يتضمن اتهامًا لنظام الأسد بتعمد استهداف الصحافيين، بهدف إسكات تقاريرهم، وبالتالي يعتبر الحكم “نصرًا لجميع تضحيات الإعلاميين في سورية ضدّ نظام الكيمياوي”، وفقًا لما نشره عبر صفحته الشخصية في (فيسبوك).
اشتُهرت ماري كولفين بتغطيتها في مناطق الحروب، وقد فقدت إحدى عينيها إبان تغطيتها أحداثًا في سريلانكا عام 2001. كما تواجدت في ميدان التحرير في القاهرة في أثناء ثورة 25 يناير 2011، وانتقلت أيضًا إلى ليبيا خلال ثورتها. وسبق أن قابلت العقيد معمر القذافي عام 1992 بعد القصف الأميركي لمدينة طرابلس.
وكانت المحكمة الفيدرالية في مقاطعة كولومبيا الأميركية قد أصدرت، نهاية الشهر الفائت، حكمًا يقضي بدفع تعويضات مالية لدور الحكومة السورية في مقتلها، وإلزام الحكومة السورية بدفع تعويضات مقدارها 2.5 مليون دولار، إلى جانب نحو 11.8 ألف دولار كتكاليف جنازة. لكن القاضية آمي بيرمان جاكسون قررت تأجيل البت في مطالبة عائلة كولفين بتعويضات إضافية تبلغ 300 مليون دولار إلى وقت لاحق.
على الرغم من أنّ هذا الحكم الذي أصدرته المحكمة الأميركية يحمّل نظام الأسد مسؤولية قتل كولفين؛ فقد رأى مراقبون أنّه لم يتضمن أيّ إشارة إلى الشق الجزائي المتعلق بمحاسبة رموز النظام على جرائم الحرب المرتكبة في البلاد، غير أنّه “يشكل نصرًا للسوريين، وردًا أخلاقيًا على الدعوات والمبادرات المتكررة لإعادة تعويم النظام مع نهاية الحرب”.
وشهد يوم 22 شباط/ فبراير 2012، مقتل المراسلة الحربية الصحافية ماري كولفين (56 عامًا) التي كانت تعمل لحساب صحيفة (صنداي تايمز) البريطانية، والمصور الفرنسي ريمي أوشليك (28 عامًا) في قصف استهدف مركزًا صحافيًا في حي “بابا عمرو” الذي كان خاضعًا آنذاك لسيطرة المعارضة في مدينة حمص (وسط سورية).
وأسفرت هذه الجريمة الوحشية التي ارتكبتها قوات الأسد عن ثلاثة جرحى آخرين، هم المصور البريطاني بول كونروي، والصحافية الفرنسية المستقلة إديت بوفييه، والناشط الإعلامي والمترجم السوري وائل العمر.
وكانت بوفييه، والصحافي وليام دانييلز الذي نجا من القصف، أكدا بعد خروجهما من حي “بابا عمرو”، أنّ قوات النظام السوري استهدفت “بشكل مباشر” كولفين، والصحافيين الآخرين في الحي.
مركز حقوقي: مقتل 445 إعلاميًا في سورية منذ عام 2011
في سياق آخر، وثّق (المركز السوري للحريات الصحافية) التابع لـ (رابطة الصحافيين السوريين) في تقرير صدر نهاية الشهر الفائت، ووصلت نسخة منه إلى (جيرون)، مقتل 445 إعلاميًا وصحافيًا سورية على يد أطراف الصراع، منذ بدء الاحتجاجات السلمية في منتصف آذار/ مارس عام 2011.
وأوضح المركز أن نظام الأسد تصدّر الأطرافَ الآخرى، من حيث عدد الانتهاكات ضدّ الإعلام سواء داخل البلد أو خارجه، بدءًا من القتل والجرح والضرب، ومرورًا بالاعتقال والتعذيب، وليس انتهاءً بكم الأفواه ومنع الإعلاميين من العمل بحرية، ومصادرة معدات بعض المؤسسات الإعلامية، وإغلاق بعضها الآخر ومنعها من العمل.
وأضاف التقرير أنّه وثّق مقتل 15 إعلاميًا خلال عام 2018، ما عكس الوضع السيئ الذي يحيط بالحريات الإعلامية في سورية، مقارنةً بغيرها من دول العالم.
كما أشار إلى أنّ هناك تحوّلات جذرية في نوعية الانتهاكات وأعدادها، لافتًا إلى أنّ الحصيلة الأكبر من الانتهاكات الموثقة في العام المنصرم، كانت من نصيب حالات الاعتقال والاحتجاز والخطف، فيما تراجعت حالات الإصابة والضرب.
وذكر التقرير أنّ أبرز التطورات على الساحة الإعلامية في سورية، العام المنصرم، تمثلت بتهجير عدد كبير من الإعلاميين من الغوطة وحمص ودرعا باتجاه الشمال السوري والدول المجاورة، بعد سيطرة قوات النظام على مدنهم وبلداتهم.
وكانت منظمة (مراسلون بلا حدود) قد قالت، في تقريرها السنوي الذي رصدت فيه وضع الصحفيين في بلدان العالم خلال العام المنصرم، وصدر في 18 كانون الأول/ ديسمبر الفائت: إنّ 80 صحفيًا حول العالم قُتلوا خلال 2018، في أثناء تأدية عملهم، نصفهم قتلوا في خمس دول فقط، بينها سورية التي قتل فيها 11 صحفيًا، ما جعل المنظمة تعتبرها واحدةً من بين الدول الأكثر فتكًا بالصحفيين في العالم.
وأشار تقرير (مراسلون بلا حدود) إلى ارتفاع عدد الرهائن الصحفيين عام 2018 بنسبة 11 بالمئة عن العام الماضي، بوجود ما لا يقل عن 60 صحفيًا أسيرًا في الوقت الراهن، 59 منهم محتجزون في سورية والعراق واليمن، بينهم ستة أجانب.

وجاءت سورية في المركز 177، من أصل 180، على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2018 بحسب منظمة (مراسلون بلا حدود).
وحذرت المنظمة، التي تتخذ من فرنسا مقرًا لها، المجتمعَ الدولي من التهاون في معاقبة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين حول العالم، وتشير الأرقام إلى أن نسبة الإفلات من العقاب، على الجرائم المرتكبة ضدّ الصحفيين، وصلت إلى 90 بالمئة.
