تقترب الأزمة السورية من تسوية شبه إيجابية تحقق مصالح الجميع، باستثناء السوريين الذين باتوا تحت وقع تنافس دولي وإقليمي حاد، يسعى كل طرفٍ فيه لقضم ما يمكن قضمه من عملية تقاسم النفوذ الجارية.
وفيما اتضحت خارطة تقاسم النفوذ، بمنح روسيا حق استخراج وإنتاج معظم المواد الريعية في سورية، من غاز طبيعي ونفط وفوسفات وسماد، وغيرها؛ ظهرت حصة إيران متواضعة وهي تتمحور حول استثمارات البنى التحتية. ويبدو أن طبيعة هذا التقاسم تنبع من المشروع الاستراتيجي لروسيا “الأوراسيانية” القائم على السعي لنيل صيدٍ ثمين من موارد الطاقة، والسيطرة على المنافذ البحرية الاستراتيجية، في منطقة الشرق الأوسط والبلقان وآسيا الوسطى. وباعتبار الموقع الدبلوماسي لروسيا في الساحة الدولية، كدولة كبرى توفر لإيران الدعم العسكري والسياسي والشرعي (عبر استخدام الفيتو في مجلس الأمن) يبدو أن طهران الدولة الإقليمية بحاجة إلى روسيا أكثر من حاجة الأخيرة إليها. وبحسبان الظرفية السياسية التي تمرّ بها، حيث عقوبات أميركية أدّت إلى تدهور مؤشرات الاقتصاد الإيراني، ليصبح معدل التضخم 34 بالمئة، والنمو 3 بالمئة، فمن الطبيعي أن تدرك طهران بواقعية ضرورة التماشي مع سيناريو المحاصصة الجغرافية.
سيناريو المحاصصة الجغرافية
أمام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الطموح الإيراني، يلاحظ أن نجاح سعي إيران لبسط نفوذ، يضارع نفوذها في اليمن (حيث سيطرة حليفها شبه المطلقة على البلاد)، أو نفوذها في لبنان (حيث يسيطر حليفها الداخلي على أركان الدولة بصورةٍ شبه كاملة)، أو نفوذها في العراق (حيث تتوغل بصورةٍ شبه كاملة في أركان الدولة واقتصادها وأمنها وسياستها)، هو أمرٌ مُحال.
وفي ظل الإشعاع السلبي للقوى الفاعلة في سورية ضد نفوذها، يبدو أن سيناريو المحاصصة الجغرافية هو الأكثر رجوحًا للنفوذ الإيراني في سورية. حيث يشير هذا السيناريو إلى احتمال تحرك إيران بواقعية وعقلانية على نحو القبول ببنية المحاصصة الجغرافية التي أضحت قائمة بجلاء في الجغرافيا السورية، حيث أصبح الشمال الشرقي يمثل النفوذ الأميركي الغربي بوجوده المباشر وغير المباشر عبر فواعل محلية، وصار الشمال الغربي خاضعًا للنفوذ التركي المباشر وغير المباشر عبر بعض الفصائل، وقد يصل النفوذ التركي إلى بعض أجزاء منطقة شمال شرقي سورية، ضمن حدود “المنطقة الآمنة”، وأضحى عموم سورية تحت السيطرة الدبلوماسية والعسكرية الجوية، أمّا النفوذ الإيراني الميداني البائن فيتركّز في وسط سورية، وبالأخص المسار البري الذي يمتد من البوكمال حتى القصير، وبعض مناطق محيط دمشق، إضافة إلى أجزاء من مدينتي حلب وحمص.
وفي ظل اتجاه المعادلة الدولية نحو تطويق نفوذها، قد تحذو إيران نحو الميل إلى الواقعية المستندة إلى حل الميليشيات الشيعية، والإبقاء على دعم وتسليح بعض المجموعات المحلية (الشيعية وغير الشيعية) ونشرها في نطاق امتداد ممرها البري الممتد من البوكمال حتى القصير.
ولعل العوامل التي تدعم هذا السيناريو تكمن في الإدراك الإيراني لضرورة التوافق مع وضع التقاسم الجغرافي القائم للنفوذ في سورية، وبالأخص في ظل التدهور الحاد الذي يشهده اقتصادها، وفي ضوء التكالب الدولي والإقليمي على نفوذها، إضافة إلى هدف روسيا في الإبقاء على نفوذ جزئي لإيران في سورية، من أجل تدعيم قوتها الميدانية، عوضًا من توقيع إيران اتفاقات “شرعية” مع النظام السوري، تُثبت نفوذها في المحور الجغرافي المذكور.
حصة إيران من سورية
بالركون إلى السيناريو أعلاه، وبالنظر إلى الاتفاقات المبرمة بين النظام السوري وإيران؛ يُلاحظ أن حصة إيران من مقدرات سورية جاءت في إطار البنى التحتية للمدن الكبرى بصورةٍ أساسية، إلى جانب خط الغاز المتوقع مده من البوكمال حتى القصير، وصولًا إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل. وبذلك يمكن سرد تفاصيل حصة إيران من سورية على النحو التالي:
– امتيازات في الحصول على مساحات واسعة في المجال العقاري، ولا سيّما في محيط دمشق، وبالأخص في مناطق شرقي دمشق. وقد بلغ حجم القروض التي منحتها إيران لسماسرة محليين وإيرانيين حتى عام 2014 ما يقارب 3 مليارات و400 مليون دولار. وترمي إيران من خلال التملك العقاري إلى ترسيخ وجودها الديموغرافي في محيط دمشق، ما يُسهل عليها مهمة البقاء على صلة بمؤسسات الحكم السورية، وتأسيس طوق “شيعي” يحمي دمشق من أي سيطرة سنية مُستقبلية.
– مشغل خط خليوي ثالث، تكون أرباح النظام فيه 20 بالمئة فقط، وفقًا لاتفاقية تم توقيعها عام 2017.
– تشييد وتشغيل مصفاة تكرير نفط في حمص لإنتاج 140 ألف برميل يوميًا.
– الحصول على امتيازات لإنشاء ميناء نفطي في طرطوس، في كانون الثاني/ يناير 2017.
– الحصول على امتياز إنشاء مشاريع محطات توليد الطاقة الكهربائية، في أيار/ مايو 2015.
– وُقع اتفاق نهائي بين دمشق وطهران وبغداد، في آذار/ مارس 2013، لمد “الخط الإسلامي – الفارسي” الذي ينقل الغاز الإيراني إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في الختام، منحت إيران النظام السوري دعمًا عسكريًا وماليًا، تجلّى في إرسال ميليشيات جمعتها من أصقاع الأرض، لتقاتل إلى جانب النظام السوري بكلفة قُدرت بـ 35 مليار دولار سنويًا، ومنحه قروضًا مالية بلغت قيمتها المرصودة 5.6 مليارات دولار، وتمكينه من “خطابات ائتمان” تكفل له سحب “قروض سلعية” بقيمة 4.7 مليار دولار. ومقابل هذه المساعدات والمعونات؛ تعهّد النظام السوري بمنح إيران “ضمانات سيادية”؛ تشمل مرافئ وموانئ وهكتارات زراعية وعقارات، وعدة مشاريع استثمارية، وفي هذه المجالات تكمن الحصة الإيرانية من الموارد السورية.