أدب وفنون

عندما دخل وجهٌ في وجهٍ

اسمي يوسف، شاب عادي جدًا، يمكن أن تشاهدوني دونما اكتراث في الأسواق والشوارع. اعتُقلتُ مصادفة بسبب الاضطرابات التي تعم البلاد، مع أنني أحبّ الحكومة، بلا سبب مقنع، لكنها اعتقلتني.

تعرفتُ إليه في الزنزانة، من مدينة غير مدينتي، روحه ساحرة، كان جميلًا بشكلٍ لا يوصف، لا أظن أنني شاهدتُ في حياتي من يفوقه جمالًا، فهمتُ من السجناء أنه كان خطيرًا على الحكومة، وقد أتعب رجالها حتى اعتقلوه، كان لديه مليون سبب ليكره الحكومات كلها.

كلّ ليلة، كانوا يعذبونه أكثر من بقية السجناء، وعندما يرمونه إلى الزنزانة، يجلس ليسخر منهم بأن يقلدهم بشكلٍ كوميدي، ويضحِكنا على الرغم من أوجاعه ويدخن بشراهة. أحببته كثيرًا.

في تلك الليلة كان مستلقيًا جانبي، أرقته كثيرًا مخاوفه وليس أوجاع التعذيب، التفت إليّ وهمس بثقة: لا تقلق، سوف ترحل هذه الحكومة القذرة يومًا ما… وسوف نخرج من هنا إلى الحياة، لنلهو مع الصبايا ونعذب قلوبهن بجمالنا وكلمات غزلنا…

ضحكته الحلوة تشبه رضيعًا تستيقظ شقاوته صباحًا بدلال عذب.

في ليلته الأخيرة، عذبوه بوحشية ثمّ رموه إلينا، كان ينزف بغزارة، انحنيتُ عليه، همس لي متألمًا:

– إن خرجتَ من هنا، أرجوك… اتصل بأخي الكبير، سلّم لي عليه، أخبره أنني أعتذر منه لأنني خذلته، لم أكن أساعده كثيرًا في العمل بـدكان أبينا، كنتُ أستيقظ متأخرًا دائمًا، وألهو مع الصبايا، وأورطه في مواقف محرجة مع الأقارب والجيران، لطالما تحملني، ونهاية كلّ شهر كان يتقاسم معي أرباح الدكان وكأنني أعمل مثله، كنت أنوي -إن تزوجتُ- أن أسمي ابني على اسمه، حتى بهذه خذلته…

صارت دمعتي الصامتة على خدي مرآةً له، شاهد عليها للمرة الأخيرة وجهه الجميل.

مات، لم أحتمل، أجمل إنسان في العالم يموت مقتولًا في زنزانة بشعة؟ الشاب الوسيم الذي أضحكنا من أعماق قلوبنا جمع جراحه ومضى، فقدتُ عقلي.

صرتُ أهذي: مروان.. لا تمت يا مروان، أرجو …

التقطتُ وجهه ورفعته لألصقه بوجهي، صرختُ صرخة عظيمة وطويلة بجنون وأنا أضغط وجهه على وجهي.

اختلطتْ دماؤه بدموعي، لتتحول في العتمة إلى موسيقى ربابة تعزفها هذه الزنزانة الضيقة بوحشة، كانت صرختي دوامة عصفتْ بوجهينا الملتصقين بشدة. في تلك الليلة، سجناء الزنزانات كلها سمعوا صراخي وعويلي على الجثة.

انتزع السجناء وجهي من وجهه وجسدي من جثته بصعوبة.

بعد أيام، أطلقوا سراحي، فذهبتُ إلى الكراجات، لم أصعد الباص الذاهب إلى مدينتي، إنما صعدتُ الباص الذاهب إلى مدينة الأخ الكبير لذلك الميت الجميل.

وصلت إليها مساءً، أعرف عنوان الدكان، مشيتُ إليه وعندما وصلت دخلته.

شاهدني الأخ الكبير فأسرع سعيدًا من خلف الطاولة ليعانقني بحرارة.

– أعتذر منك، لطالما خذلتك.. ” قلتُ له بخجلٍ فأجابني وهو يلكم كتفي”.

ــ ولا تهتم، المهم أنك رجعت سالمًا لنا..

شابٌ جميل أنا، إن شاهدتموني مصادفة في الشوارع أو الأسواق سوف تشهقون، وتمعنون أنظاركم بي طويلًا… اسمي مروان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق