سلايدرقضايا المجتمع

الاكتئاب يطرق أبواب كثير من السوريين

يعاني الشاب ساري دحبور حالة اكتئاب متصاعد، مع غياب الأمل في تحسين الوضع الصحي الذي يُعانيه والوضع المعيشي الرديء الذي يعيشه، إضافة إلى تردي الأوضاع الأمنية في الشمال السوري، بعد أن هُجّر من الغوطة الشرقية، منذ قرابة سنة.

قال دحبور لـ (جيرون): “خلال الحرب في سورية، تعرضت لإصابة كبيرة أفقدتني البصر في عيني اليسرى بنسبة 80 بالمئة، ولم أتمكن حتى الآن من إجراء عملية لها، ولا مجال للخروج إلى تركيا للعلاج، لأن حالتي تعدّ من الحالات الباردة، وهذا يجعلني أشعر بالإحباط، فكلما تأخرت في العملية؛ زاد احتمال فقداني البصر بهذه العين”.

وتابع: “أشعر بالاكتئاب، بسبب عصابة تحكم وطننا، حرمتنا من أبسط حقوقنا، وباتت هذه الحقوق أحلامًا صعبة المنال، بسبب الظروف التي تمر بها سورية منذ ثماني سنوات”، واستطرد: “أنا شاب أبلغ من العمر 30 عامًا، من حقي أن أعيش في منزل، وأن يكون لي عائلة وعمل أقتات منه، لكن هذه الحقوق أصبحت أحلامًا”. وأضاف: “في الشمال السوري، لا توجد فرص للعمل، وإن توفرت فإن أرباب العمل والمحال سيستغلون حاجتي لأني مهجر من منطقتي”. وأضاف: “قد أتمكن من تحقيق ذلك، إذا سنحت لي فرصة الخروج من سورية، فقد تؤمن لي الغربة عملًا وحياة جديدة، فأبدأ بتأسيس نفسي من الصفر، وأحصل على بعض ما أتمناه خارج حدود وطني”.

ترجع أسباب انتشار الاكتئاب بين الشباب، في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة السورية، إلى قلة فرص العمل وانعدام الاستقرار وانفلات الأوضاع الأمنية والعسكرية، وجرائم الخطف المنتشرة في الشمال السوري التي تكون مقابل مبالغ مادية، إضافة إلى انتشار جرائم القتل لسلب المال، وهذه الأسباب تتضاعف كثيرًا في مناطق سيطرة النظام السوري.

في السياق ذاته، كانت لأم منار مواجهتها الخاصة مع الشعور بالاكتئاب، فهي امرأة من محافظة إدلب تعيش في منزل أهلها، مع بناتها الثلاث وابنها البالغ من العمر 15عامًا، بعد أن اعتقل النظام السوري زوجَها.

قصّت أم منار لـ (جيرون) معاناتها، وقالت: “أعيش أنا وأولادي بشق الأنفس، أحاول أن أحصل على مبلغ صغير من المنظمات، ولكن الأمر صعب، نأكل الخبز مع الكمون أو صلصة الفلفل في معظم الأوقات، يساعدني إخوتي الشبان بعض الأوقات بمبلغ صغير، ولكن ظروفهم لا تسمح لهم بإعالتي بشكل كامل”.

وعبّرت عن قلقها من الحاضر والمستقبل، فهي تعيش في وضع متذبذب، ولا تعرف كيف ستربي أولادها في ظل الظروف القاهرة؛ ما جعلها تشعر بالاكتئاب في كثيرٍ من الأوقات، وتقول: “هذا الاكتئاب لا يرافقني فحسب، بل يرافق كل من أعرف، فجميع النساء يعانين قلقًا مستمرًا، ولكل أسبابه، ولكن السبب الأكثر أهمية جهلنا بالمستقبل حتى القريب منه”.

الاكتئاب هو الحالة اللصيقة بالسوريين، بعد سنوات الحرب الثماني التي أتت على كل شيء، فهجرت كثيرين وسرقت حياة كثيرين، ولم يسلم منها لا حجر ولا بشر، فتحولت الحياة في سورية إلى كابوس.

الدكتور النفسي في (منظمة الصحة العالمية) نضال سعدون قال: إن الاكتئاب “هو مرض نفسي منتشر في كل دول العالم، وتزداد نسبته في النزوح واللجوء والتعرض للصدمات”، مشيرًا إلى أن الاكتئاب -بحسب منظمة الصحة العالمية- يُعدّ “المرض الأول في العالم”.

وشدد سعدون في حديثه إلى (جيرون) على أن “مرض الاكتئاب بشكل خاص، والأمراض النفسية بشكل عام، تنتشر في الشمال السوري؛ بسبب الأوضاع الإنسانية هناك، وهي تتمثل بعدم الاستقرار المعيشي وعدم الإحساس بالأمان”.

أكدت (منظمة الصحة العالمية) في دراسة لها عدم توفر أرقام رسمية، تخص أعداد المنتحرين في سورية بسبب الأمراض النفسية بعد الحرب؛ لأن المشافي لا تسجل السبب الحقيقي للانتحار، وكذلك لا يتم ذكر سبب الوفاة الحقيقي في شهادة الوفاة، وهذا يسبب عجزًا في توثيق أعداد المنتحرين.

وأكد سعدون أن “نسبة الأمراض النفسية في العالم تصل في العيادات إلى الثلث، ولكن هذه النسبة ترتفع إلى 40 بالمئة، وفي بعض البلدان الخاضعة للحرب قد تصل إلى 50 بالمئة، وفي هذه الحالة قد يحتاج المرضى النفسيون أو المصابون بالاكتئاب إلى استشارة نفسية وتدخل”.

قسم الطبيب السوري أعراض الاكتئاب قسمين: “الأول الأعراض الأساسية المتمثلة بالشعور بالحزن والتعب العام، وفقد المتعة بكل الأنشطة اليومية، والتوتر والعصبية، أما الأعراض الثانوية فهي اضطراب النوم واضطراب الشهية، إضافة إلى الإحساس بلوم الذات، وهناك أعراض جسدية كثيرة لمرضى الاكتئاب، غير مفسرة طبيًا، مثل الصداع الدائم وآلام الرقبة وآلام أسفل الظهر، إضافة إلى التفكير السوداوي الذي قد يؤدي بالمريض إلى التفكير بالانتحار”.

ولفت النظر إلى أن “المصاب بالاكتئاب قد يلجأ إلى تناول الكحول أو الحشيش أو الأدوية المهدئة، ولكن هذا الأمر قد يجعله يدخل في دوامة جديدة من المشكلات”. ونفى أن يكون مريض الاكتئاب عدوانيًا، وأكد أن “المكتئب شخص فاقد للطاقة ويحبذ الوحدة، غير أنه في بعض الحالات قد يصبح عدوانيًا تجاه نفسه، ويفكر بالانتحار، ولكن الوصول إلى الانتحار يكون بنسب قليلة”.

وبحسب الطبيب النفسي، فإن الاكتئاب “ينتشر بين الإناث ضعف انتشاره بين الذكور”، مشددًا على أن من أهم طرق علاج الاكتئاب الدعم الاجتماعي، سواء أكان الدعم من ذات الجنس أو من الجنس الآخر، فمن أهم الأمور بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالاكتئاب وجود حلقة اجتماعية تساعدهم في الخروج منه”.

ووفق (منظمة الصحة العالمية) يُعدّ الاكتئاب من الاضطرابات النفسية الشائعة، وأحد الأسباب الرئيسة للعجز في جميع أنحاء العالم، فعلى الصعيد العالمي، يعاني نحو 400 مليون شخص (من جميع الأعمار) الاكتئاب، ويتأثر عدد أكبر من النساء بالاكتئاب مقارنة بالرجال.

المصاب بالاكتئاب، وفق الطبيب النفسي، “يفقد الشعور بالمتعة والاهتمام، لذا لا يكون قادرًا على الدخول في علاقة حب أو زواج، ونظرًا إلى نظرته السلبية إلى الحياة، فإنه يُعرض عن الزواج، وقد تؤدي بعض حالات الاكتئاب إلى حالات انفصال بين الزوجين، بسبب شعور الشريك بأن الطرف الآخر غير مهتم، ولكن الأمر ليس صحيحًا، فالمكتئب يفقد الشعور بالمتعة بكل شيء حتى العلاقة الحميمية مع الشريك”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق