سلايدرقضايا المجتمع

“الإدارة الذاتية” تحتكر الإنترنت لفرض واقع سياسي

أصدرت “الإدارة العامة للاتصالات” التابعة لـ “الإدارة الذاتية الديمقراطية – إقليم الفرات” تعميمًا، حددت فيه أسماء أربع شركات خصتها بتقديم خدمات الإنترنت والاتصالات اللاسلكية. حمل التعميم الذي صدر بتاريخ 9 آذار/ مارس الجاري توقيعَي “فاطمة شيخ محمد” و”مصطفى عبده” عن إدارة الاتصالات هذه، وذُكرت في ديباجة التعميم الغاية من إصداره، وأن سبب حصره بهذه الشركات “تسهيل عمل الشركات العاملة في مجال الإنترنت، وتنظيم العمل ضمن مجال الإشارات اللاسلكية والترددات، ومنع التشويش”.

الشركات الأربع التي احتكرت تقديم خدمة الإنترنت، في مناطق الرقة والطبقة وتل أبيض ومنبج، الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، الواجهة السياسية والقانونية لميليشيا (قسد) التي تعمل بدورها تحت مظلة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، المتفرع عن حزب العمال الكردستاني التركي، هي (روكا نت) و(كوباني نت) و(نوروز نت) و(ميترو فورجي). هذه الشركات الأربع مملوكة لأشخاص أكراد من بلدة عين العرب/ كوباني حصرًا. الأمر الذي يُشير إلى وجود نية للسيطرة على قطاع الاتصالات في هذه المناطق واحتكاره، من حيث التزويد أو المردود الاقتصادي، أو من حيث المراقبة والضبط الأمني، بأكراد يُرجح أن يكونوا أعضاءً في الحزب المذكور، حسب تكهنات أطلقها ناشطون محليون.

التعميم، الذي سمى الشركات الأربع وحصرَ تقديم خدمات الاتصال بها، سمح -من حيث المبدأ- بإضافة شركة تزويد واحدة، إن دعت الضرورة في “الرقة والطبقة” و”شركة جديدة” في منبج، بعد “حصولها على الترخيص”. إلّا أن اللافت هو تفاوت أسعار الخدمات بين هذه المناطق. فقد حدد التعميم سعر الميغابايت الواحد بعشرين دولارًا للبيوت، وأربعة عشر دولارًا للفروع، أي مزودي خدمة الإنترنت، في كل من تل أبيض وعين العرب، لكن السعر يرتفع في كل من الرقة والطبقة، حيث يكون السعر ثلاثين دولارًا للبيوت، وعشرين دولارًا للمزودين، مقابل الميغابايت الواحد.

سبقت هذا التعميمَ إجراءاتٌ على الأرض، من قبل ميليشيا (قسد)، حيث عمدت إلى إخطار أصحاب محال الإنترنت الخاصة، سواء كانوا مزودين للبيوت أم أصحاب مقاهي نت، بإزالة أجهزة الاستقبال الفضائي، التي يستخدمونها بديلًا لمخدمات شركات الاتصال السورية، والراوترات، أي أجهزة البث والتوزيع على المستخدمين في الأحياء. كما بُدئ بتركيب كاميرات مراقبة في شوارع مدينة الرقة وأحيائها، بعد تصاعد أعمال المقاومة اليومية، وعجر الميليشيا المدعومة دوليًا عن إنهائها.

ويبدو أن تدابير (قسد) هذه تستهدف -من الناحية الاقتصادية- احتكار هذا القطاع المربح لتعزيز مواردها المالية، إضافة إلى التحكم في تدفق المعلومات من وإلى مناطق سيطرتها، الأمر الذي سبق أن فعله تنظيم (داعش) عندما حصر الاتصالات في مناطق سيطرته بمقاه إنترنت، يديرها موالون له، وتخضع لمراقبة مشددة من قبل جهازه الأمني.

هذه الخطوة تعكس أيضًا رغبة ميليشيا (قسد) في فرض الاستغناء عن شبكات الإنترنت التركية التي تغطي خدماتها معظم المناطق الحدودية، وشبكات الاتصال المحلية مثل “سيريتل” المملوكة لرامي مخلوف (ابن خال رأس النظام بشار الأسد) التي عادت خدماتها لتغطي الرقة، إلّا أنها مكلفة للغاية وبطيئة، حسب ما أفاد سكان من مدينة الرقة.

بموازاة ذلك، فإن الأوضاع في مناطق سيطرة ميليشيا (قسد) في شمال سورية شمالها الشرقي، تشهد حوادث أمنية بشكل يومي، وخاصة في مدينة الرقة وريفها القريب، في ما يبدو حركة مقاومة منظمة نسبيًا، ومتعددة الرؤوس. وتأخذ هذه الحركة شكلين رئيسين: تفجيرات تنتج عن عبوات ناسفة، وعمليات اغتيال عن قرب تستهدف عناصر ميليشيا (قسد) والمتعاملين المحليين، ومن ضمنهم مخاتير أحياء. وللحد من عمليات الاغتيال اليومية، أصدر المجلس المحلي، التابع لهذه الميليشيا في مدينة الرقة، قبل بضعة أيام، قرارًا بحظر دخول الدراجات النارية، التي يستخدمها مقاومون في تنفيذ عملياتهم، إلى داخل المدينة.

هذا القرار يضيف أعباءً إلى سكان الأرياف في محافظة الرقة بوجه خاص، حيث يحل استخدام الدراجات النارية جزءًا كبيرًا من مشكلات السكان في الحركة والتنقل، نظرًا إلى الحالة السيئة للطرق وانقطاع وسائل النقل العامة، نتيجة تحلل مؤسسات الدولة الخدمية في تلك المناطق. كما يوفر دخلًا إضافيًا للميليشيا من المخالفات التصاعدية التي تبدأ من حد أدنى قدره 25 ألف ليرة سورية.

بنظرة شاملة إلى أرض الواقع؛ تبدو إجراءات (قسد) متكاملة، وتهدف إلى أغراض أمنية واقتصادية تخصها، لكن استمرار تسلط هذه الميليشيا، على مناطق كبيرة من الأرض السورية، يُنذر بفرض وقائع سياسية قد لا تكون إزالتها أمرًا متاحًا في المستقبل.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق