كتب أستاذ التاريخ في الشرق الأوسط المعاصر جان بيير فيليو، في مدونته في صحيفة (لوموند) الفرنسية -وهو كاتب كلمات المغنية الفرنسية كاترين فينسان (التي غنت ضد الأسد ودافعت عن الثورة السورية بأغانيها الشهيرة) وأستاذ زائر في جامعات كولومبيا الأميركية في نيويورك وجورج تاون في واشنطن- منتقدًا تباطؤ القضاء الفرنسي، في ملاحقة الجاني الأول المسؤول عن مقتل الصحافي الفرنسي ريمي أوشليك، ويقصد رأسَ النظام السوري بشار الأسد، وقال: “لم يكن ريمي أوشليك أحد الصحافيين المصورين الأشهر في جيله فحسب، فالتقارير التي صدرت عنه، في هاييتي أو مصر أو ليبيا، لاقت استحسانًا كبيرًا من النقاد والمتابعين. وكانت أعماله مميزة على مستوى الصحافة العالمية، وكان لها صدى واسع، كما أنه كان أحد أولئك الصحافيين المميزين الذين آثروا مواصلة العمل في سورية. وقد قُتلَ في 22 شباط/ فبراير عام 2012، وهو في الثامنة والعشرين من عمره، إلى جانب الصحافية الأميركية ماري كولفين، في قصف نظام الأسد المتعمد لمركزهم الصحفي، في حي بابا عمرو في حمص، حيث نشاط وأعمال الثورة السورية، في مواجهة نظام الأسد القمعي. وقد أصيب الصحافيان: الفرنسية إديت بوفييه، والبريطاني بول كونروي. وقد وصف الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي هذا العمل بالاغتيال، وأكد أن من قاموا به سيحاسبون”.
القضاء الأميركي يعتبر الأسد مذنبًا بالولايات المتحدة
اتهمت كيت كولفين، شقيقة ماري الصغرى، نظامَ الأسد، بتعمد قصف المركز الصحفي، للقضاء على أي شهادة خارجية تدين انتهاكاته وتكشفها للعالم. واعتبرت مرارًا أن التفجير الذي استهدف المركز هو جزء من تصعيد العنف الحكومي ضد الصحافة، والعمل على ضرب الصحافيين والمواطنين، سواء كانوا من صفوف المعارضة السورية أو من المراسلين الأجانب. مثل جيل جاكييه مراسل (فرانس 2) الذي قُتل في كانون الثاني/ يناير 2012، في حمص أيضًا.
تلقت كيت كولفين الدعم والمساندة من (مركز العدالة والمساءلة) وهو منظمة غير حكومية مقرها كاليفورنيا، مهمتها ملاحقة الجناة الذين يعتقدون أنهم سيفلتون من العقاب، ورفعت كيت كولفين -وهي محامية أيضًا- دعوى قضائية في تموز/ يوليو 2016، ضد نظام الأسد، واتهمته بقتل شقيقتها ماري عمدًا، عن سابق إصرار وترصد، وفي المقابل دافع الأسد عن نفسه زاعمًا أن ماري دخلت الأراضي السورية “بشكل غير مشروع”، وأنها عملت مع “إرهابيين”، وأنها “تتحمل مسؤولية حماية نفسها وما حدث لها”.
تم البت في قضية كولفين، وإدانة الأسد بشكل واضح لا لبس فيه، في المحاكم الأميركية، بعد أن تم التأكد من صحة ملف يتكون من ألفي صفحة، تم فيه تحليل القذائف التي استهدفت المركز الصحفي في حي بابا عمرو، وتبين أنها تابعة لمدفعية قوات الأسد، إضافة إلى شهادة مطولة لعضو سابق في المخابرات السورية. روى فيها المطاردة الحقيقية لكولفين وأوشليك، وكذلك الاحتفالات التي أعقبت اغتيالهما في معسكر الأسد. وفي 31 كانون الثاني/ يناير 2019، توصل قاض فيدرالي في واشنطن إلى أن نظام الأسد مسؤول بشكل مباشر عن “الاغتيال المستهدف” ماري كولفين، وتم الحكم عليه بمبلغ 302.5 مليون دولار، يدفعها لعائلة الضحية.
حوافز للتأثير في الإجراءات القضائية الفرنسية
يتابع جان بيير فيليو القول: إن هذا الحكم التاريخي يساعد في إحياء التحقيق في الإجراءات القضائية الجارية في فرنسا، بشأن وفاة ريمي أوشليك، عبر المحكمة في باريس لقضية مفتوحة منذ أيلول/ سبتمبر 2012، مع توفر معلومات قضائية تثبت “القتل العمد”. ونقل هذا الإجراء القضائي إلى مجموعة “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية” بعد عامين من هذا الإثبات المتوقع في باريس، وهنا يدين فيليو عدم تسريع الإجراءات.
وفي آذار/ مارس 2018، دانت الصحافية أديت بوفييه، المتحدثة في مقر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في باريس، مرة أخرى، التفجيرَ الذي استهدف ريمي أوشليك، ووصفته بـ “العمل المدبر على أعلى مستوى في الدولة السورية”. وأضافت: “أنا بانتظار أن تتحمل فرنسا مسؤولياتها”.
هذا الصبر الطويل لعائلات وأقارب الضحايا، وأيضًا المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، لا يمكنه إلا أن يتكثف بعد الحكم المهم الذي أعلنته العدالة الأميركية في تلك القضية، وقد فتحت العدالة الفرنسية، بالتعاون مع العدالة الألمانية، في 12 شباط/ فبراير 2019. تحقيقًا بشأن “ارتكاب أعمال تعذيب وجرائم ضد الإنسانية، والتواطؤ في تلك الجرائم”، ضد ثلاثة أعضاء سابقين في المخابرات السورية، وتم اعتقال اثنين في ألمانيا والثالث في فرنسا، يشتبه بأنهم شاركوا في ارتكاب فظائع جماعية ضد مدنيين سوريين بين عامي 2011 و2013. ويستند هذا الإجراء غير المسبوق إلى مشروع “الولاية القضائية الدولية”. في كل من ألمانيا وفرنسا، في ما يتعلق بـ “الجرائم ضد الإنسانية”. ومن ثم فهي تختلف عن قضية أوشليك، حيث هيمنت عليها قضية مطالبة العدالة الفرنسية بملاحقة الجاني، بسبب الجنسية الفرنسية للضحية.
ويضيف فيليو: “بعيدًا من هذه الاعتبارات القانونية، فالحقيقة بعد سبع سنوات على قصف القوات الحكومية لحمص، أن العدالة ما تزال تنتظر أن تتحقق مع اختفاء ريمي أوشليك”. ليختم فيليو مقاله الذي هز الوجدان الفرنسي، بعبارة: “العدالة لريمي”.