يحتفي الشعب الفلسطيني، وكذلك شعوب العالم، بيوم الأرض في فلسطين، بتاريخ 30 آذار/ مارس من كل عام، ضمن عملية تأكيد موضوعية أن الأرض الفلسطينية لا بد من أن تعود إلى أهلها، وإن طال الزمن. لكن هذا اليوم العزيز على الشعب الفلسطيني والسوري أيضًا، بات له معنى آخر، بينما تنضم إليه مناسبات ونضالات سورية، من أجل الأرض السورية التي أضحت مهددة بالتشظي والتفتت، بسبب العدوان الأسدي المتواصل على الشعب السوري، منذ مطلع ثورة الحرية والكرامة حتى اليوم. ومع احتفال الشعب الفلسطيني بيوم الأرض في 30 آذار/ مارس، كان لا بد من التوجه إلى كتّاب وسياسيين سوريين وفلسطينيين، لنرى معهم ماهية الرابط بين هذا اليوم الفلسطيني وما يوازيه في واقع الأرض السورية المهددة، ضمن ظروف إقليمية ودولية لم تعد خافية، والرابط بين الثورتين الفلسطينية والسورية التي تلج عامها التاسع.
الباحث الفلسطيني والمنسق العام لـ (تجمع مصير) أيمن أبو هاشم قال لـ (جيرون): “يوم الأرض الفلسطينية، على الرغم من أنه يتعلق بتذكير العالم بسياسات الاقتلاع والمصادرة والتجريف والتهويد التي قام بها الاحتلال الصهيوني لانتزاع الأرض الفلسطينية من أصحابها، هو في معناه الكفاحي صرخة غضب لكل أرض تتعرض للعدوان والاحتلال والاستيلاء والتهجير، كما يفعل النظام الأسدي المجرم وحلفاؤه الطامعون”، وأكد أن “يوم الأرض الفلسطيني هو أيضًا يوم سوري، لأن التاريخ المشترك للأرض الفلسطينية والسورية تاريخ واحد، والمخاطر التي تهدد حقوق أصحاب الأرض الفلسطينية والسورية أيضًا واحدة، وقد أكدت الثورة السورية أن وحدة مصير الشعبين حقيقة موضوعية، لم تقلل منها الحدود وأشكال الاحتلال والسيطرة بين الوطنين السوري والفلسطيني، وإن خلاص الشعبين يعبّر عن علاقة جدلية حيّة، من مختلف الجوانب الراهنة والمستقبلية”.
الكاتب والسياسي السوري، رئيس حزب اليسار، منصور الأتاسي أكد لـ (جيرون) أن “أحد الأسباب الرئيسة، لمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة، الأنظمة المستبدة التي كان همها الأول المحافظة على عروشها مهملة القضية الوطنية، بل على العكس متحالفة في بعض الأحيان مع مغتصب الأراضي الفلسطينية، ولولا الاستبداد، وبخاصة في ما يسمى دول الطوق لخفت المعاناة كثيرًا عن الشعب الفلسطيني”، وأضاف: “يوم الأرض يرمز إلى تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وحقه في العودة، وهي متشابهة -بشكل أو بآخر- مع تطلع الشعب السوري للعودة لوطنه وتمسكه بحقه بالعودة عودة كريمة، بعد كل التضحيات التي قدمها. إن انتصار أي ثورة من ثورات الربيع العربي هو انتصار لباقي الثورات وانتصار للقضية الفلسطينية، فالشعب العربي شعب حالم بالتحرر والديمقراطية، وشعار أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب لن يتحقق، إلا إذا استطاعت الشعوب العربية أن تحكم نفسها بطريقة ديمقراطية، وأن تمارس سياساتها عن طريق ممثليها الحقيقيين. ولعل القضية الفلسطينية والثورة السورية فيهما تشابه كبير، حيث إن طول مدة الصراع والتهجير المنهجي والتدخلات الدولية، وتبعية الأطراف للخارج، أمورٌ ساهمت في عدم تحقيقهما لأهدافهما”.
من جهة ثانية، قال الكاتب السوري محمود الوهب: “لا شك في أن هناك ترابطًا كبيرًا بين قضيتي الشعبين الفلسطيني والسوري، إذ لا يمكن الفصل بينهما أبدًا. وإن عودة إلى التاريخ الحديث، تؤكد ذلك، فمنذ عشرينيات القرن الماضي وما تلاه، أي منذ أخذت الأحلام الصهيونية تجد تحقيقها على الأرض السورية الواحدة، مع اتفاقيات سايكس بيكو، وتقسيم تركة الرجل المريض. كان النضال بين الشعبين واحدًا، ضد النشاط الاستعماري الصهيوني، ومن أجل الاستقلال الوطني للشعبين. إذ لم ينظر الشعب السوري إلى القضية الفلسطينية إلا على أنها قضية وطنية وقومية بآن معًا. وكذلك وجد الإخوة الفلسطينيون في الشعب السوري ظهيرًا قويًا، لكن المشكلة اليوم هي في سيرورة الزمن العربي من عجز إلى آخر، ومن رداءة إلى أكثر. فإذا كان الثلاثين من آذار تعبيرًا عن الرفض الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، ولتجاوزه لقرارات الأمم المتحدة وقضمه الأراضي الفلسطينية، وبناء مستعمرات عليها، فإن الأمر في الشأن السوري اليوم، تجاه الجولان المحتلة واحد أيضًا، وها هو ذا الرئيس الأميركي يعترف اليوم بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل”.
وأضاف: “إذا كان الشعب الفلسطيني قد عانى الفرقة والتمزق وتباين المواقف والرؤية وتآمر الحاكم العربي عليه قبل الأجنبي، وتفريق وحدة صفه وكفاحه؛ فإن الوضع السوري ليس بأفضل. وتكمن المشكلة في الاستبداد وفي استعباد الحكام العرب لشعوبهم، فالعبد لا يمكن أن يكون قادرًا على التحرير، ما لم يحرر نفسه أولًا، ومن هنا عمق الثورتين السورية والفلسطينية وتلاقيهما، ففي الوقت الذي ترى فيه الصراع الفلسطيني بين (فتح) و(حماس). بين لهاث فتح وراء الوعود الإسرائيلية الكاذبة وبين معارك (حماس) الخلبية. تجد النظام السوري قد أخذ شعبه إلى معارك داخلية، بل إنه شنَّ حربًا على شعبه وساهم في استدعاء الإرهابين الداخلي والخارجي؛ ما جعل البلاد في ضعف وسوء حال، أعادته عقودًا إلى الوراء وجعلته نهبًا لتقاسم أرضه وثرواته. إن الصراع اليوم في منطقتنا العربية هو بين حاكم ومحكوم، بين جيل ثائر يعيش عمق الهزائم والتخلف، ويجد بلاده مهانة مقهورة، فيما يرى نفسه أسير قيود حكامه. إنما يتطلع إلى حل هذا التناقض بتحرير نفسه وقدراته أملًا في عودة الحق إلى نصابه. ولا تلازم بثورتي الشعبين السوري والفلسطيني فحسب، بل إنَّ التلازم قائم بين ثورات الربيع العربي الآتية، على حكام العرب أجمعين”.
الكاتب الفلسطيني أكرم عطوة أشار في حديثه إلى (جيرون) إلى أن “الإنسان العربي عمومًا، والإنسان الفلسطيني خصوصًا، لم يعد يرى فارقًا جوهريًا بين أرضه التي يحتلها ويتحكم فيها العدوُّ الصهيوني، وبين أرضه التي يحتلها ويتحكم فيها عميلُ للعدو الصهيوني. وربما يكون هذا الحاكم العميل -بما يمارسه من قمع وبطش- أسوأ من العدو ذاته. ومن هنا أقول، بكل ألم وحزن وبمناسبة يوم الأرض الفلسطيني: أنا -اللاجئ الفلسطيني السوري أكرم عطوة- أتمنى أن يُسمح لي بأن أعيش في مدينتي الفلسطينية صفد، وعلى أرض آبائي وأجدادي، وإن كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، فهذا أشرف وأفضل لي من العيش لاجئًا في أرض ودولة يحتلها ويتحكم فيها عملاء ومجرمون وفاسدون، وإن كانت أسماؤهم وملامحهم عربية”.
وأضاف: “في ذكرى يوم الأرض، أوجّه تحية إلى الصامدين في أرضهم، أهلنا عرب 48 في فلسطين المحتلة، وتحية إلى الصامدين في أرضهم عرب الجولان السوري المحتل، وتحية إلى المعذبين الصامدين على أرضهم من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي. وإلى كل من يعيش على هذه المساحة الكبيرة من الأرض التي يحتلها ويحكمها ويتحكم فيها مجرمون فاسدون وعملاء”.