سلايدرقضايا المجتمع

محطات في سيرة السياسي المفكر عبد الله هوشة

الحقيقة أن هناك الكثير الكثير مما يمكن كتابته، عن مناقب وشخصية المرحوم الرفيق عبد الله يوسف هوشة الذي تعود أصول عائلته إلى جزيرة أرواد على ساحل مدينة طرطوس.

تعرفتُ إلى المرحوم عبد الله هوشة (أبو يوسف) أواخر الستينيات، عندما كان الحزب الشيوعي يُنظّم رحلات رفاق وأصدقاء إلى رأس البسيط، تعرفت إليه وإلى زوجته المرحومة السيدة دعد مسرة، قبل زواجهما.

كان أبو يوسف عضوًا في الحزب الشيوعي السوري، وفي هيئة حزبية تابعة لفرعية الأحياء في مدينة اللاذقية في بداية السبعينيات، وكان قد حصل على ليسانس مكتبات من مصر، واستلم مدير المركز الثقافي في اللاذقية أواسط السبعينيات، ثم انتقل إلى جامعة تشرين قسم المكتبات، وبقي فيها حتى تمت ملاحقته أمنيًا، إبان الحملة الواسعة على الحزب عام 1980، وبقي يعمل بعيدًا عن أعين الأمن، مع رفاقه الذين لم تطلهم الاعتقالات، وبقي يقود مع رفاقه الآخرين مسيرة الحزب، طوال مرحلة الاعتقالات الشهيرة، مدة تزيد عن عشرين عامًا، قضاها بالخوف والملاحقة ومتابعة أحوال عائلات الرفاق المعتقلين، والاعتماد بشكل رئيسي على الرفيقات الناشطات أمثال المرحومتين أم يوسف وأم ماهر.

مسيرة أبي يوسف في الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي:

تدرج أبو يوسف من “عضو فرقة” بعد الانقسام في الحزب، بعد بيان 3 نيسان/ أبريل عام 1972 الانقسامي، بفعل خالد بكداش ويوسف فيصل، لعدم تمكنهما من العمل في ظل الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، بعد المؤتمر الثالث للحزب الذي أرسى الديمقراطية بالحزب وانتخاب الهيئات، بدلًا من التعيين من القيادات الأعلى.

في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي المكتب السياسي في محافظة اللاذقية، أصبح أبو يوسف عضوًا في منطقية المحافظة، ثم أمينًا للمنطقية، وفي المؤتمر العام الخامس للحزب، انتُخب عضو مركزية.

اعتقلتُ في آذار 1980؛ على خلفية توزيع البيان الأول للتجمع الوطني الديمقراطي في مدينة اللاذقية وريفها، وبقيت قيد الاعتقال حتى أواخر عام 1991، إذ أفرج -بعفو رئاسي- عن غالبية المعتقلين السياسيين من كل الأطراف السياسية المعروفة، يمينية ويسارية، بدءًا بالإسلاميين وبعث العراق وبقية الأطراف السياسية، وبقيت العملية السياسية في حالة مخاض، حتى وفاة حافظ الأسد، في حزيران/ يونيو عام 2000 واستلام بشار رئيسًا بالتعديل الدستوري.

بعد أن أُفرج عن غالبية المعتقلين السياسيين، ومنهم رفاقنا في الحزب الشيوعي المكتب السياسي؛ بدأ نشاط الحزب يتطور ويعيد بناء تنظيمه من جديد، وخاصة في بداية المرحلة الجديدة من حكم بشار الأسد، حيث نشطت المنتديات والحراك السياسي من أجل التغيير الوطني الديمقراطي، وكان منتدى الأتاسي من أبرز المنتديات وأكثرها نشاطًا، وسمّيت تلك المرحلة بربيع دمشق، حيث أعلن في عام 2005 بيان إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي السلمي والتدريجي ورفض الاعتماد على الخارج، ووقع على البيان شخصيات وطنية مستقلة وأحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، واستقطب هذا الائتلاف غالبية الشارع السوري وقواه السياسية الفاعلة، وتوج ذلك النشاط بأول مؤتمر للمجلس الوطني لإعلان دمشق، في بداية 2007.

كان لأبي يوسف ورفاقه العاملين معه الدور المهم والبارز في استمرار مسيرة الحزب النضالية من أجل التغيير الوطني الديمقراطي في سورية، بمشاركة حلفاء الحزب في التجمع الوطني الديمقراطي وآخرين، ولعب أبو يوسف دورًا مهما في إرساء العلاقة وتعزيزها مع الحلفاء، وأخص بالذكر المرحوم جمال الأتاسي في مرحلة التخفي والملاحقة، بعد حملة الاعتقالات الواسعة في 1980 لغالبية كوادر الحزب، ولا ننسى الدور المهم الذي قام به في إعادة التنظيم إلى وضعه الملائم، كما ساهم بفاعلية كبيرة وملحوظة في التحضير للمؤتمر السادس للحزب، وفي صياغة وثائق المؤتمر التحضيرية (مشروع البرنامج السياسي والموضوعات والنظام الداخلي وتغيير اسم الحزب) وغيرها، وطرحت جميعها للحوار والنقاش العلني بالصحف المتاحة وبالندوات الخاصة، من أجل إغنائها ومشاركة من يرغب من الناشطين السياسيين والأحزاب الفاعلة بالساحة الوطنية السورية.

استمرت مناقشة مشاريع وثائق المؤتمر أكثر من عام، ولاقت هذه التجربة استحسان ورضا غالبية القوى السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة، وكان لأبي يوسف وقيادة الحزب دور مهم ونوعي في إيصال خط الحزب ونهجه الوطني، إلى أوسع شرائح المجتمع السوري، وتم ذلك بهمة وتصميم كوادر الحزب.

في عام 2005، عُقد المؤتمر السادس للحزب بكوادره وأعضائه المنتخبين بحرية تامة ومن دون تدخلات، وناقش المجتمعون الوثائق المطروحة وتغيير اسم الحزب، وانتهى المؤتمر -بعد مناقشة طويلة بحضور ضيوف وطنيين مستقلين- بتصديق الوثائق، وتغيير اسم الحزب من الحزب الشيوعي المكتب السياسي إلى حزب الشعب الديمقراطي السوري، وجرى انتخاب اللجنة المركزية الجديدة، ولجنة مراقبة وتحكيم ومالية وغيرها.

انتهى المؤتمر بنجاح، وكانت وثائقه تاريخية ومهمة، وأهمها التخلي عن المرجعية الأيديولوجية، واعتبار أن مرجعية الحزب هي الأفكار والمبادئ والقيم الإنسانية التي تنسجم مع تطور العصر وتخدم مصالحنا الوطنية. وفيما بعد انتخبت اللجنة المركزية مكتب أمانة مركزي، وانتُخب أبو يوسف أمينًا أول لحزب الشعب الديمقراطي السوري، وكان له دور مهم في إنجاح المؤتمر ونتائجه. وبعد إنجاز المؤتمر بنجاح وانتخاب هيئاته القيادية؛ انطلق الحزب بنجاح لممارسة مهامه الوطنية.

السمات الشخصية للراحل

تميز أبو يوسف بهدوئه وتواضعه وعلاقاته الواسعة بين النخب الوطنية والسياسية، في مرحلة التخفي والملاحقة، في معظم المحافظات السورية، وفي بداية الألفية الثانية، وبنشاطاته الملحوظة بعد رفع الحظر عن الرفاق العاملين بالخفاء، إذ وسّع الرفيق علاقاته وتواصله مع الرفاق والأصدقاء بشكل تدريجي وملحوظ لما بعد المؤتمر واستلامه أمانة الحزب، وبعد استقالته من الأمانة، عاد واستقر في مدينته اللاذقية بين عائلته وأصدقائه ومحبيه، ولم تنقطع علاقته بالحزب أو الرفاق، بل نشط في أوساط المثقفين من الشخصيات الوطنية والسياسية بالمدينة، وكان من أبرزهم في تقديم التحليلات والرؤى لمستقبل البلد، وكان يحضر لقاءات دورية سهرات أو جلسات مع أصحاب الاهتمام بالشأن العام، وكان الأبرز بين الحضور بالحديث والتحليل، وكان الجميع يستمعون باهتمام لآرائه ومناقشاته، وكان يحضر الندوات التي تقيمها لجنة إعلان دمشق بالمحافظة، وكان محط احترام وتقدير الجميع، لتحليلاته الموضوعية وتواضعه وهدوئه وبشاشة وجهه، كما أنه كان صادقًا وفيًا محبًا وخدومًا قدر المستطاع، وظل محافظًا على حضوره المميز في الساحة السياسية بالمحافظة وخارجها حتى داهمه المرض وتوفي، فكان رحيله خسارة وطنية لا تُنسى.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق