أثبتت اتفاقات المصالحة المحلية في سورية، وكانت تهدف إلى تجنب العنف المتصاعد، أنها توفر الحماية على المدى القصير فقط. بلا شك، أثّر الهجوم الحكومي المكثف لاستعادة الغوطة الشرقية في أوائل عام 2018، في قرارات المجتمعات الأخرى، بالاستسلام أو التفاوض، من خلال وسطاء جزئيين/ متحيزين، لتجنب الصراع الشامل في وقت لاحق.
مع عدم وجود حلفاء على الأرض؛ أُجبرت المعارضة على التفاوض مع النظام، من خلال محاورين محليين مشكوك في صدقيتهم، أو من خلال روسيا حليف الحكومة القوي. ولأن المجتمعات المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة تتأثر بالتسويات في درعا وشمال حمص، إذا لم توفر سببًا وجيهًا للتفاوض، سيكون الموقف النهائي الدامي أكثر احتمالًا من أي وقت مضى.
كانت (داعل) التي كانت تسيطر عليها الحكومة في السابق في محافظة درعا، والمجتمع المجاور لها الذي تسيطر عليه الحكومة (خربة غزالة)، ممتدتين على جانبي الطريق السريع المحاصر: M5 -وهو الطريق السريع الرئيس الذي يربط الأردن بالجانب الغربي من سورية ويمرّ عبر المدن الرئيسة إلى حلب- منذ خمس سنوات تقريبًا.
مع تراجع القتال، برزت منطقة عبور بين الجانبين للسماح بالتجارة وحركة الأشخاص. لم يكن التعاون مشجعًا بالضرورة، لكن المعبر أجبر الجانبين على التواصل والتنسيق. إن الوصول عبر هذا المعبر يعني أن الاتصالات المباشرة مع النظام كانت ممكنة من دون تدخل خارجي. إن عدم مشاركة الجهات الخارجية الفاعلة (مثل روسيا والأمم المتحدة.. إلخ) في المفاوضات سيكون كبداية للأشياء المقبلة في عام 2018.
عندما شنت الحكومة هجومًا وحشيًا على درعا، في حزيران/ يونيو 2018، شكلت المعارضة هيئة للتفاوض مع النظام، من خلال وسطاء روس. ومع اكتساب المفاوضات زخمًا، كانت داعل من أوائل المناطق التي وقّعت بهدوء على اتفاق مصالحة مع الحكومة. بحلول 29 حزيران/ يونيو، استولت القوات الموالية للحكومة على المدينة، من دون قتال يُذكر.
في البداية، بدا أن داعل نجت من أسوأ أعمال العنف. ومع ذلك، تمكنت جماعات المعارضة مثل (شباب السنة)، من خلال المفاوضات مع المحاورين الروس، في نهاية المطاف، من تأمين بعض الحكم الذاتي الأولي لمناطقهم (على سبيل المثال، درعا البلد وطفس وبصرى الشام). في مقابل موافقة مقاتلي المعارضة على الانضمام إلى (الفيلق الخامس) المشكل حديثًا تحت إشراف روسيا، لم يُسمح لقوات النظام والميليشيات الموالية له بالدخول إلى هذه المناطق، إلى أجل غير مسمى.
بعد عدة أشهر من المصالحة، من الواضح أن داعل والمجتمعات الجنوبية الأخرى لم تستفد من المفاوضات المباشرة مع النظام، حيث الاعتقالات والاحتجازات التعسفية شائعة. وقد وثق تقرير صادر عن مكتب توثيق شهداء درعا اعتقال 76 شخصًا، في كانون الأول/ ديسمبر2018 وحده، منهم مدنيون ومقاتلو المعارضة السابقون الذين وافقوا على المصالحة. ولم يشمل هذا الرقم المئات الذين قُبض عليهم بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية.
وردًا على الانتهاكات الصارخة المستمرة من قبل النظام، نمت مقاومة شعبية قامت بعمليات قتل انتقامية على مكاتب الاستخبارات وأعضاء لجنة المصالحة والجنود. يبدو أن مصير داعل يشير إلى أن المفاوضات مع الوسطاء الروس قد تكون أهون الشرّين. لكن التطورات في شمال حمص أثبتت عكس ذلك.
قبل شهرين فقط من الهجوم الحكومي على درعا والقنيطرة، انتهى الصراع بين المعارضة المسلحة والحكومة السورية في حمص الشمالية. تعامل الوسطاء الروس مع الكثير من المفاوضات، حيث تم اختيار أكثر من 30 ألف شخص لإجلائهم إلى شمال سورية، في أعقاب استيلاء الحكومة عليها. ومع ذلك اختار عشرات الآلاف البقاء في شمال حمص، منهم حوالي 2500 من مقاتلي المعارضة، من جيش التوحيد وغيره من الجماعات التابعة للجيش السوري الحر. كان أمام المقاتلين والرجال الذين تراوح أعمارهم بين 18 و42 عامًا، والذين بقوا في شمال حمص، ستة أشهر لتدقيق أسمائهم، من خلال سلسلة من عمليات التدقيق الأمني التي قامت بها الحكومة السورية، مقابل عدم القبض عليهم.
مثل شباب السنة، سُمح لمقاتلي جيش التوحيد -تحت إشراف روسي- بمواصلة توفير الأمن والحماية للمجتمعات بعد المصالحة. قامت الشرطة العسكرية الروسية، إلى جانب جماعات معارضة مثل جيش التوحيد، بدوريات مشتركة على الطريق السريع M5. ونتيجة الاعتراف الكامل بالخضوع؛ تم نشر مقاتلي جيش التوحيد الذين يعملون تحت قيادة قوات النمر والفيلق الخامس الذي أسسته روسيا، للقتال إلى جانب النظام في درعا، وفي الشرق، وفي شمال غرب سورية.
وعلى الرغم من تلبية المعارضة لجميع الشروط الواردة في اتفاقات المصالحة، سحب الروس حمايتهم في شمال حمص، تمامًا مع انقضاء مهلة الأشهر الستة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وبدأ الجيش الروسي تسليم المنطقة، باستثناء تلبيسة، للجيش السوري والقوات شبه العسكرية.
على الفور، بدأت المخابرات الجوية والأمن العسكري التابعين للحكومة، القبضَ على المنشقين المزعومين، ومنهم أطفال، ورجال في سن الخدمة العسكرية حاولوا تسوية أوضاعهم مع الحكومة، إضافة إلى القادة الكبار من جيش التوحيد الذين انضموا إلى الفيلق الخامس. في يوم الاثنين الماضي، 15 نيسان/ أبريل، أشارت التقارير إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على ثلاثة من بين 25 من النازحين العائدين إلى شمال حمص، في منطقة الحولة.
لم يعد لدى المناطق المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة سببٌ وجيه للثقة في أي من الضامنين المزعومين في الصراع السوري. وبدلًا من ذلك، أصبحت داعل وشمال حمص حكايات تحذر من التعاون المباشر مع النظام أو الروس. ومن دون وجود وسطاء موثوقين على الأرض للإشراف على ما يسمى عمليات المصالحة؛ سيكون الاستقرار واهيًا وسريعَ الزوال، وبناء السلام بعيد المنال. ليست المجتمعات التي تسيطر عليها المعارضة وحدها مَن تعلّم من هذه الحالات، بل كذلك اللاجئون الذين لا يُرجح أن يعودوا، ما دام النظام يواصل تخريب ضمانات الحماية بأقل قدر من الرعب والقلق من العالم الخارجي.
اسم المقالة الأصلي | The Aftershocks of Reconciliation in Syria: Reflections on the Past Year |
الكاتب | ناتاشا هول،Natasha Hall |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي،Atlantic Council، 17/4 |
رابط المقال | https://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/the-aftershocks-of-reconciliation-in-syria-reflections-on-the-past-year |
عدد الكلمات | 855 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
صورة الغلاف: علي حيدر، وزير شؤون المصالحة الوطنية في سورية، أثناء حديثه مع رويترز في مكتبه في دمشق، سورية، 19 آذار/ مارس 2018. رويترز/ عمر صناديقي