خلّفت الحرب التي شنّها النظام السوري على الشعب السوري منذ عام 2011، لأنه طالب بالحرية والديمقراطية، نتائج إنسانية مأسوية كبيرة على كبار السن -الذين هم في الأصل يحتاجون إلى رعاية وعناية صحية تتناسب مع أعمارهم وأمراضهم- فمن القصف والدمار، إلى الحصار والجوع، إلى التهجير، إلى اللجوء، إلى صعوبات التأقلم في مجتمعات لم يعرفوها من قبل.
يقول فرحان الرفاعي، لاجئ سوري يبلغ من العمر 85 عامًا يقيم في هولندا: “خسرتُ في هذه الحرب كل ما يمكنه أن يجعلني أواصل العيش.. فقدت ابني عام 2014 وهو سجين سياسي سابق أمضى ثماني سنوات في سجن صيدنايا، وخرج وهو مصاب بالسرطان الذي أنهكه تمامًا”، مضيفًا لـ (جيرون) أن “البيت الذي بنيته مع زوجتي بعرق جبيننا، دُمّر وصرنا فجأة بلا مأوى وبلا عمل، واضطررنا إلى السكن في بيت ابنتي، ولم يحتمل قلب زوجتي فقدان ابننا ثم فقدان البيت، فتوفيت بسكتة قلبية وتركتني وحدي مع الحسرة والفجيعة”، وعقّب: “ما يجعلني أستمر في العيش هو نعمة الصبر”.
وأضاف الرفاعي: “أصرّت ابنتي المقيمة في هولندا على سفري إليها، والعيش بالقرب منها، ولكن الحكومة الهولندية رفضت لمّ الشمل”، وتابع: “أمام إلحاح ابنتي اضطررت إلى تحمل مخاطر اللجوء، وأنا في هذا العمر، وكانت الرحلة بين تركيا واليونان على (موتور سيكل) سياحي، كلما تذكرت الرحلة تلك يخفق قلبي خوفًا”، وقال إنه اضطر إلى تسلق جبل، ونام في العراء، حتى استطاع الوصول إلى ابنته التي ترعاه وتهتم به.
في الموضوع ذاته، قال حسن الخيرات، لاجئ سوري مقيم في الأردن، لـ (جيرون): “إن من المفارقات التي يمكن أن تشهدها في الحالة السورية أن يقوم كبار السن الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام والمعاملة الحسنة بتشجيع الشباب للهجرة”، موضحًا أنه شجع أولاده “على السفر والهجرة إلى كندا”، وعقّب: “على الرغم من أن أولادي موجودون في كندا، وأنا وزوجتي ما زلنا في الأردن، فإننا سعداء لكونهم هناك”، وتابع: “على الرغم من بعد المسافة وحرماننا من مشاهدتهم، أصبحنا نعيش على الأمل في أن تفتح أمامهم سبل الحياة والعيش الكريم، لأننا فقدنا إمكانية العودة إلى بلدنا، ولو مؤقتًا”.
وأضاف: “المشكلة أن كبار السن، ممن لم يهاجروا إلى الدول الأوروبية وكندا وأميركا وغيرها من الدول، وهاجر أبناؤهم، باتوا يحتاجون إلى الدعم المالي الذي قد لا يأتيهم من أبنائهم، كون المعونة التي يتلقاها أبناؤهم بالكاد تكفيهم في تلك الدول”، وقال: “لذلك صرنا نسمع الاستغاثة من بعضهم، خاصة الذين ظروفهم سيئة، ولا يتلقون المساعدة من أبنائهم المهاجرين”.
ووصف الخيرات “التغريبة السورية” بأنها تشبه “التغريبة الفلسطينية التي تمت في القرن الماضي، إذ إن أكثر فئةٍ تأثرت في الحرب السورية هي فئة كبار السن، وقد تأثروا أكثر من تأثر الأطفال، لكون قابلية الأطفال للاندماج في أي مجتمع أسهل من الكبار في السن”، على حد قوله.
أما دلكش مرعي، وهو يقيم في سورية، فقال لـ (جيرون): “لعل الحالة الأكثر إيلامًا وبؤسًا في الوضع السوري، هي حالة المسنين والمعمرين، فمن بقي منهم داخل الوطن ظلّ وحيدًا يعاني الغربة وهو في بيته، بسبب هجرة أبنائه إلى الخارج”، وأضاف: “في قرية صغيرة لا يسكنها أكثر من مئة عائلة، تجد معظم هذه العائلات تتكون من أب وأم فقط، وهما في خريف العمر، لا معيل لهما، ولا يوجد من يخدمهما”.
وأشار إلى أنه “عندما تتحدث معهم، تجد دموعهم تنهمر بشكل لا إرادي، بسبب ما هم فيه”، معقّبًا: “من بين أصعب الأمور أن يُفني الأب والأم عمرهما في تنشئة أطفالهم وتعليمهم، وبعد كل ذلك يجدان أنفسهما وهما في خريف العمر وحيدين بلا معيل، ويعانيان ألم الفراق ووحشة الوحدة”.
في السياق ذاته، تقول شهناز النظامي، سيدة سورية مقيمة في ألمانيا: “في الحالات الاستثنائية كظروف الحروب والهجرات، يعاني كبار السنّ عدة مآس، مثل ضعف قدرة المسنين على الحركة والتنقل، فقدان الأبناء، هموم الفراق، قهر الحاجة والذل والحرمان، تقطع السبل وانعدام وصول المساعدات”.
وأضافت أن “الاغتراب وجع جديد، دخول عالم جديد يصعب على المسنّ أن يتكيف معه، فيعاني صعوبة الاندماج، وعدم القدرة على التكيّف في المجتمعات الجديدة، ويعيش بشرود دائم وشبه انفصال عن الواقع، على الحزن واستعادة ذكريات جميلة يزيد فقدها من حجم الألم وذكريات سيئة تلهب مشاعر القهر”، وتابعت أن شريحة كبار السن “من أكثر الشرائح التي تستحق الاهتمام، وعلينا الاهتمام بهؤلاء الأطفال الكبار”.