علمت (جيرون) من مصادر خاصة أن روسيا ستبدأ توريد المحروقات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر ميناء طرطوس، بعد توقيع اتفاقية استئجار الميناء، وأضافت المصادر أن “توريد المحروقات سيتم عن طريق ميناء طرطوس، وذلك بعد أن فشلت الجهود الروسية في إقناع (قوات سوريا الديمقراطية) بتوريد النفط بشكل منتظم للنظام”.
وكان يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء الروسي، قد صرّح بأن من المتوقع أن يوقع النظام مع الجانب الروسي اتفاقية لتأجير ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا، وذلك للاستخدام الاقتصادي والنقل، وذلك عقب لقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، الأسبوع الماضي، آملًا أن يتم التوقيع على الاتفاقية خلال أسبوع، بحسب ما نقلت (روسيا اليوم).
من جانب آخر، نفى وزير النقل في حكومة النظام علي حمود، في تصريح لصحيفة (الوطن) التابعة للنظام، اليوم الخميس، أن يكون العقد مع الجانب الروسي بخصوص ميناء طرطوس هو عقد تأجير، مؤكدًا أنه “عقد استثماري، وفق نظام التشاركيه بين القطاع العام والخاص، وتم توقيعه مع شركة (ستروي ترانس غاز) الروسية الخاصة”.

هل تعد هذه الاتفاقية قانونية؟
حول قانونية هذه الاتفاقية، قال الدكتور نزار أيوب، مدير وحدة الدراسات القانونية في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في حديث إلى (جيرون): “هذه الاتفاقية تعدّ شرعية باعتبار نظام الأسد معترَف به دوليًا من الناحية الشكلية”، لكنه أوضح أنه “يمكن القول بأن الأسد لا يمتلك الاستقلالية وحرية الارادة في اتخاذ القرارات، وأي اتفاقية أو معاهدة يجب أن تخضع لعدة معايير لتكون صحيحة، منها مبدأ حرية الإرادة، وحسن النيّة”.
وأضاف: “في الواقع السوري اليوم، البلد مقسم إلى ثلاثة كيانات سياسية، فضلًا عن منطقة الجولان المحتل، ما يجعل النظامَ ضعيفًا وقابلًا للابتزاز لعقد الاتفاقات مكرهًا”، كما أن “البلد يشهد حالة حرب، ولا تتوفر شروط عقد الاتفاقات”، وعدّ أن “هذه الاتفاقية انتهاك واضح لمبدأ تقرير المصير للشعب السوري، والمساواة والسيادة على أرضه، حيث إن نظام الأسد ضعيف وقابل للابتزاز مقابل البقاء على كرسيه، أو أن يفلت من العقاب”.
وحول التبعات القانونية لهذه الاتفاقية مستقبلًا وإمكانية نقضها، قال أيوب: “ستكون أي حكومة قادمة في سورية ملزمة بهذه الاتفاقية، إلا أذا تم إثبات أن هذه الاتفاقية تخالف إحدى قواعد الدستور السوري، أو جرى هناك إكراه أو إفساد لممثل الدولة من أجل توقيع هذه الاتفاقية”، ولفت إلى أنه “يمكن استخدام الصور المهينة لبشار الأسد التي نشرتها وسائل إعلام روسية، كدليل على حالة الإكراه، ويجوز الطعن بهذه الاتفاقية”.
الانعاكاسات السياسية لاتفاقية طرطوس
تأتي الخطوة الروسية، بعد زيارة وفد روسي من وزارة الخارجية والدفاع إلى الرياض، ثم إلى دمشق، حيث جاءت الزيارة محاولة روسية لإعادة العلاقات بين الرياض ودمشق، ويبدو أنها باءت بالفشل، كما تزامنت مع تشديد العقوبات الأميركية وإغلاق قناة السويس من الجانب المصري في وجه ناقلات النفط الإيرانية المتجهة للنظام؛ ما خلّف أزمة محروقات حادة في مناطق سيطرة النظام.
الدكتور محمود الحمزة، الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي، قال لـ (جيرون): “تأتي الخطوة الروسية بدايةً خشية من مزيد من التمدد الإيراني في الساحل، وتريد أن تكون مهيمنة عسكريًا في الساحل السوري”، مضيفًا أن “روسيا تريد فتح نافذة مدنية للشركات الروسية للمساهمة في إعادة الإعمار في الفترة المقبلة، من خلال الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وعلى النظام السوري، حيث يمكن لأي سفينة من العالم الوقوف في ميناء طرطوس، باعتبار أن العلم الروسي مرفوع هناك، وهي محاولة أيضًا لفتح نافذة للنظام على العالم”.

روسيا ليست وحدها في طرطوس
نشرت مجلة (نيوز ويك) تقريرًا لها، أول أمس الثلاثاء، قالت فيه، بحسب ما ترجمت (جيرون) إن “روسيا تريد -بالتعاون مع الصين- الاستيلاء على ميناء طروس، من أجل الحفاظ على وجود عند مفترق الطرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، والاستفادة تجاريًا من هذا الميناء”، كما أشارت صحيفة (آسيا تايمز) إلى أن “وزير النقل السوري علي حمود اجتمع مع سفير الصين في دمشق فنغ بياو، في وقت سابق من الشهر الحالي، وبحثا سبل تعزيز الوجود الصيني على الساحل السوري”.
وكانت صحيفة (الشرق الأوسط) قد ذكرت، بداية الشهر الحالي، أن “إيران وسورية وقعتا اتفاقية تتضمن منح شركة إيرانية حقوق تشغيل ميناء اللاذقية، بدلًا من شركة فرنسية كانت تعمل سابقًا في الميناء، على أن يتم البدء بتنفيذ الاتفاق بداية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل”.
واستولت روسيا على مطار (حميميم) قرب مدينة اللاذقية، وحولته إلى قاعدة عسكرية لها منذ عام 2015، وقد شهد المطار زيارات عدد من المسؤولين الروس، على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير دفاعه، إضافة إلى أنها تمتلك قاعدة بحرية، قرب مدينة طرطوس على سواحل البحر المتوسط.
ما هي التبعات الاقتصادية لتأجير الميناء؟
الدكتور عمر المحمد، الأكاديمي والخبير في مجال الاقتصاد وإدارة الاعمال، قال لـ (جيرون): “حتى الآن، لم يُعلن رسميًا عن شكل العقد النهائي: هل هو استئجار أم استثمار أم تشغيل لميناء طرطوس بالشراكة مع الجانب الروسي، طبعًا في حال كونه تأجيرًا، فإن هذا يعني أن الجانب السوري لن يستفيد منه، وهذا شكل من أشكال الهيمنة الروسية على الموارد السورية، إضافة إلى الاستغناء عن أكثر من سبعين بالمئة من العمالة الموجودة حاليًا، عبر إحالتهم إلى التقاعد المبكر أو نقلهم إلى شركات القطاع العام”.
أضاف المحمد: “سيتفرد الجانب الروسي بإدارة الميناء، بالطريقة التي يراها مناسبة، أما في حال كونه عقد استثمار لشراكة في إدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس، وفق نظام عقود التشاركية بين القطاع العام والخاص المعمول به في سورية سابقًا، فإن ذلك يعود لبنود العقد والنسب المكتوبة التي ستحدد إن كان عقدًا عادلًا أم أن هناك استفادة لطرف على حساب الآخر، ولن يسهم العقد المبرم -مهما كان شكله- في التخفيف من الحصار الاقتصادي المفروض من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، لأن روسيا نفسها تخضع للعقوبات الأميركية”.
ينتظر الجميع الكشف عن طبيعة الاتفاقية الموقعة، وسط محاولات من النظام التخفيف من الحديث عن تبعات هذه الخطوة، داعيًا حاضنته لعدم تصديق ما يقال عن بيع للميناء أو التخلي عنه، مقابل الحفاظ على وجوده والتخفيف من أزماته المتفاقمة.