ربما تكون التظاهرات الشعبية المستمرة في الجزائر، التي أطاحت نظامَ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الديناميات السياسية الأكثر أهمية في العالم العربي اليوم. إن رحيل النظام القديم، الذي لم يكتمل حتى اليوم، في أكبر دولة في العالم العربي وفي أفريقيا، مهم للمصالح الأميركية في كل من العالم العربي وأفريقيا. اتسمت علاقة الولايات المتحدة مع الجزائريين بالتعقيد في العصر الحديث. ولسوء الحظ، من غير المرجح أن تكون إدارة ترامب عاملًا مفيدًا، في سعي الجزائر للإصلاح السياسي.
خاضت الولايات المتحدة واحدة من أولى حروبها الخارجية ضد الجزائر، خلال إدارة جيمس ماديسون [الرئيس الرابع للولايات المتحدة من 1809 إلى 1817] لمنع القرصنة البربرية. بعد أن قام الفرنسيون بغزو البلاد واستعمارها، فقد الأميركيون اهتمامهم إلى حد كبير بالمنطقة. أولى فرانكلين روزفلت المزيد من الأهمية للوضع عام 1942، عندما قامت القوات الأميركية بتحرير الجزائر من نظام فيشي الفرنسي المتحالف مع ألمانيا النازية. مرّ عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين عبر الجزائر ووهران للقتال في إيطاليا، ومنهم والدي. ساعدت هزيمة فيشي بشكل غير مباشر في تشجيع الحركة القومية العربية في الجزائر.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وافقت واشنطن على عودة الاستعمار الفرنسي. عندما أصبحت فرنسا عضوًا في ميثاق حلف شمال الأطلسي، وافق الحلف على مطالب باريس بمعاملة الجزائر كجزء من البلد الأم [فرنسا] وليس كمستعمرة مثل تونس أو مالي. ووافقت إدارتا ترومان وأيزنهاور على الحجّة الفرنسية التي تقول إنه بسبب استيطان ما يقرب من مليون أوروبي في الجزائر، فهي جزء دائم من الدولة الفرنسية. ثارت حركة استقلال عنيفة ضد فرنسا في الخمسينيات من القرن الماضي، وكان بوتفليقة أحد قادتها.
كان السيناتور جون كينيدي أول شخصية سياسية أميركية تبتعد من فرنسا، وتؤيد استقلال الجزائر خلال حربها الطويلة من أجل الحرية. في 3 تموز/ يوليو 1957، طالب كينيدي علنًا الولايات المتحدة بدعم استقلال الجزائر ومعارضة استمرار الحرب الفرنسية ضدها. كان الخطاب، وهو أول خطاب مهم له في السياسة الخارجية، بعنوان “الإمبريالية، عدو الحرية”. لقد كان الخطاب لحظة رائعة بالنسبة إلى كينيدي، حيث أعلنه كمحارب تقدمي تمامًا على علاقة بما كان يسمى آنذاك “العالم الثالث” أكثر من أيزنهاور. لا يزال الجزائريون يتذكرون خطاب كينيدي.
بعد أن أصبح رئيسًا عام 1961، سعى كينيدي لدعم تحركات شارل ديغول لمنح الجزائر الاستقلال في مواجهة مقاومة شرسة من المستوطنين والمعاندين في الجيش الفرنسي. في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية، رحّب كينيدي بأول رئيس وزراء جزائري يقوم بزيارة رسمية إلى البيت الأبيض.
إبان الحرب الباردة، كانت الجزائر في المعسكر السوفيتي، لكنها حافظت على علاقة عمل مع واشنطن. في عام 1980، نجحت الجزائر في التوسط في نهاية أزمة الرهائن الإيرانيين. كان الرئيس كارتر ممتنًا كثيرًا للجزائريين، لفضلهم في المساعدة في إعادة الأميركيين من طهران.
عام 1992، بعد الانتخابات التي أوصلت حكومة إسلامية إلى حافة السلطة، استولى الجيش على السلطة وأسس لعهد من القمع. وقفت إدارة جورج دبليو الأب تمامًا مع الجيش، بتشجيع من السعوديين وغيرهم من الرجعيين في المنطقة. كانت إدارة بوش الأولى على علاقة وثيقة جدًا مع آل سعود، وخاصة بحلول عام 1992 بعد عاصفة الصحراء.
عندما وصل بوتفليقة إلى السلطة عام 2000، رحّبت كلٌّ من إدارتي كلينتون وبوش بالتغيير وبتحركات بوتفليقة لإنهاء الحرب الأهلية الدامية التي أعقبت انقلاب الجيش. والتقى بيل كلينتون مع بوتفليقة في الرباط أثناء جنازة الملك حسن، واستقبله جورج بوش في البيت الأبيض. بعد 11 أيلول/ سبتمبر، قدمت الجزائر معلومات استخبارية ممتازة عن تنظيم القاعدة.
راوغت إدارة أوباما ولم تفصح عن موقف بينما أصبح نظام بوتفليقة دولة بوليسية ضيقة بشكل متزايد، يديرها تحالف من الجنرالات والأوليغارشيين، يطلق عليهم النظام/ السلطة. بعد أن أُصيب بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، قام فريق أوباما بالتخطيط الهادئ للتعامل الطارئ مع رحيله، لكن النظام في الجزائر فضّل أن يكون رأسه عاجزًا على الاضطراب المحتمل من إزاحته.
للولايات المتحدة مصلحة في تحول مستقر وغير عنيف في الجزائر نحو حكومة أكثر انفتاحًا وشفافية وذات قاعدة شعبية واسعة. إن استمرار الدول البوليسية إلى الأبد في العالم العربي هو وصفة لمزيد من الإرهاب والمتطرفين. كدولة عربية رئيسة لديها احتياطيات النفط والغاز، يمكن أن تصبح جزائر ديمقراطية رمزًا قويًا للإصلاح والانتخابات الحرة. وهذا هو بالضبط سبب ذعر الدول الرجعية.
لسوء الحظ، فإن إدارة ترامب مضمونة التعامل لصالح المستبدين والممالك المطلقة. سيشجّع السعوديون والمصريون الإدارة على الوقوف مع الجيش وحكم القلّة. وبالفعل أقنعوا الرئيس ترامب بدعم حركة الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، التي تقع على الحدود مع الجزائر، وهم يحاولون الآن دعم الجيش في السودان ورفع معنوياته.
يجب على الولايات المتحدة أن تحذو حذو جون كيندي، وأن تضع ثقلها الرسمي وراء التغيير في الجزائر. إن الرجعيين مهزومون اليوم في الجزائر، وقد تم إلقاء القبض على العديد من الأوليغارشيين، والاحتجاجات في الشارع لم تتوقف بعد. سيكون الطريق صعبًا أمام حركة الإصلاح، وينبغي أن يكون دور أميركا هو أن تكون معها.
اسم المقالة الأصلي | Algeria and America: A complicated past, an uncertain future |
الكاتب | بروس ريدل،Bruce Riedel |
مكان النشر وتاريخه | بروكينغز،Brookings، 25/4 |
رابط المقالة | https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/04/25/algeria-and-america-a-complicated-past-an-uncertain-future/?utm_campaign=Brookings%20Brief&utm_source=hs_email&utm_medium=email&utm_content=72134894
|
عدد الكلمات | 730 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |