ترجماتسلايدر

حيث حكمت (داعش) في سورية، يسود الخوف والشك

خسرت الدولة الإسلامية (داعش) سيطرتها على شرق سورية، لكني خلال زيارة لتلك المناطق وجدتُ المدن في حالة من الفوضى، غير متيقنة من المستقبل، حيث ما زالت الدولة الإسلامية (داعش) تشن هجمات قاتلة.

المدن والبلدات في جميع أنحاء شرق سورية غارقة بين الركام. وتقوم الميليشيات التي قاتلت الدولة الإسلامية (داعش) بحفر أنفاق تحضيرًا لمعركة محتملة ضد تركيا، وقد أسفر انفجار وقع مؤخرًا في مدينة الرقة عن مقتل تسعة أشخاص.

تم الترحيب بطرد الدولة الإسلامية (داعش) من آخر قطعة أرض في سورية، الشهر الماضي، باعتباره علامة فارقة في المعركة ضد أكثر المنظمات الإرهابية رعبًا في العالم، لكن المنطقة التي حكمتها ذات يوم لا تزال تعيش في حالة من الفوضى وعدم الأمان ومستقبلها غامض.

المجتمعات مدمرة بأكملها، مع القليل من المساعدة لإعادة البناء. هناك عدة سلطات -الحكومة السورية وتركيا وروسيا والميليشيات المدعومة من إيران- تأمل في ملء الفراغ الذي نتج عن هزيمة الجهاديين. لم تختفِ الدولة الإسلامية (داعش) حيث أظهرت التفجيرات التي أودت بحياة ما لا يقل عن 250 شخصًا في سريلانكا، الأسبوع الماضي، أن أيديولوجيتها ما زالت تتردد في جميع أنحاء العالم، وأن الآلاف من مقاتليها في سورية بدؤوا العمل سرًا لشن الهجمات والتخطيط لعودتهم.

وكما ذكر ألدار خليل، وهو مسؤول كبير في قوات سوريا الديمقراطية، الميليشيا التي يقودها الأكراد والتي دعمتها الولايات المتحدة لمحاربة الجهاديين: “نحن نتحدث عن منظمة سرية لا تزال تعمل، ولديها شبكة ووسائل اتصال وقيادة مركزية”.

يوم الاثنين، 29 نيسان/ إبريل، أصدرت الجماعة شريط فيديو لزعيمها المنطوي، أبو بكر البغدادي، يبدو فيه أنه يُعيد تأكيد قيادته على الجماعة.

تكافح الإدارة التي يقودها الأكراد من أجل السيطرة على المنطقة، التي تضم حوالي ثلث مساحة سورية شرق الفرات. لكن الولايات المتحدة، التي قادت التحالف العسكري لهزيمة الدولة الإسلامية (داعش)، لم تعترف حتى الآن بالإدارة المحلية، ولن تساعد في إعادة الإعمار.

بعد أن كسبت الحرب، تخاطر الولايات المتحدة بخسارة السلام.

لا تزال الولايات المتحدة هي الحامي الفعلي للمنطقة، حيث يُفترض أن قواتها البالغ عددها ألفي جندي هي المانع الوحيد الذي يعوق توغل القوات الروسية أو التركية أو الحكومية السورية.

لكن خطط إدارة ترامب لتلك القوات قد تقلّبت، من الانسحاب الكامل الذي أعلنه الرئيس فجأة في كانون الأول/ ديسمبر، إلى الخطة الحالية المتمثلة في تخفيض العدد لحدود النصف ورؤية نتائجها. أربك الغموض الحلفاء الأميركيين.

“المشكلة مع الأميركيين أنه ليس هناك وضوح”، كما قال السيد خليل، المسؤول المهم في (قسد). في الزيارات مؤخرًا لمجموعة من البلدات والمدن في شمال شرق سورية، وجدنا أن السكان الذين يسكنون المنطقة، بعد هزيمة الدولة الإسلامية (داعش) يغمرهم شعور بحالة من الأمن الهشة وعدم اليقين المحيّر حول مصير المنطقة المقبل.

الدولة الإسلامية، تحت الأرض

بعد خمس سنوات من القتال، لم تعد الدولة الإسلامية (داعش) التي كانت تحكم أراضي بمساحة بريطانيا، لكن الآلاف من مقاتليها يواصلون العمل في المنطقة، ويشنون الضربات عندما يستطيعون.

في الأشهر الأخيرة، قُتل قائد عسكري محلي في إحدى البلدات الحدودية، عندما انفجرت قنبلة في سيارته، كما قُتل زعيم قبلي في الرقة بالرصاص في الشارع، وقتل مسلح بالرصاص سبعة حراس حين كانوا نيامًا بالقرب من أحد الحواجز.

افترض شيرفان درويش، وهو عضو المجلس العسكري الذي يحكم مدينة منبج الآن، أن تنظيم الدولة الإسلامية وراء معظم الهجمات، ومنها ذلك الهجوم الانتحاري الذي تعرضت له سيارته. لكن كان هناك الكثير من الأعداء الآخرين -من الحكومة السورية إلى الميليشيات المتنافسة- بحيث أنه لم يكن متأكدًا من الجهة. وقال: “إنهم جميعًا يريدون تقويض الأمن في هذه المدينة. لكننا لا نعرف من فعل ذلك”.

تقول الولايات المتحدة إنها لا تزال ملتزمة بالهزيمة “الدائمة” للدولة الإسلامية (داعش)، لكنها لم تفعل سوى القليل لتشكيل المستقبل السياسي للأراضي التي كان يحكمها الجهاديون، حيث تدير المجالس المحلية المنطقة وتقدم الخدمات الأساسية.

قدمت الولايات المتحدة مساعدات لكنها لم تعترف رسميًا بالمجالس، بحجة أن أهدافها هي العمل من أجل حل سياسي للصراع وطرد إيران من سورية، وليس رسم معالم الحكم المحلي. يقول الحلفاء المحليون للولايات المتحدة إن هذا تركهم في مأزق سياسي.

يوجد الآن أكثر من 70 ألف امرأة وطفل كانوا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية (داعش) في ثلاثة معسكرات في شمال سورية. حوالي 10 آلاف منهم من الأجانب الذين لا تريد بلادهم إعادتهم، مما يحمّل الإدارة المحلية عبء الاهتمام بهم.

كما تحتجز الإدارة في سجونها 8 آلاف رجل متهمين بأنهم مقاتلون، منهم ألف أجنبي، الأمر الذي يثير مخاوف من أن فترة التوقيف في السجن قد تساعد الدولة الإسلامية (داعش) في إعادة بناء نفسها.

عبد الكريم عمر، وهو مسؤول محلي يحاول دائبًا إقناع الحكومات بإعادة مواطنيها، قال: “هناك الآلاف من المقاتلين وعائلاتهم في منطقة ليست مستقرة عسكريًا وسياسيًا. المجتمع الدولي لا يقوم بدوره”.

التحضير للمعركة القادمة

عبر مساحة من الأراضي القريبة من الحدود التركية، بالمعاول والرافعات والعربات يقوم الرجال بحفر مئات الأنفاق للتحضير لما يمكن أن يكون المعركة الكبرى القادمة. هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإرسال قوات تركية لطرد الميليشيات التي يعدّها جماعات إرهابية مناهضة لتركيا.

على طول الطرق الرئيسة المؤدية إلى منبج، وهي بلدة كبيرة بالقرب من الحدود التركية، هناك أنفاق جديدة كبيرة بما يكفي ليهرب المقاتلون في عمق الأرض كل بضع مئات من الأمتار. أصبحت كوباني، وهي بلدة ذات أغلبية كردية على الحدود التركية، متراسًا فعليًا، بأنفاق على طول طرقها الرئيسة، بالقرب من مقبرتها، وعلى مرأى من المواقع الحدودية التركية.

رفض مسؤولون من (قسد) التعليق على الأنفاق، لكن السيد درويش من مجلس منبج العسكري قال إنهم أُعدوا للدفاع في حالة وقوع هجمات في المستقبل. وقال: “كانت معركتنا الأخيرة مع داعش، أما معركتنا المقبلة فستكون مع دول، لذلك هذا جزء من خطتنا الدفاعية”.

طوال الحرب، راقبت تركيا بقلق كيف أصبحت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أميركا أقوى على طول حدودها. الفصيل الرئيسي في (قسد) هو ميليشيا كردية تدعى وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني، وهو حركة تمرد كردية خاضت تمردًا دام 30 عامًا ضد تركيا والتي تعدّها الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

تعهدت الحكومة السورية وداعموها الروس، باستعادة الأراضي بالقوة إذا لزم الأمر.

يقول الزعماء المحليون إنهم يفضلون الوصول إلى تسوية مع سورية، بدلًا من محاربة تركيا، لكن المفاوضات لم تؤد إلى أي نتيجة، وفقًا للسيدة إلهام أحمد، الرئيس المشترك في المحادثات.

تعقّدت جهود السلطة المحلية لرسم مستقبل سياسي، بسبب سياسات الولايات المتحدة غير الواضحة، والتي يمكن أن تُقلب بتغريدة غير متوقعة من السيد ترامب. وقالت السيدة أحمد: “لا ينبغي أن يكون بلد مثل أميركا هكذا. هذه التصريحات من الرئيس هي مفاجأة للجميع”.

أضرار طويلة الأمد

شهدت سنوات القتال مع الدولة الإسلامية (داعش) خسائر فادحة، حيث قُتل الآلاف من المقاتلين وعددًا غير معروف من المدنيين. تنتشر على الطرق والمفترقات علامات لإحياء ذكرى المقاتلين الذين سقطوا، وبعضها لوحات تحمل صور وجوه العشرات.

داخل مستشفى لإعادة التأهيل في كوباني، يعمل المختصون بالعلاج الطبيعي مع المقاتلين الجرحى. أحدهم ، الذي قدّم نفسه باسم سيوار كوباني، كان مربوطًا إلى منصة تدوّره نحو وضعية الوقوف. كان يقاتل في الرقة عندما أُصيب في ظهره بشظايا وشلّته من وسطه إلى أسفل. وقال “لقد مر عامان ولم تتحسن”.

وقال إن حوالي 200 شخص كان يعرف أنهم قتلوا في القتال، لكنها كانت تستحق التضحية. وأضاف: “لو لم نقاتلهم، فلن يكون هناك مستقبل أفضل لأطفالنا”.

لا يزال جزء كبير من الرقة، وهي أكبر مدينة في المنطقة، وكانت ذات يوم عاصمة للجهاديين، في حالة خراب. عادت الحياة إلى الشوارع، حيث أُعيد فتح المتاجر والمطاعم وقامت شرطة المرور بإبعاد السائقين الذين يسدون التقاطعات. لكن الأنقاض كبيرة جدًا، ولا يزال عدد لا يُحصى من المباني غير صالح للسكن.

في أحد الأحياء الذي لحقت به أضرار جسيمة، يحدّق محمد الحمود، وهو سمسار عقاري، من مكتبه على لوحة الدمار. منذ إعادة فتحه مكتبه قبل أسبوعين، كانت معظم الاستفسارات من سكان سابقين يسعون إلى بيع شققهم المدمرة. وقال إنه باع اثنتين، كلتاهما متضررتان بشدة لأناسٍ يخططون لإصلاحهم. وقال: “هناك طلب ضعيف لأن الأيام كانت قاسية على الناس، حرب ودمار وتهجير”.

لكنه كان واثقًا من أن الحيّ سيعود إلى الحياة، لذلك استأجر المكتب، نظّف بلاط الأرضية واشترى كراسي، حيث ينتظر الزبائن الذين من المؤكد أنهم سيأتون في النهاية. وقال: “إنها مجرد بداية”.

اسم المقال الأصليWhere ISIS Ruled in Syria, Fear and Uncertainty Reign
الكاتببن هبارد،Ben Hubbard
مكان النشر وتاريخهنيو يورك تايمز،The New York Times، 29/4
رابط المقالhttps://www.nytimes.com/2019/04/29/world/middleeast/isis-syria-kurds-islamic-state.html

 

عدد الكلمات1286
ترجمةوحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة

صورة الغلاف: ما يزال الكثير من الرقة، التي كانت ذات يوم مدينة يزيد عدد سكانها عن 200 ألف والعاصمة السابقة للدولة الإسلامية (داعش)، تحت الركام. عادت أربع عائلات فقط إلى هذا الحيّ منذ أن طُردت داعش قبل أكثر من عام. أيفور بريكيت لصحيفة نيو يورك تايمز

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق