اقتصادسلايدر

هل تكفي المهرجانات لتحقيق انتعاش اقتصادي؟

عشية افتتاح مهرجان ربيع حماة للتسوق، في 25 نيسان/ أبريل، وكان قد توقف مدة سبع سنوات، واختتام فعاليات معرض حلب الدولي -بنسخته الثانية- في السابع والعشرين من الشهر نفسه؛ تناوب مسؤولون سوريون في تعبيرات عن ارتياحهم لنقلة جديدة يشهدها الاقتصاد، وتؤكد -عبر رسائل للداخل والخارج- عودة التعافي، وبدء مسيرة الإعمار والتنمية، على الرغم من أن الحصار الاقتصادي الغربي الذي تتعرض له سورية بلغ ذروته هذا العام.

من المفترض، وفق تصريحات سابقة للنظام، أن يكون عام 2019 هو عام التعافي، لكن جانبًا من الحقيقة يؤكد أن كل ما تمخض عنه الجهد الرسمي في السنتين الأخيرتين -فترة هدوء الحرب- ليس سوى حركة إنتاج خجولة لمنشآت صناعية صغيرة، مدخلات إنتاجها غير مستقرة، وأنشطة تجارية خدمية أغلبها موسمي، إضافة إلى منافذ بيع مباشر لمنتجات محلية وصينية، تم تخفيض أسعارها لجذب اهتمام المستهلك، بعد أن تدنت قيمة الليرة أمام العملة الأجنبية، وفقد دخل الفرد قيمته الشرائية.

لا يبدو الضجيج الإعلامي الذي يرافق عادة افتتاح المعارض والمهرجانات، موازيًا لحجم مخرجاتها على أرض الواقع. تلك واحدة من الظواهر التي ما فتئت تعززها على الدوام أدبيات البعث، والخطط الإعلامية الموجهة، التي ترسلها قيادته القطرية لوسائل الإعلام، عند كل مناسبة، للالتزام بها والعمل بموجبها.

أحد الأمثلة، ما ورد في تقرير صحفي أعدته جريدة (تشرين) الحكومية، بعد افتتاح الدورة 59 لمعرض دمشق الدولي، ونسبت معلوماته إلى مصدر مسؤول، من أن حجم العقود التي تم توقيعها، خلال الأيام الأولى من المعرض، بلغ نحو 10 مليارات دولار أميركي، وهو رقم مبالغ فيه لدرجة الكذب، ليس لعدم وجود عقود جرى الإعلان عنها بشكل صريح فحسب، بل لعدم صلاحية الرقم الآنف، في ضوء الإمكانات المتاحة، والواقع الإنتاجي والتصديري الراهن.

قال أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق: “في أوج الحراك الاقتصادي عام 2010، بلغت قيمة الصادرات 7 مليارات دولار، فكيف بعد سبع سنوات حرب، وخلال عشرة أيام، استطاعت سورية توقيع عقود بقيمة 10 مليارات دولار؟ ما هي المنشآت التي ستنتجها؟ وأين توجد؟ وأين وسائل النقل التي ستنقلها؟”.

وتقلل التعليقات الموالية، من أهمية خطوات كهذه بالنسبة إلى اقتصاد منهار، لا يقوى على تأمين حاجات السكان الأساسية. ومن فعاليات لا تؤسس لما يجري الترويج له من حكايات متخيلة عن النمو والتنمية والتعافي، وقال (سعيد. ر) الذي حضر مع عائلته جانبًا من فعاليات مهرجان حماة وسط البلاد: “من حيث الشكل، شعرت أنني أتجول داخل سوق كبير، يعرض بضاعة من غير مشترين. لكن ما رأيته، هو أنشطة سياسية واجتماعية هادفة، أكثر منها تجارية موجهة لذوي الدخل الثابت”.

ينتمي سعيد، خريج كلية الحقوق ويعمل في المحاماة، إلى البعث، الحزب الذي يُحكم قبضته على البلاد منذ عام 1963، غير أن صلته الأيديولوجية بأفكار عفلق والحوراني والبيطار -الثلاثي الذي ارتبط نشوء البعث بأسمائهم- لا يعرف منها غير سردية سياسية مقتضبة، لصراع حزبي انتهى باغتيال الأخير في باريس، وموت الحوراني وعفلق لاجئين خارج حدود بلدهما. كما يعترف أنه وغيره الآلاف من أعضاء حزب البعث، لا تختزن ذاكرتهم السياسية غير صور الزعيم الخالد الأسد الأب (الذي أمسك بسلطة الحزب الواحد، وحكم سورية ثلاثة عقود عجاف) وصورة الأسد الابن الذي ورث السلطة في أعقاب وفاته عام 2000، وبشّر في أول خطاب -خطاب القسم- بإحلال نهج جديد، وحديث، لدولة تعاني من خلل وتكلس في جميع مفاصلها.

بقيت الأزمات الاقتصادية التي واجهتها سورية، منذ فترة حكم الأسد الأب، ماثلة في أذهان الجميع. فقد افتقر نهج التنمية المعمول به، إلى سياسات داعمة للطبقات الضعيفة والفقيرة، وإلى العدالة في توزيع الدخل. كانت أشبه بتنمية لا مستقبل لها، تنضوي في إطارها ستة أنواع من النمو، يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنها غير مجدية على الإطلاق، وهي نمو البطالة، الذي لا يولّد فرص عمل، والنمو المتوحش، الذي يسهم في تعميق عدم المساواة، والنمو الذي لا صوت له، أي الذي يحرم المجتمعات المحلية الأكثر تعرضًا للمخاطر من المشاركة، النمو الذي لا جذور له، الذي يرتكز على نماذج منقولة من مكان إلى آخر.

أما بالنسبة إلى فترة حكم الأسد الابن، فقد زاد النمو المتوحش من تغوله، خاصة بعد أن رسمت التحولات الاقتصادية “اقتصاد السوق الاجتماعي 2010/2005” ولاحقًا الصراع على السلطة 2019/2011، واقعًا بائسًا، أشبه بالصدمة، بحسب سعيد، فالبعث الذي ركز في بداياته على الاشتراكية، والعدالة المجتمعية، ومحاربة الدكتاتورية، لم يبق من أفكاره ونظرياته، سوى شعارات جوفاء تستثمرها قيادات الصف الأول والثاني للثراء وتكديس الثروات. تخلى البعث عن قواعده الفقيرة، وتحول إلى مجموعة قيادية منتفعة، تدعم زبائنية النظام تحت سقف مصالح مشتركة.

يضيف: أخجل كثيرًا من بعثيتي، وأنا أشاهد اليوم كغيري، بلدًا مهدمًا، وشعبًا جائعًا، يقف على شكل أنساق وطوابير طويلة، لاستلام أسطوانة غاز، أو ليتر بنزين، أو ربطة خبز. يعيش بلا كهرباء، وبلا مواصلات، وبلا خدمات. فيما تنعم شبكة رسمية كبيرة وقريبة من السلطة بالرفاه، بعد أن أثرت بشكل فاحش من خلال سيطرتها على السلع والخدمات.

بحسب المعهد الهولندي للعلاقات الدولية (كلينغندايل) الذي نشر تقريرًا حول ما يعتقد بأن سورية ستبدو عليه في العام 2019، فإن واحدًا من أربعة سيناريوهات محتملة يمكن أن يتحقق: سيادة سلام هش، صراع عالي الكثافة بعد انقلاب قصير يطيح ببشار الأسد، سيادة ظاهرة أمراء الحرب، أو صراع متجمد منخفض الكثافة.

إلا أن ستيفن ستار، صحفي إيرلندي عاش في سورية من العام 2007 إلى العام 2012، رأى أن أیًا من النتائج الأربعة لیس محتملًا، وتساءل: ما الذي ينبغي أن نتوقعه لسوریة إذًا؟ من المحتمل أن يكون العام 2019 أول عام كامل منذ 2010 الذي تختبر فيه سورية السلام على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن ما يتبقى، هو اقتصاد محطم مع القليل من الفرص الاقتصادية – الاجتماعية لسكانها المنهكين، وربما يجد البلد نفسه مدفوعًا أكثر على الطريق نحو وضع اقتصادي يائس، ومن دون ضخ جرعات كبيرة من النقد الأجنبي، فسوف يبقى البلد ذاهبًا إلى مزيد من الضنك والوهن.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق