ترجمات

اهتمام السعودية المفاجئ بالسودان لا يرتبط بالصداقة بل بالخوف

في الانتفاضة ضد عمر البشير في السودان، ترى العائلة المالكة السعودية نذيرًا برحيلها

في الأيام التي أعقبت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وبعد موافقة أنور السادات، الرئيس المصري على وقف لإطلاق النار ومعاهدة سلام لاحقة مع إسرائيل، واجه أسئلة في الداخل حول سبب تراجعه. وعندما سُئل عن سبب استسلامه، طُلب منه أن يقول إنه كان مستعدًا للمعركة مع إسرائيل وليس مع أميركا. في اليوم الثالث من الحرب، أذن الرئيس نيكسون بعملية نيكل غراس Nickel Grass، وهي عملية نقل جوي من الولايات المتحدة بهدف تجديد الخسائر العسكرية لإسرائيل حتى تلك المرحلة. في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1973، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن “السفراء الغربيين في القاهرة يؤكدون الاتهامات المصرية بأن الطائرات الأميركية تهبط بمعدات الحرب في سيناء”.

كان هناك شيء من السياسة الواقعية الساداتية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، في إدراك أن المملكة العربية السعودية ليست لديها نية للسماح لثورة السودان بتحقيق هدفها المتمثل في إبعاد الجيش نهائيًا وتنصيب حكومة مدنية. في المرحلة التي سبقت الثورة، كانت المملكة العربية السعودية قد أصبحت لا مبالية نسبيًا ومنهكة تجاه السودان، وهو بلد رأت فيه أنه جيد فقط لتزويدها بجثث، كوقود معارك لحربها في اليمن. عندما قام عمر البشير، الرئيس السوداني آنذاك، خوفًا من سقوطه، بالتسول من حلفائه في المنطقة، اعترضت المملكة العربية السعودية. لكن نقص الاهتمام هذا تبخر في اللحظة التي أصبح من الواضح أن هناك قوة حقيقية في شوارع السودان، بعد أن عُزل البشير.

لقد ولّت منذ زمن طويل، الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة الوسيط الرئيس في المنطقة. واتخذت المملكة العربية السعودية مكانها كقوة مؤثرة في الوضع الراهن. وكذلك ولّت الأيام التي كانت فيها فكرة المملكة العربية السعودية لتوسيع نطاق نفوذها تتمثل في تمويل واسع للمدارس والجماعات الدينية في جميع أنحاء العالم العربي وجنوب آسيا. لقد اضطلعت البلاد الآن بدور أكثر أهمية: إحباط التغيير السياسي كلّما أمكن ذلك.

في غضون أيام بعد طرد البشير، انفكت أحزمة حقائب المال السعودية. إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، وتعهدت بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد السوداني وبالتالي الحكومة العسكرية الانتقالية. رافق هذا التشجيع المفاجئ ظاهرة مثيرة للقلق وغير مسبوقة، وهي حملة دعائية أُطلقت في وسائل الإعلام السعودية أو المتعاطفة مع السعودية.

عرضت وكالة أنباء الخليج صورة عن الرئيس الحالي للمجلس العسكري الانتقالي قائلة إنه “أثناء الحرب في جنوب السودان ومنطقة دارفور، عمل في مناصب مهمة [كذا]، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أخلاقه المدنية وسلوكه المهني. “مدني” و”إدارة مهنية” ليست كلمات يستخدمها الكثيرون لوصف الحروب في دارفور وجنوب البلاد.

“يكمن خطر حدوث ثورة سودانية من منظار العائلة المالكة السعودية، بمعنى الاحتمال الذي تشير إليه”. أفراد العائلة المالكة السعودية وكبار الشخصيات. الصورة: رويترز

بدأت الافتتاحية بثناء مذعور على السودان، بكونه “واحدًا من أكثر بلدان أفريقيا والعالم العربي استراتيجية”، كما لو أن السعوديين قد أدركوا للتو حقيقة أن السودان لم يكن المكان المنعزل المطواع والمهمل والمتسول الذي كانوا يأملون أن يكونه. حاول أحد كبار وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي صياغة الاهتمام والغبطة المفاجئة تجاه السودان، كإجراء احترازي حكيم بعد اضطرابات الربيع العربي. وقال: “لقد شهدنا فوضى شاملة في المنطقة، وبصراحة، لا نريد المزيد منها”. لكن هذا المودة المُكتشفة حديثًا بالنسبة إلى السودان الاستراتيجي جدًا وقادته العسكريين أصحاب السلوك المدني، يرتبط أكثر بانعدام الأمن المتزايد للعائلة المالكة السعودية حول مصيرها أكثر مما تفعل للحفاظ على الاستقرار. يكمن خطر الثورة السودانية من منظارها، بمعنى الإمكانية التي تمثلها. إذا اعتاد السعوديون الاهتمام بتوسيع قوتهم الناعمة في جميع أنحاء العالم، من أجل طلب التحالفات ضد الأعداء الإقليميين مثل إيران أو قطر، فإن النزعة المغامرة في السياسة الخارجية السعودية العدوانية يمكن أن يُنظر لها في ضوء خوفها الشامل الوحيد: تغيير النظام.

على الرغم من متاعبها الاقتصادية في الداخل، ما تزال الحكومة السعودية ترى أن ثروتها السيادية، كخزان حرب ضخمة لا بد من الاستفادة منه حتى نهاية بقائها. وعلى الرغم من أن العائلة المالكة السعودية يبدو أن لديها احتكارًا تامًا للسلطة، وتقوم بإعدام المنشقين بناء على نزوة على أرض وطنية أو أجنبية، فقد أثبت السودان أن تغيير النظام نادرًا ما يتعلق بالتفاصيل الثانوية. لا يتعلق الأمر أبدًا بقوة السلاح التي يمكن أن تستخدمه المعارضة ضد الرئيس الحالي: إنها تتعلق بالإرادة الشعبية. لا يمكنك إعدام الجميع.

كانت إخفاقات الربيع العربي الكثيرة بمثابة نعمة أو هدية للأنظمة القائمة في الشرق الأوسط. كانت الحكمة الإقليمية التقليدية لمدة طويلة أن التغيير لا يأتي من الإرادة الطيبة. قلبَ السودان هذه السردية. الجيش والأسرة المالكة هما المؤسستان الوحيدتان اللتان يمكن السماح لهما بالحكم، وكما تقول الحجة: عندما يدخل المدنيون في المعركة يجلبون معهم الانزلاقات الأمنية والإرهاب وعدم الكفاءة. لكن الحكومات المدنية تنذر كذلك ببعض المضايقات: الديمقراطية الحقيقية والمساءلة وحرية التعبير. يتعيّن على المملكة العربية السعودية أن تمنع هذا، بدعوى السعي لتحقيق الاستقرار، مع تغيب الولايات المتحدة لكن مع تأييدها الضمني.

وهكذا يمكن للمتظاهرين السودانيين، الذين ما زالوا حازمين في مواجهتهم للحكومة الانتقالية وهم يطالبون بالحكم المدني، أن يشنون حربًا ضد البشير وبقايا نظامه الذين ما زالوا في السلطة. ولكن كيف يمكنهم مواجهة المملكة العربية السعودية وحلفائها الأقوياء في المنطقة، الذين يدعمون الحكومة؟ أصبح العبء على الثورة السودانية الآن أثقل، لكن الجائزة، إذا نجحت، هي هز عروش جميع المستبدين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

اسم المقالة الأصليSaudi Arabia’s sudden interest in Sudan is not about friendship. It is about fear
الكاتبنسرين مالك،Nesrine Malik
مكان النشر وتاريخهالغارديان،The guardian، 5/5
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2019/may/05/saudi-arabia-sudan-uprising-omar-al-bashir
عدد الكلمات844
ترجمةوحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة

صورة الغلاف: محتجون في الخرطوم يدعون إلى الحكم المدني. “ليس لدى المملكة العربية السعودية نية للسماح لثورة السودان بتحقيق هدفها المتمثل في إزالة الجيش وتنصيب حكومة مدنية”. الصورة: أوزان كوس/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق