تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

تعاليم في المذبحة بين إدلب وغزة

يندر أن نجد، في التاريخ الحديث، مثيلًا لنظام الأسد، وترابطه وتناغمه مع جرائم المحتلين في تل أبيب وموسكو وطهران، فقد انتزع بشكل عام وشامل أجساد السوريين وممتلكاتهم وتاريخهم، وانتزع كلّ ما تشير إليه قواميس الانحطاط والبربرية في إكمال الجريمة، التي لا يمكن حصرها في بقعة جغرافية واحدة في سورية، وعلى الطريق الوعرة والطويلة التي يسلكها الشعب السوري، نحو نيل حريته وكرامته، وهي طريق تبدو نهايتها المنظورة كبدايتها المثقلة بمغاطس الدم، حيث تعيّن على السوريين أن لا يحاربوا عدوًا واحدًا، كالذي يتفرد في تعاليم الإفناء والسطو والذبح لهم، فعلى الدوام كان ثمة أعداء وخصوم، قريبون وبعيدون.

ويحق للمؤرخين والكتّاب والمهتمين بثورة الشعب السوري، أن يؤرخوا لهذه الثورة، بمرحلة ما قبل الثورة وبعدها، ذلك أن الحقائق الجديدة التي أفرزتها بلغت من العمق والقوة والرسوخ، ما يمكن أن يميزها من ثورات سبقتها في العصر الحديث، لما تتعرض له من مذابح ومؤامرات، فهي من جهة مسّت عصب الأسدية وأبدها ووظيفتها، ووضعتها في مأزق تاريخي محتوم، ومن جهة أخرى مكّنت الشعبَ السوري من متابعة دوره في تعرية وفضح حجم التآمر الذي يتعرض له، وعلى هذا الأساس يتابع مؤرخ المذبحة السورية ما تتعرض له مدن الشمال السوري.

في أرياف إدلب وحماة، مع تصعيد إقليمي على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية، يجري تسخين للوضع الميداني في قطاع غزة، بمزيد من سلسلة الاعتداءات المترافقة والمتوازية مع استئناف الطائرات الروسية والأسدية، ضرب البراميل والصواريخ المتفجرة على إدلب، حيث يغطي الأول على الثاني وبالعكس. وبغض النظر عن التفسيرات الروسية أو الإيرانية، مع تفسيرات أبواق الممانعة، للصراع الدائر في قطاع غزة، أو التي تقدم تحليلات عن العدوان على إدلب، بغية التعتيم على المذابح التي يرتكبها “أبطالها” في تل أبيب وقصر المهاجرين، ولتزوير الحقائق وتضليل الرأي العام. ومهما اختلف جهابذة الممانعة في تعريف عدوان موسكو والأسد على الشعب السوري، بحثًا عمّا يمكنهم من تخفيف صورته الملطخة بدماء ملايين الضحايا، وهربًا من تحمل المسؤوليات، فإنهم يجدون في العدوان على غزة ملجأ لرمي كل العجز الأخلاقي والإنساني، عن مواجهة الجزار في دمشق وتل أبيب.

على أي حال، كثيرة هي الأسباب التي تدعو إلى إدراج التناغم والجرأة، بين المحتل في تل أبيب وبين الطاغية في دمشق، وبين واشنطن التي تدعم نتنياهو، وبوتين الذي يدعم نتنياهو أيضًا، من خلال استخدام الأسد كهراوة باطشة بالمجتمع السوري، وصولًا إلى استخدام قاموس وتعاليم المذبحة التي ينهل منها الجميع فوق أجساد الضحايا من درعا إلى حلب، ومنها إلى بقية فلسطين المحتلة.

إلى جانب هذه الأسباب وغيرها، تبرز في كل حلقة تصعيد، يلجأ إليها الطاغية في دمشق  والمحتل في تل أبيب، الحاجةُ الضرورية لوحشية الأسد، باعتبارها إحدى السمات التي تغطي على جرائم العدو وتسمح بتطويرها، وتنبع الأهمية الخاصة للأسدية، من وجهة نظر قوى الاحتلال المختلفة، الإسرائيلية والروسية والإيرانية، إضافة إلى بقية الدوائر السياسية والأمنية الدولية التي تدعم هذه الأهمية، أن الأسد أكسب المحتل ثراءً جرميًا ووحشيًا، بمقدوره الاستعانة به لعقود قادمة، من كونها أتاحت وصول قائمة الجرائم إلى مرتبة الأرشفة والاكتفاء بإحصائها، للاستعانة ببعض الطرق والتفاصيل التي كانت للأسد الأفضلية في اقترافها.

طبعًا، المسائل ليست متعلقة بالمجازر المرتكبة، أو تلك التي في طريقها للتنفيذ، بل بالنقاط المشتركة العديدة، وبالتعاليم التي يرتاح إليها الطاغية والمحتل الروسي والإسرائيلي، ليبقى الفاعلون المباشرون فيها يخدمون تعاليم المذبحة، وإن كانت جغرافيتها تتبدل من إدلب إلى حماة فحمص وغزة، لتبقى الهمجية التي تصدر عن الأسد بحق السوريين تستدعي كثيرًا من الدراسة.

أخيرًا، وجدت كثير من المذابح في التاريخ القريب والبعيد، بعضها أكبر أو أصغر من مذابح الأسد، أن لها همجية مدموغة باسم الأسد، لأننا خبرنا العدو ستة عقود. إذن، ثمة وحشية كبرى، لم تزل تصدر عن قاطن قصر المهاجرين، وهمجية مستمرة تتستر خلفها تصدر عن محتل، لن يجد من يقدّم له جرأة الاستمرار في الاستهانة الكبيرة بالحياة الإنسانية غير الأسد، ولسان حال المحتل يقول: طوبى له، طوبى له.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق