أن يكون الإنسان سعيدًا يعني أنه قد حقق رغباته وما تصبو إليه نفسه. وبمعنى آخر: السعادة في بعض المفاهيم هي تحقيق حاجات الإنسان كي يكون قادرًا على الاستمرار، ومن ثَم على التكيف والانسجام في حياته.
وقد تختلف هذه الحاجات من شخص لآخر، تبعًا للمرحلة العمرية من جهة، ولمستوى التفكير من جهة ثانية، ولعلاقته بالمجتمع من جهة ثالثة.
فالطفل في مرحلته العمرية المبكّرة، تكاد تقتصر حاجاته على توفير الغذاء والإطراح، وما يتبع ذلك من تنظيف. وكلما تقدّم به العمر؛ استجدّت حاجات جديدة من شأنها تحقيق سعادته كحاجة اللعب، وحاجته لحنان أبويه، وسعيه لجلب اهتمام الآخرين كجزء من شعوره أنه فرد في الجماعة.
وتتطور تلك الحاجات في سن المراهقة لتتصدر حاجة الجنس لديه، حتى إذا غدا صاحب أسرة تصبح سعادته مقترنة بتحقيق السعادة لأسرته. أما حين يبلغ من الكبر عتيًا فتكون أقصى سعادته أن يكون في موضع الاهتمام وعدم إشعاره أنه أصبح نسيًا منسيًا.
وربما اختلف معيار السعادة من شخص لآخر، بحسب المستوى العقلي ومستوى التفكير. فقد قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
فالسعادة ليست مرتبطة بحاجات الإنسان البيولوجية وحسب، بل تتعداها إلى غير ذلك من شؤون الحياة. وكلما ازدادت هذه الحاجات؛ صار مطلب السعادة كمن يشرب ماء البحر، كلما رشف رشفة؛ شعر بمزيد من العطش.
ولقد قالوا في المأثور الشعبي “من رضي عاش” والقناعة كنز. غير أن هذا المفهوم للسعادة لا يرضي أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة الذين كلما أصابوا نجاحًا؛ شعروا أنهم يقتربون من السعادة، من دون أن يدركوها، فشتان بين من يرى السعادة في وليمة باذخة وسهرة حمراء، وبين من يتجاوز ذلك إلى طموحه لبلوغ المجد:
لا تحسب المجدَ تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
والمجد الذي يعنيه المتنبي لن يبلغه المرء بالزق والقينة، وإنما بالكد والمثابرة للوصول إلى الهدف الأسمى، فالراحة الكبرى لا تنال إلاّ بعد تعب، بحسب أبي تمام:
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تُنال إلا على جسر من التعب
وأصحاب الهمم العالية لا يبلغون السعادة، لأن طموحهم يتعدى متطلبات الجسد:
فإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام
من جهة أخرى، فإن السعادة مرتبطة بنظرة الإنسان إلى الحياة، فثمة من يرى الحياة تعبًا وشقاء كما وصفها المعري:
تعب كلها الحياة فما أعـ………….جب إلا من راغب في ازدياد
على حين يراها آخرون، بالرغم من قسوتها، جديرة بأن تعاش. وأن الشكوى من الواقع هي مبعث الشقاء. فجمال الحياة يكمن في جمال أنفسنا كما يراها إيليا أبو ماضي:
أيهذا الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
أيهذا الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترَ الوجود جميلا
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئًا جميلا
فمسألة السعادة -كما يراها أبو ماضي- تتعلق بالنظرة إلى الكأس، فثمة من يرى نصفها فارغًا، وثمة من يرى نصفها ملآن.
ويرى الشوك في الورود ويعمى أن يرى فوقها الندى إكليلا
ليس أشقى ممن يرى العيش مرًّا ويظنّ اللذّات فيه فضولا
وأخيرًا هناك من يرى أن التوازن مطلوب في الحياة، فمن لا يطرب للكلمة، ولا يضحك للطرفة، ولا يبكي للفاجعة، فعليه أن يعيد النظر في صحته النفسية.
تعليق واحد