سلايدرقضايا المجتمع

نكبة تشابه نكبة

انقضت سبعة عقود من الزمن منذ النكبة الأولى، وما يزال الفلسطينيون منكوبين، تحت وابل المؤامرات والإجراءات الصهيونية، منذ ذلك الحين، بل ازدادت وتفاقمت الأخطار في العقد الأخير، مع حصول حكومة نتنياهو على مكاسب عديدة، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وقد تُوجت هذه المكاسب مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في أميركا، ومنح كيان الاغتصاب سلسلة من “العطايا” أبرزها الاعتراف الأميركي بسيادة “إسرائيل” على القدس ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، والانسحاب من دعم وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والمطالبة بإغلاق ملف اللاجئين الذي يشكل جوهر القضية.

في غضون هذه المدة، التي اختل فيها ميزان القوة لمصلحة الاحتلال، برزت موازين أخرى في سنوات الربيع العربي مع اشتعال جذوة الثورات المضادة التي نشهد معها تراجع الهدف الاستراتيجي، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية مع قضية المنكوبين، التي يعمل مهندسو الثورات المضادة على رسم معالم صفقات تبقي حكم الطغاة والمستبدين، كحاجة ضرورية لإدامة عمر الاحتلال والقضاء على أحلام المنكوبين في العودة والحرية، تشير التجارب العملية، منذ ثمانية أعوام، بوجود النمط الراهن في سوريا ومصر وخصوصًا سلوك نظام كل من بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، إلى إحداث نكبات عربية متجددة لها تأثير مفجع على أصحاب النكبة الأولى.

وعلى خارطة الظروف السائدة في العالم العربي، تظهر القضية الفلسطينية التي تحيي ذكرى نكبتها الحادية والسبعين جموعُ اللاجئين الذين تعرضوا لنكبات لا تقل فاجعة عن الأولى، بل تزيد عليها وتتفوق على بعض جوانبها، إذا قسنا تأثيرها وزمنها الراهن مع حساب سبعة عقود بأثر رجعي، من خلال إعدام المنكوبين في أقبية السجون وتدمير مخيماتهم بطائرات ودبابات حرقت كواشين الديار والأراضي، وصهرت مفاتيح أبواب المنكوبين تحت حطام منازلهم الذين احتفظوا بها سبعة عقود، وممارسة حصار حتى الموت للاجئين قضوا في مخيماتهم بفعل الجوع.

يتبع بعض النظام العربي استراتيجية الجبروت التي ينفذها المحتل ضد الشعب الفلسطيني، وبعض من هذا النظام استخدم وقتًا أقصر ليمتص ويقضي على قدرات اللاجئين، من خلال استهدافهم المباشر وتصفيتهم والقضاء على كل ما يشير إلى نكبتهم الأولى. دلائل كثيرة في مخيمات درعا واليرموك وحمص وحلب في سورية، حيث حلّ الدمار الكامل والتعفيش والقتل تحت التعذيب لخيرة المنكوبين وأبنائهم وأحفادهم في أقبية التعذيب والسجون السورية.

وكي نضع الأمر في نصابه، نعود لتعريف مغاير للذي وضعه المؤرخ قسطنطين زريق عن النكبة، قبل سبعين عامًا، فمنذ ثمانية أعوام جُرد هذا المصطلح والتعريف من أصحابه الأصليين، ليقتسمه معهم من احتضنهم قبل سبعة عقود، ليزيد عليه علامات أكثر قساوة ومأسوية في أماكن الاحتضان الجديد، وبات المنكوبون الجدد مع القدامى يتقاسمون سردية نكبة لا بواكي لها، في القرن الحادي والعشرين، فعلاوة على الشبه المطابق تمامًا في أحداث النكبة، بحسب تعريف المؤرخ زريق: تدمير لمعظم معالم المجتمع الحضري والمدني، فإن النسخة السورية للنكبة يضاف إليها عامل الوحشية الممثل بطبيعة السلطة الحاكمة التي تطابقت في سلوكها الإجرامي مع منفذ النكبة الأولى، إن كان في ارتكاب المجازر والتطهير العرقي، أو في عمليات السطو على تاريخ وممتلكات السكان وتزوير الوقائع.

نظرة سريعة إلى واقع المنكوبين اليوم تحت شجر الزيتون في إدلب، أو التمعن بمائدة إفطار “ورق العنب” التي حوّل طيران الأسد من جلس حولها إلى جثث متفحمة، تكفي لنعرف التصاعد في النكبة وديمومتها، في كل مكان وزمان يستمر فيه الطغاة في المساهمة في ذبح المنكوبين وسلالتهم وإخوتهم، وتدمير بيئتهم الممتدة على طول الجغرافيا من حيفا ويافا وترشيحا إلى القدس واليرموك وحندرات والعائدين وحماة وإدلب ودرعا والرقة ودير الزور، فنحن منكوبون ومفجوعون بالمحتل والطاغية، وبهم تستمر مأساتنا، فنكبة عن نكبة لا تفرق، إلا باختلاف بعض الأسماء من شامير وبيغن وبن غوريون، إلى الأسد ونصر الله والولي الفقيه، حتى بتسمية عصابات تسيحي والأرجون والبلماخ، في نكبات اليوم عصابات لها مسميات مماثلة وتحمل صفات تفخيم وطني ومذهبي وطائفي، لارتكاب مجازر ساهمت في تكرار النكبة، من المجزرة إلى التعفيش والطرد، إلى خلق لوبيات إعلامية وثقافية؛ حتى تعمّ النكبة ونتقبل الأولى.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق