بعيدًا عن منازلهم، التي دمرتها هجمات جيش الأسد بشكل جزئي أو كامل، يجد النازحون داخل البلاد، واللاجئون في الخارج، صعوبةً في تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش، مع تنامي مظاهر الفقر المدقع والعوز والعجز المالي، الذي تستقطب قوائمه أعدادًا جديدة في كل عام.
أدّت الحرب إلى زيادة عالية في مستويات الفقر بين السوريين، وكشفت بيانات الأمم المتحدة أن ثلثي اللاجئين يعيشون في مستويات فقر تزيد بنسبة 18 إلى 62 بالمئة، عن مستويات الفقر التي يعيش فيها نظراؤهم في المجتمعات المضيفة.
قلّص نزوح السوريين في الداخل (6.1 مليون نازح) ولجوؤهم (5.6 مليون) إلى دول الجوار، رأسَ المال البشري، ودفع الغالبية نحو الفقر بسرعة كبيرة، ليصبحوا رهن حاجة ماسّة وواسعة النطاق، رفعت من معدلات سوء التغذية، حيث يعاني حاليًا أكثر من 6.5 مليون من انعدام الأمن الغذائي، ويصل عدد الذين هم بحاجة إلى المساعدة إلى 13.1 مليون، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
لطيفة، أرملة، لجأت مع أسرتها إلى الأردن هربًا من الحرب المستمرة في سورية، وتعيش مع طفليها محمد ويسرى في فقر مدقع، حيث يقتصر غذاؤهم على الزعتر والزيت، العائلة مسجلة في بيانات المفوضية منذ عبورها الحدود، لكن حاجتها إلى الأمان جعلتها تتغاضى عن ضآلة المساعدة المالية التي تتلقاها شهريًا.
يقتصر دخل اللاجئين خارج المخيمات في الأردن ولبنان، أكثر البلدان تأزمًا في المنطقة على الصعيد الاقتصادي، على المساعدات النقدية التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وفق معايير الحد الأدنى التي تؤمّن حاجة الفرد من أجل البقاء على قيد الحياة، ويشكو جميع المستفيدين من أن المبالغ النقدية، التي يقدمها برنامج المساعدات في المفوضية، لم تعد مجديةً أمام تكاليف المعيشة، فالقسم الأكبر منها، كما تفيد 88 بالمئة من العائلات، يُصرف على الإيجارات في الأردن. ثم ما يُصرف على الطعام، فما يُصرف على الرعاية الصحية. أما في لبنان، فأغلب العائلات تستخدم الأموال لتغطية تكاليف قوتها اليومي على الشكل التالي: معظم العائلات تنفق المبلغ الأكبر على الطعام، ثم على الرعاية الصحية، ثم على فواتير الماء والكهرباء، وأجور المواصلات.
تقر المنظمات الأممية، بسوء الأوضاع التي يعيشها السوريون في بلدان اللجوء، وبخاصة في الأردن ولبنان، وترى أن من بين العوامل التي أدت إلى هذا التدهور، عدم توفر فرص العمل أو صعوبة الوصول إليها، وضعف مستوى التعليم، بسبب وجود أنظمة تعليمية ضعيفة، الأمر الذي يسبب غالبًا العجز في التعامل مع تدفق الأطفال اللاجئين. وتشير البيانات على سبيل المثال إلى أن 50 بالمئة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 5 و 14 عامًا، ضمن المخيمات العشوائية في لبنان، غيرُ قادرين على قراءة حرف عربي واحد، فضلًا عن تدهور وضعهم الصحي والنفسي، حيث توصل مسحٌ طبي أجرته الأمم المتحدة، إلى وجود ارتفاع في عدد وفيات الأطفال، وإلى ظهور بعض الأمراض التي تم استئصالها سابقًا، كمرض شلل الأطفال.
في رسالة رمضانية، حث فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، العالمَ على دعم الملايين الذين أُجبروا على النزوح من ديارهم بسبب العنف والاضطهاد، لكنه لم يُخف تأثره البالغ من مخرجات مأساةٍ تدعو -كما يقول- إلى يأسٍ غير مسبوق، مع أن للكلمات أثرًا يبعث على الطمأنينة، فإن الأفعال وحدها -بحسب رأيه- هي التي تمكننا من رؤية التغيير المطلوب.
شكلت احتياجات اللاجئين المتنامية عبئًا لا يقتصر على المجتمعات المحلية في الأردن ولبنان فقط، حيث تعاني المجتمعات هناك مشكلات اقتصادية هيكلية مزمنة، بل هو عبء على موازنة المفوضية السامية أيضًا، التي يعاني برنامجها النقدي نقصًا في التمويل، وانعكس على تمويل خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة المعنية عمومًا، التي تهدف إلى تلبية احتياجات اللاجئين والبلدان المستضيفة لهم.
وكالأعوام الثلاثة السابقة، لجأت المفوضية السامية إلى تخفيف حجم هذه الفجوة، من خلال العمل الصالح الذي تمثله قيم شهر رمضان، وأعلنت هذا العام رسميًا، إنشاء صندوق عالمي للزكاة، تمّ دعمه بفتاوى خمسة علماء كبار ومؤسسات دينية رائدة.
يعيش اللاجئون أوضاعًا فريدة واستثنائية، ويستوفون -بحسب الفتاوى- أربعةً من مصارف الزكاة الرئيسية على الأقل (الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين) وهي شروط تنطبق على غالبية اللاجئين المستفيدين من برنامج المساعدات النقدية التي تتولى مفوضية اللاجئين إدارته، وتشير بياناتها إلى أنها خصصت جميع أموال الزكاة التي تلقتها في عامي 2016/ 2017 لبرنامج المساعدات في الأردن، الذي يستفيد منه حوالي 32 ألف عائلة لاجئة، وسمحت هذه الأموال لنحو 14.775 عائلة سورية لاجئة (حوالي 74 ألف فرد) من العائلات الأكثر عوزًا وحاجة، التي تعيش خارج المخيمات، بتغطية تكاليف المعيشة الأساسية لشهر واحد على الأقل، مثل الإيجار وتسديد الديون وتأمين الرعاية الصحية والرسوم الدراسية والطعام، وهذا ساعد اللاجئين في تحسين علاقاتهم الاجتماعية، كما تسعى مفوضية اللاجئين في عام 2019 لاستكمال جمع أموال الزكاة، لتأمين احتياجات اللاجئين، التي تقدر بنحو 208.6 مليون دولار، والتي ستصرف على العائلات الأكثر عوزًا، في الأردن ولبنان والعراق واليمن ومصر وموريتانيا.
فقد أبو محمّد كل شيء بسبب الحرب، ويعيش اليوم هو وزوجته، وغيرهما الآلاف، ظروفًا صعبة في الأردن. وتناشدكم المفوضية، في شهر الرحمة، أن تذكروا اللاجئين بدعائكم، وأن تذكروهم بزكاتكم.
تُعد المملكة العربية السعودية، وإندونيسيا، وتركيا، الدول الأولى من حيث حجم الزكاة، حيث تبلغ حصيلتها مجتمعة نحو 122 مليار دولار. أي ما يعادل 26.9 بالمئة من إنفاق المسلمين على المنتجات والخدمات المعيشية الأساسية، وفقًا لإحصاءات عام 2017، بحسب مؤسسة (دينار ستاندرد) المتخصصة في الأبحاث واستشارات النمو الاستراتيجية.