قادت الولايات المتحدة ذات يوم دعم الدول الغربية للديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ولكن في ظل هذا الرئيس يبدو وكأن الأمر قد ولى.
من زمن، ليس ببعيد، كانت الولايات المتحدة تُعدّ نموذجًا يُحتذى به بالنسبة إلى الدول الأخرى. لقد مرَّ ذلك الوقت. شهدنا الأسبوع الماضي المزيد من نزعة الشغب الدولية غير المبررة من قبل إدارة ترامب. ومنها آخر عمليات تنمرها خارج الحدود الإقليمية لمنافسيها في البزنس، والتهديدات العنيفة ضد إيران، و “خطة السلام” لفلسطين المنحازة بشكل سخيف، واستئناف مبيعات الأسلحة لإبقاء نار حرب السعوديين في اليمن مشتعلة، والاعتداء على حرية الصحافة العالمية.
إن الغضب والفزع من تردد وتأرجح دونالد ترامب الأعمى يحجب السبل التي يمكن أن تستخدم فيها الولايات المتحدة قوتها التي لا تضاهى لإفادة الآخرين، لكنها ترفض القيام بذلك. تُعرَّف سياستها الحالية بغيابها. من جديد، يموت المدنيون السوريون في حرب مروعة، من دون أن يفعل ترامب شيئًا لوقفها. وتدق أجراس الخطر بسبب أزمة المناخ والانقراض الجماعي، ومع ذلك يفضّل جمهور ترامب التركيز على الفرص الاقتصادية التي يوفرها ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي.
وقفت الولايات المتحدة ذات مرة، في طليعة الدول الغربية التي تروّج للحكم الديمقراطي واحترام الحقوق الإنسانية والمدنية العالمية. كان سجلها غير كامل، لكنها على الأقل حاولت في معظم الوقت. أما في ظل ترامب، فلا يتم التسامح فقط مع الأنظمة الاستبدادية من روسيا ومصر إلى البرازيل والفلبين وكوريا الشمالية وميانمار، بل يتم تشجيعها بقوة. لم تعد القوى التقدمية التي اعتمدت على الدعم الأميركي، وعلى المثال الأميركي، قادرةً على أن تبقى معتمدة عليها.
ليس هناك ما هو أكثر وضوحًا مما هو عليه الحال في السودان الآن، حيث تتعرض ثورة الشعب التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي ضد نظام عمر البشير المدعوم عسكريًا، لخطر الفشل. على الرغم من حجم السودان وأهميته الاستراتيجية، فإنه يحظى باهتمام ضئيل في الغرب. ومع ذلك، عند التفكر في سعيه الشغوف للديمقراطية، وصراعاته الداخلية مع الإسلاميين، واحتمال أن ينزلق نحو حرب أهلية، مثل سورية وليبيا واليمن، يبدو هذا الإهمال قصير النظر.
سجل الولايات المتحدة في السودان مختلط. قام بيل كلينتون بقصف الخرطوم عام 1998 بسبب صلات مزعومة بتنظيم القاعدة. وساعدت واشنطن في التوسط لإنجاز اتفاقية السلام الشاملة لعام 2005 التي مهدّت لاستقلال جنوب السودان. حتى وقت قريب، كانت تحتفظ واشنطن بالعقوبات على النظام. الآن، مع اعتقال البشير واختلال التوازن العسكري، نشأت فرصة نادرة للمساعدة بحزم في نقل السودان إلى المعسكر الديمقراطي. لكن ماذا تفعل الولايات المتحدة، إذا كانت تقوم بأي شيء، فإنها تدفع الأمور باتجاه آخر.
يصف الدبلوماسيون والمحللون الأجانب السياسة الأميركية بأنها مشوشة أو غير موجودة. ويُقال إن العلاقات بين تجمع المهنيين السودانيين، وهو القوة المنظمة للمعارضة، والسفارة الأميركية في الخرطوم متوترة. روى أحد مسؤولي المعارضة لمجلة فورين بوليسي Foreign Policy بأن التحدث إلى الأميركيين كان “مضيعة للوقت”. فشل اجتماع عقد في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، بين الدول الغربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في الاتفاق على مسار عمل مشترك.
بدلًا من اغتنام هذه اللحظة، قامت الولايات المتحدة (وتلقائيًا، بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة) بتسليم المبادرة إلى صبيان (صبية) ترامب كالحي الوجوه في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة. لقد دعمت هذه الدول البشير وتدعم الآن (وتموّل) محاولات لإحياء الوضع القائم قبل الانقلاب تحت قيادة جديدة. كان المحتجون السودانيون واضحين منذ البداية أنه يجب تغيير النظام، وليس فقط شخصياته العليا. هذه هي المعركة الحاسمة التي يتعرضون فيها لخطر الخسارة.
إن هذا المحور العربي القومي المتطرف في محافظته، والذي يتوافق مع خطى ترامب الأيديولوجية، لديه مرشح لرجل السودان القوي المقبل، إنه الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حمدتي، وهو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي. وهو يرأس أيضًا قوات الدعم السريع، وهي مجموعة كبيرة شبه عسكرية نشأت من ميليشيا الجنجويد المتورطة في الإبادة الجماعية في دارفور. كانت قوات الدعم السريع هي المسؤولة عن الهجمات المتفرقة والمميتة على المتظاهرين في الشوارع في وقت سابق من هذا الشهر.
لقد تغلب محمد حمدان دقلو بسهولة على الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري والزعيم السوداني المؤقت. كان إصرار دقلو على الحصول على أغلبية داخلية في حكومة مقترحة لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، هو السبب الذي أدى إلى انهيار محادثات الأسبوع الماضي مع المعارضة. وعندما دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى إضراب عام ردًا على ذلك، هدّد دقلو بالانتقام. من غير الواضح ما الذي يمكن أن تفعله المعارضة الآن، المنقسمة حول التكتيكات والتي تنفد قوتها. إن خطر الانحدار نحو العنف حقيقي وقائم بشدة.
يزعم دقلو أنه لا يسعى إلى السلطة، لكن طموحه واضح. ففي الأسبوع الماضي قال إنه كان يشرف على الإجراءات القضائية ضد البشير و25 من شخصيات النظام المحتجزين منذ الانقلاب، بحيث يسيطر على العملية ويتأكد من أنهم لا يشكلون أي تهديد للنظام الجديد. في نهاية الأسبوع، تلقى بنفسه ختم الموافقة الملكية من محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الحليف العربي الرئيس لترامب، وذلك في اجتماع خاص في جدة.
إن استعانة السياسة الخارجية الأميركية بـ “رجال أقوياء” مثل ترامب ووكلاء إقليميين ودودين هو الآن اتجاه ثابت. في الحرب الأهلية المتجددة في ليبيا، يدعم ترامب خليفة حفتر، الجنرال المنشق، المدعوم من السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبنفس الطريقة، رحّب البيت الأبيض ترحيبًا حارًا بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وهو شخص آخر استبدادي بالفطرة، اختطف ثورة شعبية. كما هو الحال في السودان، تلاشت الآمال في إصلاح كامل في الجزائر، حيث تم إقالة رئيس صوري في الشهر الماضي، وسط مكائد الجيش واللامبالاة الأميركية والأوروبية.
ربما يكون من الخطأ القول إن الولايات المتحدة لم تعد مثالًا يُحتذى. ينال عدد كبير من قادة العالم الآن رضى ترامب، ويقلدون نظرته الرجعية ويتفقون معها، التي تخدم مصالحها الذاتية والخصوم.
أصبحت الرؤية الطوطمية الأميركية المؤسسة “لمدينة الحلم”، والتي ترمز إلى أرض الحرية والعدالة، في عصر ترامب بمثابة قبضة فاقدة لبريقها، يمكن من خلالها إرهاب العالم أو استغلاله أو تجاهله.
اسم المقالة الأصلي | Sudan, Algeria, Libya: new Arab spring stalls as Trump looks away |
الكاتب | سيمون تيسدول،Simon Tisdall |
مكان النشر وتاريخه | الغارديان،The guardian، 25/5 |
رابط المقالة | https://www.theguardian.com/world/2019/may/25/sudan-people-revolt-stalls-trump-looks-other-way |
عدد الكلمات | 908 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
صورة الغلاف: متظاهرون يتجمعون خارج مقر قيادة الجيش في الخرطوم الأسبوع الماضي للمطالبة بتغيير النظام. الصورة: محمد الشاهد/ وكالة الصحافة الفرنسية