تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

إدلب.. التصعيد مستمر والمآلات مجهولة

بعد توسيع دائرة الاستهداف الروسي الأسدي لمعظم جغرافيا ريف إدلب وحماة، وريف حلب الغربي، وإصرار الروس على الاستمرار في ذلك التصعيد وحرقهم الأخضر واليابس، وقتل الأطفال والنساء، وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، بينما العالم يتفرج ولا يبادر إلى إيقاف هذه المقتلة الجديدة بحق السوريين، على الرغم من نداءاتٍ دولية خجولة لوقف العدوان، يظل السؤال مُلحًّا: إلى متى تتواصل هذه العدوانية؟ ومن يملك إمكانية إيقافها أو لجمها ولو مؤقتًا؟

قال الباحث السوري نبيل ملحم: إن “ما يحدث في إدلب هو استمرارٌ للاتفاق المشؤوم في سوتشي الذي تمّ تحت الطاولة بين الدول التي سُميت ضامنةً: (روسيا وإيران وتركيا)، وهو يقضي بفتح طريق اللاذقية/ حلب، وطريق دمشق/ حلب”، وأضاف لـ (جيرون) أن ذلك يعني على أرض الواقع “إعادة كل المناطق الواقعة شرق وجنوب هذين الطريقين إلى حضن النظام الأسدي”، وتابع: “الحصّة التركية بعد هذه المذبحة ستكون، باعتقادي، تخلي النظام وحلفائه عن كامل الزاوية الشمالية الغربية من الجغرافيا السورية على كامل الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، والممتد من مدينة جرابلس في الشمال مرورًا بمدينة عفرين وبلدات غرب شمال حلب، وصولًا إلى كل البلدات التابعة لمحافظة إدلب، والواقعة شمال طريق اللاذقية حلب”، وعقّب: “ربما سيُضاف إلى هذه المناطق بعض البلدات الحدودية في محافظة اللاذقية، المتصلة مع الريف الشمالي الغربي لمحافظة إدلب، والمتاخمة للحدود التركية “.

ورأى ملحم أن “لا خلاف، بين روسيا وتركيا، على ما يحدث في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الغربي”. وأشار إلى أن “أكثر ما في هذا الاتفاق غير المعلن لا يكمن في تقاسم الجغرافيا السورية فحسب، وإنما إخفاء الاتفاق عن المدنيين وتركهم تحت رحمة نيران القتل والدمار، حيث يبدو الأمر في النهاية، كأن كل ما يحدث ليس سوى انعكاس لميزان قوى عسكريٍّ على أرض المعركة”.

من جهة أخرى، قال الكاتب السوري المعارض عقاب يحيى: إن “تباينات ظهرت بين القوى الرئيسية الضامنة لما يعرف بمناطق خفض التصعيد، وآخر ما تبقّى منها إدلب”، وأضاف لـ(جيرون): “ظهر ذلك جليًّا في لقاء سوتشي الأخير الذي وُصف بأنه كان فاشلًا، ولم يسفر عن شيء مهم، نتيجةَ الخلاف في المواقف بين تركيا وروسيا حول مصير إدلب، الروس يحمّلون تركيا مسؤولية عدم تنفيذ ما اتفق عليه بشأن (هيئة تحرير الشام)، لإنهاء وضعها بطريقة ما، وتركيا تبرر بأن إنهاء تلك (الهيئة) بالوسائل العنفية، والعسكرية شبه مستحيل نتيجة تغلغلها بين السكان، ووجود أنفاق وتحصينات لها تمتدّ لمسافات مهمة داخل المدينة، وبما يعني أن أي عمل عسكري سيكون شديد المفعول بالنسبة للمدنيين، لذلك فضّلت تركيا ما يعرف بالسياسة الناعمة عبر الاحتواء والتفكيك، والتحويل إلى حزبٍ، أو قوةٍ سياسية”.

وتابع: “من جديد روسيا كانت تضع (الهيئة) مبررًا للقيام بعمليات عسكرية عدّتها، وفق ما عبّر عنها الرئيس الروسي، محدودةً، وكان واضحًا أن التركيز يطال السيطرة على الطريقين السريعين الرابطين بين حلب واللاذقية، وحلب دمشق، وتأمين (قاعدة حميميم) الروسية لمساحات كبيرة، منعًا لما يُقال عنه وصول طائرات من دون طيار، أو قذائف مدفعية، وصواريخ غراد”.

أما الكاتب السوري زكريا السقال فيرى أن “المقتلة السورية والاستباحة التي تتعرض لها المدينة، لا أجوبة عليها، فهناك برامج وترتيب مصالحٍ ونفوذٌ تتحكم به القوة، وقدرة هذه القوة باختراق الواقع السوري وقواه، لفرض منطق المستقبل، بما يتوافق ونفوذ هذه القوى التي تسرب نفوذها وتراقب الضحية وقربها من السقوط، وهي بدوروها تحدد وتخطط بمبادرات وخطط، وهكذا ابتدأ مسار الاستباحة السورية الذي وقع به السوريون منذ ديمستورا ومبادراته المفتتة للوضع السوري، مناطق وأجزاء، لهذا فقد تم القفز على قرارات جنيف، وانقسمت المعارضة العاجزة المخترقة لمنصات وحلقات ولجان”.

وأضاف في حديث إلى (جيرون): “تخضع سورية بشكل كامل للإرادة الدولية التي تتحكم بسورية ضمن مناطق نفوذ، وتتصارع على مصالحها بالدم السوري والمدن السورية، وعندما نقول القوى المتنفذة بالقرار السوري، تخضع هذه القوى أيضًا لمنطق القوة والنفوذ، وبهذا فالولايات المتحدة الأميركية هي التي تتحكم وتهب وتعطي لحلفاء وشركاء، بترتيب المنطقة، وسورية منها، أدوارًا وحصصًا، قد يعترض أحد ما على هذه الحصص، أو يريد ضمانات، وهذا ما يعطي هذا الترتيب طابع الصراع العنيف الذي يدفع السوريون ثمن تسويته، ولمدى غير معروف، طالما السوريون فقدوا وخسروا وعبثوا بقرارهم الوطني ولم يحصنوه بقوة فاعلة على الأرض”.

وعدّ أن “ما يحصل بريف حماة وإدلب دليلٌ واضحٌ على انفراط عقد الخطوة التي خطط لها الروس، وجلبوا الأتراك والإيرانيين إلى منصة سوتشي، التي لا نود الحديث عنها بأنها قفزت فوق كل أحلام السوريين بضمان فترة انتقالية يترتب عليها الإفراج عن المعتقلين وصياغة دستور وانتخابات للدخول إلى حلّ يلغي آثار هذه المقتلة البغيضة وإلغاء السوري وسورية، بل قفزت مباشرة لصياغة دستورٍ أو الهروب للدستور، وترك ثمان سنوات من الصراع وضحاياها هباءً،  لهذا فإسرائيل وأميركا يراقبان ويحددان بدقةٍ ترتيب المنطقة، حيث فُوض الروس بإيجاد حل لها، وكان المطلوب منهم أولًا وسريعًا إلغاءُ الوجود الإيراني وتقليص نفوذ المليشيات، الأمر الذي يربك الروس بالوقت الذي يستعجلون ربط الممرات، وتسهيل طريق الوقود وحماية قواعدهم، الأمر الذي جعل حليفهم التركي يتملص لعدم وجود ضمانات”.

الباحث السوري محمد صالح أكد لـ (جيرون) أن “تركيا تنظر إلى عمقها الإستراتيجي في سورية ولبنان، وذلك عبر داوود أوغلو، وإيران التي استوردت أشرارها عبر العراق أيضاً لتحقيق مكاسب في سورية، وتركيا لن تتراجع عن اتفاق سوتشي/ أستانا إلا عندما يحقق هدفه، ستعلن أنها في حلّ منه وكل ما يجري اليوم هو من ضمن الاتفاق، وبعض الدعم بالسلاح لتحسين حصتها”.

كما قال الكاتب السياسي المعارض محمد خليفة: إن العلاقة الروسية التركية تمرّ في منطقة مطبّاتٍ عنيفةٍ، بسبب الخلافات بينهما حول مستقبل النظام السوري تحديدًا، لا كما يُقال: بسبب تحسن العلاقات الأميركية التركية وتوصلهما إلى تفاهم حول مشروع المنطقة الآمنة، ولا بسبب بقاء جبهة النصرة مسيطرةً حتى الآن على إدلب كما يقال أيضًا”، وأضاف لـ (جيرون): “في الواقع إن الخلاف بين الشريكين يتركز حاليًا على الموقف من بشار الأسد أكثر من أي موضوع آخر”.

وتابع خليفة: “الروس يضغطون على شريكهم التركي ليبدأ التطبيع السياسي السريع مع بشار الأسد، ويريدون منه أيضًا الضغط على ما بقي من معارضةٍ لتحذو حذوه أيضًا، ويجد أردوغان حرجًا في تلبية كلا المطلبين، وقد قام ببعض الخطوات على مستوى الأجهزة الأمنية بين الدولتين، وحصرًا في ملف التعاون ضد المشروع الكردي الانفصالي لأنه يهدد البلدين، ولكن الروس يستغلون ضعف الموقف التركي حاليًا ليقنعوا أردوغان بلقاءٍ رسميّ على مستوى القمة مع بشار بضيافة بوتين في روسيا”، وعقّب: “يبدو أن أردوغان لم يرفض الفكرة منذ أن عُرضت عليه العام الماضي، ولكنه استمهل وطلب التأجيل، وهو غالبًا يحاول تفادي مثل هذه الاستحقاقات الصعبة بالتسويف، كموقفه من تصفية “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري”.

ورأى خليفة أن “اتفاق سوتشي 17 أيلول/سبتمبر 2018 بشأن وقف إطلاق النار على إدلب قد انهار فعليًا على الأرض، وأصبح جثةً هامدةً مع مئات الجثث التي قتلها الروس والإيرانيون وقوات المجرم، لأن الروس منذ لحظة التوصل إليه لم يكونوا راضين عنه، لأنه كان يميل لصالح أردوغان وخرج بوتين منه محرجًا”، وقال: “لكن هذا لا يعني أن العلاقات بين الشريكين ستنهار، لأنها تستند على قواعد متعددةٍ، أبعد وأهم من موضوع إدلب، ويدخل فيها بُعدٌ دولي، كحاجة تركيا لروسيا في مواجهة ضغوط أميركا وأوروبا على أردوغان بسبب بعض سياساته الانفرادية الجامحة خارج السرب الأطلسي والغربي، فضلاً عن حاجة تركيا الماسة للتنسيق مع الروس في الساحة السورية، لأنهم يمسكون بمقابض الباب الخارجي لسورية، ويستطيعون إخراج تركيا منها نهائيًا، كما حدث في الفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وآب/ أغسطس 2016، والأرجح أن أردوغان سيستوعب الهجمة الروسية، ويقبل بتقديم بعض التنازلات مقابل الحفاظ على العلاقة مع موسكو، ولا سيّما أن أردوغان أثبت قدرةً براغماتية فائقة”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق