اقتصادسلايدر

النفط… بعض من مآسي السوريين

تحوّلت آبار النفط في سورية، خلال ثماني سنوات مضت، إلى مصدر لتمويل حرب النظام، ثم مصدر لتمويل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأنبتت -في مرحلة من المراحل- شريحة من أمراء الحرب الذين يرون أن ربحهم المادي أهمّ من الوطن، ثم أصبحت مصدرًا لتمويل الميليشيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني.

أدّت الحرب التي شنّها النظام ضد المطالبين بإسقاطه، والتي دخلت عامها التاسع، إلى تدهور قطاع النفط. وبين أعوام 2012 و2014، تنامت سيطرة المعارضة على حقول النفط، وبخاصة في الشمال الشرقي، حيث توجد أهم الحقول النفطية. وصار نحو 70 بالمئة من إجمالي آبار النفط والغاز تحت سيطرة المعارضة السورية، لكن هذه المعارضة لم تستطع التحكم في النفط أو تشغيل الآبار أو بيع النفط لصالحها، واستفاد من هذه الفوضى بعض السكان المحليين الذين أقاموا مصافي صغيرة شخصية بدائية، تُكرر لهم بضعة براميل من النفط كل يوم، فيما استمرت حكومة النظام في التحكم بمصافي التكرير وبموانئ التصدير.

عمّت الفوضى القطاع النفطي في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام. وخلال المعارك قصف سلاح الجو السوري والمدفعية بعض آبار النفط، لحرمان المعارضة منها، واتهمت الحكومة “الإرهابيين” بإحراق الآبار، بسبب “خلافات على تقاسم النفط المسروق”، وسالت مئات الآلاف من براميل النفط على الأراضي الزراعية وفي الصحراء مسببة كارثة بيئية، ونشطت عصابات سرقة النفط من الآبار المقصوفة.

أقام سارقوا النفط أكثر من 500 مصفاة نفط بدائية، وصار لكل بئر سعر مختلف، بحسب نوعية النفط، ويبرر البعض هذه الطريقة في التعامل مع هذه الثروة بالحاجة الملحة إلى معيشتهم، بعد أن فقدوا كل مصادر العيش نتيجة الحرب.

بعد عام 2015، بدأ (تنظيم الدولة الإسلامية)، تدريجيًا، يسيطر على آبار النفط ويختطفها من يد المعارضة المسلحة في شرق سورية، وبدأ يبيع النفط بالتعاون مع النظام السوري، ويُرسل للمصافي السورية باتفاق غير مُعلن بين الطرفين، وقالت المعارضة إن هذا دليل مادي على أن تحالفًا عضويًا يربط الطرفين.

بعد تقهقر (داعش)، بل قبل ذلك، سعى “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، إلى السيطرة المنهجية على آبار النفط في شمال وشمال شرق سورية. وقامت قواته بعمليات تهجير قسري لسكان المنطقة، بهدف إخلائها من سكانها، لتبقى مناطق النفط مأهولة بالموالين له، وسيطروا بعد مدة على الجزء الأكبر من النفط السوري، وباعوه لصالحهم من دون أن يعرف السوريون عن إيراداته شيئًا.

قامت مصافي الدولة السورية بتصفية نفط يرد من شمال سورية، عبر وسطاء من (داعش) من شرق سورية، ومن حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته العسكرية، وهو المكون الأكبر ويتحكم في (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) واقتطع النظام نسبة متفقًا عليها من هذا النفط الخام، وأعاد تسليم الكميات المُعالجة المُصفّاة إلى التنظيم والأكراد من جديد، في عملية مستمرة ربما حتى الآن، وهناك وسطاء منتدبون من النظام، من بينهم شخصيات من عائلة الأسد يُشرفون على الاتفاق.

في ذلك الوقت، امتنعت فصائل المعارضة السورية المسلحة عن شنّ هجمات على البنية التحتية للنفط، مع أن خطوط الأنابيب كانت من دون حراسة في الغالب، لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا النفط سيكون أحد روافد الإيرادات الرئيسية بعد سقوط النظام. ولم يكن يخطر ببالهم أن ما يُعرف بـ (داعش) و(قسد) والنظام وأطراف أخرى، هم وحدهم من سيستفيد من كل ذلك.

في مرحلة مبكرة، وافق الاتحاد الأوروبي على السماح بشراء النفط من المعارضة السورية. واستبشر بعض السوريين باعتبار أن ذلك سيعيد للشعب السوري جزءًا من ثرواته التي اغتصبها النظام طوال عقود. لكن المعارضة السياسية قالت وقتذاك: إن هذا القرار سيخلق فوضى، فلا تحديد للمعارضة التي ستستفيد من بيع النفط، ولا ضمانات لجميع القوى المعارضة بالحصول على نصيبها. وأشارت إلى وجود نزاع بين الكتائب المسيطرة على آبار النفط، وأن هذا الصراع سيتعمق في المستقبل. وأفضل ما يمكن عمله لهذه الثروة الوطنية هو إبقاؤها داخل الأرض إلى حين سقوط النظام، وبناء على ذلك، لم يتم تصدير أي شيء من النفط السوري، حين كانت المعارضة تُسيطر عليه.

لا تعتبر سورية دولة نفطية كبيرة، فلديها فقط 2.5 مليار برميل من الاحتياطات، من أصل 714 مليار برميل احتياطات العالم العربي. وقد تراجع إنتاج النفط السوري منذ بدء الثورة، من 370 ألف برميل من النفط يوميًا، إلى أقل من 70 ألف برميل، وفاقت الخسائر 3 مليارات دولار. وكان النفط بالنسبة إلى النظام وسيلةً لتحقيق أمنه، فكل إيرادات النفط، طوال أربعة عقود، كانت تُحوّل إلى حساب خاص في الميزانية، ممنوع صرف أي مبلغ منه إلا بأمر من الرئيس شخصيًا.

في الوقت الراهن، يتقاسم مصادر النفط السوري كلٌّ من (قسد) بنسبة قد تصل إلى 80 بالمئة، والنظام السوري بنسبة قد تصل إلى 20 بالمئة. هذا يعني أن (قسد) هي المسيطرة على غالبية النفط السوري، وتقوم بترويجه بطرق عديدة، ومريبة في الوقت نفسه.

مناطق إنتاج النفط التي تسيطر عليها (قسد) كبيرة، وتوفر ما يعتقد أنه يُقارب ربع مليون دولار يوميًا، بينما كانت هذه الحقول تُنتج ما يُعادل 250 ألف برميل يوميًا، قبل عام 2011.

لم تؤدِ الحرب السورية إلى خسائر بشرية فاقت مليون قتيل فحسب، ولم تقتصر على تدمير المئات من البلدات والقرى وبعض المدن فحسب، بل إنها دمّرت البنى التحتية الاقتصادية، ودمّرت صناعة النفط السورية، وحوّلت آبار النفط إلى مصدر تمويل لـ (قسد) و(داعش)، وأنبتت شريحة من أمراء الحرب من النظام، ومن غير النظام، ممن يرون أن ربحهم المادي ومصالحهم الشخصية أهمّ من أي شيء آخر، وأهم بألف مرة من وجود وبقاء الوطن، وهذا كان بعضًا من مآسي الحرب السورية التي استغلها البعض، ويدفع ثمنها باقي السوريين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق