تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

“ورشة المنامة” صفعة للفلسطينيين بعد فشل إدارة ترامب في تمرير “صفقة القرن”

السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة تقاطعان، و”إسرائيل” والسعودية والإمارات يؤكدون حضورهم

بعد إدراك الإدارة الأميركية أنّ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروفة إعلاميًا بـ “صفقة القرن“، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، سيكون مصيرها الفشل بعد رفض الفلسطينيين لها، رغم قبولها خليجيًا؛ أعلن البيت الأبيض، منتصف الشهر الماضي، استضافة العاصمة البحرينية المنامة، في 25 و26 حزيران/ يونيو الجاري، ورشة عمل اقتصادية دولية، هدفها المعلن “تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية” المحتلة، بينما الهدف الحقيقي منها هو إنهاء كل ملفات القضية الفلسطينية وفق الإملاءات الأميركية، وفي مقدمتها شطب “حق العودة” لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في مخيمات اللجوء والشتات، إضافة إلى الاستغناء عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وبالتالي تصفية حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة التي أقرتها المنظومة الأممية، وذلك مقابل وعود برخاء اقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، من خلال تمويلات يقدمها حلفاء واشنطن من دول في الخليج، تجمعها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة خصومة مع إيران.

جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، وعرّاب “صفقة القرن”، أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، أنّ أمن “إسرائيل” حيوي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، معتبرًا أنّ تحالف الطرفين أقوى من أي وقت مضى.

وكان نتنياهو استقبل، الخميس، في مقر إقامته بالقدس، كوشنر، والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والمبعوث الأميركي الخاص المعني بشؤون إيران برايان هوك.

نتنياهو قال خلال اللقاء: “يسرنا دائمًا جدًا استقبال جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات في إسرائيل… من أجل بحث جهودنا المشتركة لدفع الازدهار والأمن والسلام قدمًا”. وتابع: “أثمّن كثيرًا السياسة الأميركية تحت قيادة الرئيس ترامب التي تهدف إلى دمج الحلفاء مع بعضهم البعض في التعامل مع التحديات المشتركة واغتنام الفرص المشتركة”. وأضاف في إشارة إلى قرار “الكنيست” (البرلمان) إعادة الانتخابات في “إسرائيل”: “كما تعلمون، عشنا ليلة أمس حادثة صغيرة، ولكن هذا لن يوقفنا. سنواصل العمل معًا. عقدنا لقاءً ممتازًا ومثمرًا، يؤكد مرة أخرى أنّ التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقوى من أيّ وقت مضى، وهو سيتعزز أكثر”.

من جانبه، قال كوشنر: “هذه هي الزيارة الأولى لي إلى إسرائيل، بعد اعتراف الرئيس بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لقد كان هذا الإعلان مهمًا جدًا”. وأردف: “أمن إسرائيل يعتبر حيويًا بالنسبة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، وهو مهم جدًا أيضًا بالنسبة للرئيس نفسه، ونثمن جميع جهودكم لتعزيز العلاقات بين بلدينا. إنّها أقوى من أي وقت مضى”. وتابع: “نية الإدارة هي اقتراح سلسلة من الخطوات التي تضع الفلسطينيين على طريق النمو والازدهار، بحيث يكون هناك تغيير في حالة الفقر واعتماد الكثير من السكان على المساعدات، وسيقف السكان والسلطة نفسها على أرجل مستقلة”.

وخلافًا لما أعلنه كوشنر، في وقت سابق، بشأن إطلاق “صفقة القرن”، بعد عيد الفطر، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الخميس 23 الشهر المنصرم: إنّ البيت الأبيض سيطرح، خلال فصل الصيف المقبل، من دون أن يحدد موعدًا بعينه، ما وصفه برؤيته للسلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين.

صحيفة (إسرائيل اليوم)، نقلت الأسبوع الفائت، عن مصادر في البيت الأبيض لم تسمّها، أنّه “على المستوى العملي، سيتم الاستعاضة عن أنظمة وكالة (أونروا) في مجال التعليم وتوزيع الأغذية ببرامج تطوير تنفذها منظمات غير حكومية دولية، ولكن تديرها السلطة الفلسطينية نفسها”. وأضافت مصادر الصحيفة أنّ “إدارة ترامب ستقترح إعادة تأهيل مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وبنائها كمدن وبلدات فلسطينية دائمة”.

وبينت المصادر، بحسب الصحيفة الإسرائيلية، أنّ “ورشة المنامة ستركز على الجوانب الاقتصادية لخطة السلام، ولكن سيكون لها جوانب سياسية أيضًا”. مشيرة إلى أنّ “المحور الرئيسي الذي تدور حوله الخطوات المتوقع تقديمها في المؤتمر، هو كسر دائرة إدامة الصراع، واستبدال المساعدات بالتنمية، والاعتماد على الاستدامة”.

وكان المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات قد دعا، في 22 أيار/ مايو المنصرم، خلال جلسة في مجلس الأمن الدولي، إلى نقل خدمات (أونروا) إلى الدول المستضيفة للاجئين. وقال غرينبلات إنّ على المجتمع الدولي “الإقرار بأنّ نموذج (أونروا) خذل الشعب الفلسطيني”.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد دافع عن “الدور الحساس”، الذي تضطلع به وكالة (أونروا) معربًا عن أمله في أن تواصل الدول الأعضاء تقديم المساعدة لها من أجل ضمان اضطلاعها بهذا. وقال: إنّ “التفويض الذي تعمل بموجبه (أونروا) هو تفويض حصلت عليه من الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة”.

وستجري “إسرائيل” انتخابات عامة جديدة في أيلول/ سبتمبر، بعد فشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة. ويُنظر إلى “خطة ترامب” على نطاق واسع باعتبارها قضية حساسة للغاية لا يمكن طرحها في الحملات الانتخابية.

ويقوم الوفد الأميركي برئاسة جاريد كوشنر بجولة إلى المنطقة شملت عمّان والقدس والرباط لحشد الدعم لـ “ورشة المنامة”. وأبلغ الملك عبد الله الثاني كوشنر في عمّان، الأربعاء 29 أيار/ مايو المنصرم، “الحاجة إلى تكثيف الجهود لتحقيق سلام دائم وشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”.

عباس: الأرض مقابل السلام وليس “الازدهار”

فلسطينيًا، أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال القمة العربية الطارئة في مكة، الجمعة، أنّ الفلسطينيين لن يشاركوا في “ورشة العمل” التي دعت إليها الإدارة الأميركية في البحرين.

عباس قال: “نرفض استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بالازدهار مقابل السلام”. وأضاف “أود أن أعيد التأكيد على رفضنا المطلق للمحاولات الأميركية الهادفة إلى إسقاط القانون الدولي والشرعية الدولية بما يسمى “صفقة القرن””.
من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أنّها لن تشارك أيضًا. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق ردًا على سؤال بشأن حضور الأمم المتحدة المؤتمر “في هذه المرحلة، لم أبلغ بحضور أيّ شخص” المؤتمر.

حق، كان قد صرح أولًا أنّ منسق الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف دعي إلى المؤتمر، لكنّه لن يحضر الاجتماع. وصحح بعد ذلك تصريحه بالتأكيد أنّ ملادينوف “لم يدعَ إلى المؤتمر”.
ويؤكد الفلسطينيون أنّهم لن يشاركوا في “ورشة عمل المنامة”، وأنّهم لم يكلفوا أيّ جهة بالتفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني، كما دعوا الدول العربية، التي وافقت على حضور الورشة إلى إعادة النظر في مواقفها.

وكانت وكالة (رويترز) نقلت عن مسؤول أميركي، الخميس، إنّ إدارة الرئيس ترامب ستمضي قدمًا في عقد مؤتمر البحرين في أواخر حزيران/ يونيو، رغم بداية حملة انتخابية جديدة في “إسرائيل”. موضحًا أنّ “ورشة المنامة” ستخصص لطرح الشق الاقتصادي من خطة السلام في الشرق الأوسط “صفقة القرن”.
وقال المسؤول، الذي لم تكشف (رويترز) عن هويته، إنّ الشق السياسي من الخطة والذي يتعامل مع القضايا الشائكة محور الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سينشر “عندما يكون الوقت مناسبًا”.

وجاء في الإعلان الرسمي للبيت الأبيض حول “ورشة عمل المنامة”، “سنعقد ورشة اقتصادية دولية بالبحرين أواخر حزيران/ يونيو كجزء أول من خطة سلام الشرق الأوسط”.

وزعم الإعلان البيضاوي، أنّ “الورشة الاقتصادية الدولية بالبحرين هدفها تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية”. وشدّد على أنّ مؤتمر البحرين يستهدف “حشد الدعم للاستثمارات الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن يوفرها اتفاق سلام في الشرق الأوسط”. موضحًا أنّه “سيعلن الملحق الاقتصادي للمؤتمر قبل عقده.”

البيت الأبيض بينّ في إعلانه، أنّ “ورشة العمل”، ستشمل “نقاشات حول تحسين الحوكمة الاقتصادية، وتطوير رأس المال البشري وإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص بشكل متسارع”. وأنّه سيتم “بحث الانعكاسات والنتائج الإيجابية لتنفيذ مثل هذه الرؤى والتطلعات لتأمين مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة”.

وأعلنت البحرين، الأربعاء 15 من الشهر المنصرم، استضافة المؤتمر بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، وادعت السلطات البحرينية أنّ “الورشة ستتيح الفرصة لتبادل الآراء والأفكار من خلال طرح مستفيض لرؤى طموحة وأطر عمل تنفيذية من أجل مستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني وللمنطقة”.

وسيشارك في المؤتمر الذي سيقام على هيئة “ورشات عمل”، وزراء المالية ومنظمات المجتمع المدني والخبراء الاقتصاديين ورواد ورجال في مجال الأعمال من الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة، والتي ستأخذ دورًا في محاولة تمرير “صفقة القرن”.

شبكة (سي إن إن) الأميركية ذكرت، في وقت سابق من الشهر المنصرم، نقلًا عن مصدر مطلع في البيت الأبيض، أنّ المسؤولين في إدارة ترامب سيعلنون عن الجزء الأول الذي يعني بالشق الاقتصادي من الخطة، والذي يتمثل بعقد مؤتمر اقتصادي في العاصمة البحرينية المنامة، بعنوان “الرخاء من أجل السلام”، لبحث ضخ استثمارات اقتصادية إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.

ومن بين المحاور التي ستطرح في “ورشة عمل المنامة” الاقتصادية، وفق المسؤول الأميركي، أربعة عناصر، هي: “البنية التحتية، الصناعة، والتمكين والاستثمار في الشعوب، إضافة إلى الإصلاحات الحكومية، لإيجاد بيئة جاذبة للاستثمار في المنطقة”.

إدارة ترامب تفشل في تسويق “صفقة القرن”

يمثل الوفد الأميركي وزير الخزانة ستيفن منوشين، علمًا بأنّ كوشنر، الذي يقود “الجهود التنظيمية” للمؤتمر الاقتصادي، سيكون حاضرًا في المؤتمر بالإضافة إلى مبعوث البيت الأبيض في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، والمعروف أنهما أمضيا سنوات في صياغة الاقتراح الأميركي، الذي يحوي شقًا سياسيًا تتجنب الإدارة الأميركي الإفصاح عنه حتى الآن.

وسائل إعلام في واشنطن قالت، نقلًا عن مصدر رسمي في البيت الأبيض، في الأسبوع الأخير من أيار/ مايو المنصرم، إنّ “الإدارة الأميركية ستعلن عن الشق السياسي لاحقًا، والذي سيعالج جميع القضايا الأساسية، الأجزاء الاقتصادية والسياسية تكمل بعضها البعض، نحن لا نحاول تعزيز صنع سلام اقتصادي فقط، قررنا تقسيم إطلاق البرنامج بحيث يكون من السهل على الناس أن يفهموا ويتعمقوا في الأفكار”.

مصادر إعلامية إسرائيلية في تل أبيب، أشارت إلى أنّ الخطة الأميركية تنص على أن تتم دعوة “إسرائيل” إلى المؤتمر الاقتصادي التمهيدي لـ “صفقة القرن” في المنامة. وأكدت المصادر أنّ وزير المالية الإسرائيلية موشيه كاحلون سيرأس الوفد الإسرائيلي.

الكاتب الإسرائيلي الخبير في الشؤون الفلسطينية آفي يسخاروف رأى أنّ لجوء الإدارة الأميركية إلى ما يسمى بـ “ورشة عمل المنامة”، دليل على مشكلة حقيقية في تسويق “صفقة القرن”.

يسخاروف قال، في مقال نشره موقع (ويللا) الإسرائيلي الإخباري: إنّ مشكلة الإدارة الأميركية أنّه لا توجد دولة عربية واحدة تريد “صفقة القرن”. وفي حين تبدي “إسرائيل” تجاوبًا معها فإنّ الأردن يعارضها ودول الخليج مشغولة بالتوتر مع إيران، أما الفلسطينيون فغير مكترثين بالتهديدات الأميركية.

وحسب يسخاروف، فإنّ “التقدير السائد لدى الفلسطينيين أنّ الأميركيين من خلال إعلانهم عن قمة البحرين الاقتصادية، فإنهم يتراجعون رويدا رويدا، ويبدو أنهم سيكتفون بمبادرة محدودة ومقلصة، تنشغل في قضايا اقتصادية، في ظل عدم وجود قابلية لـ “صفقة القرن” في العالم العربي”. لافتًا إلى أنّه “بعد إعلانات الرفض الفلسطينية لقمة البحرين، فلا يبدو أنّ هناك دولة عربية كبيرة تبدي دعمها لصفقة ترامب، أو على الأقل يمكن لها أن تتفهم إصدار أيّ نسخ معدلة منها، رغم ما يبذله كوشنر من جهود كبيرة لتسويقها لدى العرب”.

وكانت كل من السعودية والإمارات قد أعلنتا في وقت سابق، عزمهما المشاركة في مؤتمر البحرين، في الوقت الذي لم تعلن الدول العربية المتبقية عن موقفها بعد.

وطالبت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الثلاثاء، جميع الدول العربية التي وافقت على حضور “ورشة عمل المنامة” الاقتصادية، إلى “إعادة النظر في مواقفها والثبات على قرارات قمة الظهران (قمة القدس) 2018، وقمة تونس عام 2019، ومبادرة السلام العربية دون تغيير أو تبديل”.

وترفض القيادة الفلسطينية التعاطي مع أيّ تحركات أميركية في ملف السلام، منذ أن أعلن ترامب، في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة مزعومة لـ “إسرائيل”، ثم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في أيار/ مايو 2018. متهمة ترامب بالانحياز التام لصالح “إسرائيل”. وتدعو السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إلى إيجاد آلية دولية لاستئناف عملية السلام، المجمدة منذ عام 2014.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق