في حزيران/ يونيو 2014، في المسجد النوري بالموصل، العراق، أعلن أبو بكر البغدادي تأسيس داعش (الدولة الإسلامية)، وسمى نفسه الخليفة. في السنوات اللاحقة، استطاع تنظيم داعش بسرعة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسورية، لدرجة استدعت تشكيل تحالف دولي مكون من ثمانين دولة واتحاد، لشل حركتها.
في النهاية، فقدت داعش تلك المناطق التي سيطرت عليها، وهُزمت في المدى المنظور. ولكن بعد خمس سنوات، أصبحت داعش أي شيء ولكن لم تهزم. في 28 نيسان/ أبريل 2019، عاود البغدادي الظهور في شريط فيديو في مكان مجهول يسعى للانتقام لأرضه المفقودة. لقد أصيبت داعش بالعطب في العام الماضي في عدة معارك شرسة مع التحالف الدولي، ولكنها تعيد تجميع صفوفها، ما يفرض على المجتمع الدولي إدراك ذلك وإعادة تطوير استراتيجيته.
معركة الباغوز
كانت داعش قادرةً، بفضل الخبرة العسكرية والإدارية لمقاتليها المحليين والأجانب، على تنظيم صفوفها بسرعة والتحضير لأي مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي. إلا أن ذلك لم يكن كافيًا في مواجهة معركة كبرى مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقوات التحالف الدولي، وبسرعة اقتصرت حدود دولة البغدادي إلى أقل من عشر بلدات في أقصى شرق سورية.
طوال شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2018، استعدت داعش لمقاومة شرسة في هجين والباغوز، بلدات في شرق محافظة دير الزور، على الرغم من حقيقة أنها منطقة تفتقر إلى تضاريس دفاعية. يبدو أن داعش اختارت هجين كجزء من استراتيجية أكبر لجذب مقاتلي (قسد) إلى معركة لصالحها. كما اختارت داعش الباغوز، وهي بلدة صغيرة في أقصى الشرق على الحدود العراقية ونهر الفرات، وهي الأرض المرتفعة الوحيدة، وتعرف باسم شفتة الباغوز، في المنطقة.
أعدت داعش جيدًا لهذه المعركة. حفرت الخنادق والأنفاق وزرعت الألغام في كل المنطقة المحيطة. أسرت عشرات الآلاف من السوريين وعائلات المقاتلين الأجانب، واستخدمت بعضهم كدروع بشرية لشراء بعض الوقت الذي يحتاجون إليه من خلال الادعاء بضمان مرور آمن للمدنيين ما يجبر القتال على التوقف. كما اعتمدت داعش على المقاتلين الأجانب الذين رفضت بلدانهم الأصلية السماح لهم بالعودة. فقد افترضت داعش أن هؤلاء المقاتلين لن يستسلموا أبدًا، لأنه ليس لديهم سوى خيارين قاسيين: إما السجن في العراق، أو أن تقوم (قسد) بتسليمهم إلى النظام، في حال انسحاب الولايات المتحدة.
اختارت داعش الباغوز، لأنها تحتوي على الكثير من الكهوف الطبيعية، معظمها في هضبة شفتة الباغوز. كما حفرت خندقًا مغطى نحو الحدود العراقية بطول 700 متر، وأعدت عددًا من مخازن الذخيرة وورش لإنتاج مركبات محملة بالمتفجرات.
هذه الخطة لم تكن لحماية جزء من أرض الخلافة، ولا للسيطرة على الأرض، كما فعلت المجموعة المتطرفة في بداية ظهورها. في الواقع، كان الهدف تحقيق نصر لاحق من خلال منشورات تحفيزية لجيل قادم من أعضائها. يمكن القول إن نخبة من مقاتليها وقفت صامدة طوال ثمانية شهور من المعارك المستمرة ضد ثمانين دولة مع طائرات ومركبات مدرعة و45 ألف مقاتل. إنه شيء يمكن أن تستخدمه داعش في عمليات تجنيد مستقبلية.
لم يحسب قادة داعش الذين خططوا لكل هذا أن مثل هذه الظروف الصعبة والخيارات المحدودة ستقسم صفوف مقاتليهم، بين من يقبل قراراتهم وبين الذين يرفضونها. فضل المئات من مقاتلي داعش الاستسلام لقوات سوريا الديمقراطية، أو الفرار من الباغوز. بعض الذين رفضوا خطة الباغوز تمكنوا من الوصول إلى إدلب، عن طريق الاختباء في شاحنات صهاريج النفط ودفع مبالغ كبيرة لقادة في قوات سوريا الديمقراطية.
في بداية معركة الباغوز، فر قادة داعش نحو العراق، إلى القائم، بالقرب من جيوب داعش في صحراء الأنبار. كان العراق هو الخيار الوحيد، لأن الميليشيات الإيرانية كانت منتشرة على طول الضفة الغربية لنهر الفرات، واستعدت بأن مقاتلي داعش قد يهربون من الباغوز إلى صحراء البوكمال المحيطة.
في أحدث مقطع فيديو، أعلن البغدادي انتهاء معركة الباغوز ومقتل عدد من الموالين لداعش في المعركة. ثم وعد بالانتقام للمقاتلين الذين قُتلوا، وأن داعش سوف يستمر في القتال ضد أعدائه.
(داعش) تأخذ شكلًا جديدًا
يبدو أن داعش قد اشترت الوقت من معارك هجين والباغوز، كجزء من خطة أكبر؛ ولمنح مقاتليها الفرصة في إعادة تجميع صفوفهم. يفترض أن عدد هؤلاء المقاتلين بالآلاف وينتشرون في الصحراء السورية في مثلث يقع بين السخنة في محافظة حمص، والميادين في محافظة دير الزور، ومعدان في محافظة الرقة.
ابتداءً من هذه الجيوب، يستطيع مقاتلو داعش الوصول إلى صحراء السويداء الشرقية، وصحراء البوكمال، وصحراء الميادين، وصحراء السلمية إلى الشمال الشرقي من حماة. من هناك، يمكنهم شن هجمات مفاجئة على دوريات الميليشيات الإيرانية وقوافلها التي تنتشر على طول الضفة الغربية لنهر الفرات من صحراء البوكمال إلى الميادين.
اختارت داعش مثلث (السخنة-الميادين-معدان) لأنه يحد قوات النظام، وهو عدو أسهل من الميليشيات الشيعية الإيرانية. إضافة إلى ذلك، ما تزال لداعش جيوب صغيرة من المقاتلين في المنطقة الواقعة بين السخنة والبوكمال الزكف، وهي منطقة واقعة على طول صحراء الأنبار الغربية.
منذ عام 2015، كان لداعش مصالح في الصحراء السورية حيث ترتبط بمعظم المحافظات. بين عامي 2015، 2016، وصلت قواتها إلى التنف شرق حمص، القلمون في شمال دمشق، والسعن شمال حماة. أقامت داعش أيضًا علاقات جيدة مع البدو في المنطقة، وانضم بعضهم إلى صفوفها لتوفير الاستطلاع في الصحراء، وهي منطقة لا يمكن لأي مجموعة السيطرة عليها بالكامل لأنها مفتوحة وبدائية.
نظرًا لاستثمار داعش الكبير في جعل هذه المنطقة كقاعدة مركزية، من المحتمل أن تكون موقعًا لتخزين الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وذخائر مختلفة. يمكن لهذه المنطقة أن تكون نقطة انطلاق لعمليات داعش العسكرية أو ملجأ لها في حالة الهزيمة.
تعلمت داعش أن اكتساب الأرض والحكم لا يمكن له الاستمرار. لذا تكيفت مع الصحراء، تضاريس قاسية على أعدائها، ولكن يمكنها الدفاع عنها بسهولة أكبر. بإمكان قوات داعش الآن الانتقال إلى المناطق المتاخمة وإطلاق عمليات عسكرية سريعة. كما أن الخلايا المتطرفة الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تشن هجمات بالمتفجرات والاغتيالات، من المحتمل أن تعمل منفصلة عن القيادة المركزية لداعش. وقد نفذت طائرات التحالف عشرات العمليات للقبض على هذه الخلايا، لذلك ستكون فرص بقائها [هذه الخلايا] قليلة نسبيًا.
على الرغم من هزيمتها عسكريًا وزوال حكمها، فإن المظالم الرئيسة التي أدت إلى إنشاء داعش ما تزال موجودة: تورط الدول الأجنبية، عدم وجود إرادة لإسقاط نظام الأسد في وقت مبكر من الصراع، وتوسع الإيرانيين والتأثير الشيعي على حساب السكان السنة الأصليين. من المتوقع أن تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة، تاركةً وراءها عواقب استراتيجية فاشلة. هذه الاستراتيجية هي التي أوجدت الظروف المثالية لداعش في عام 2014، وسيكون انسحاب الولايات المتحدة المتوقع -إذا ما حدث- عاملًا رئيسًا في عودة داعش. سوف تستفيد داعش من الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة، على الأرجح القدرات التقنية والعسكرية الضعيفة للدولة التي ربما قد تسد هذه الفجوة غير كافية، وتؤدي إلى المزيد من الفوضى وعدم اليقين.
العنوان الأصلي للمادة | New Rules of Engagement Needed as ISIS Remains and Adapts |
الكاتب | عبد الله الموسى؛ باحث ومحلل عسكري يمتلك أربع سنوات من الخبرة. يعمل حاليًا كمدير لهوز. عمل سابقًا كمسؤول ميداني للمنظمات الدولية في سورية. |
المصدر | المجلس الأطلنطي 11 حزيران/ يونيو 2019 |
الرابط | https://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/new-rules-of-engagement-needed-as-isis-remains-and-adapts |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب/ محمد شمدين |