يتفاعل كثير من السوريين بانفعال عاطفي وبشعور من الرضى، تجاه قرار صدر مؤخرًا في تسع ولايات ألمانية، فحواه إعادة مؤيدي النظام السوري إلى سورية، هذا الرضى مفهوم، ويقارب نشوة انتصار ما، على الدكتاتور وعلى من يواليه، ممن كان عونًا للنظام في القتل والتجهير والتدمير، ومن ساعده بطرق مباشرة في مصادرة سورية قبل 2011 وتدميرها بعده، ابتداءً من حمل السلاح والقتال إلى جانبه، وصولًا إلى الدفاع عنه ومناصرته في كل مناسبة ممكنة ولو بكلمة.
يبدو أن القرارات مبنية على افتراض صانع القرار الألماني أن من يوالي النظام السوري تنتفي عنده أسباب اللجوء الإنسانية، نتيجة خطر مباشرة على الحياة، وتتحول إلى أسباب اقتصادية، ولا سيّما بعد الإعلان عن القضاء على “داعش”، أي زوال أسباب لجوء من تذرّع بالإسلامويين ليبرر لجوءه، ممن يجاهر بتأييد النظام.
قد تفوت بعضَنا حقيقة أن مؤيدي النظام السوري في بعض الولايات الألمانية ممن تعنيهم القرارات الأخيرة، وفي مناطق أخرى، هم أنفسهم ملعونون من النظام وأعوانه أيضًا، وبالتحديد من جماعة “الوطن ليس فندقًا”، إذ يُعدّون خونة هاربين من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية أو التطوعية، تخلّوا عن مناصرتهم في الجبهات التي تحتاجهم، مفضلين على ذلك العيش الرغيد في ألمانيا أو في بلد آخر مشابه، وبكلمات أدق هم خونة هذا “الوطن المعطاء وقائده المغوار”.
وإذا ما أدركنا حقيقة صعوبة، إن لم يكن استحالة، تطبيق قرارات كهذي من دون إعلان وزارة الخارجية الألمانية، أي السلطات الاتحادية الألمانية، سورية أو أجزاءً منها مناطق آمنة يمكن الترحيل إليها؛ فهمنا الهدف الإعلامي- النفسي لهذه القرارات، في طمأنة قسم من المزاج الألماني العام، المتبدل تجاه اللجوء، إضافة إلى هدف سياسي متمثل في سحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف وأنصاره.
لو افترضنا نجاح عملية ترحيل أولئك إلى حضن الوطن مجددًا، فستكون النتيجة، قطعًا، رفدًا جديدًا لجيش النظام وميليشياته بمقاتلين جدد، وضخ دماء جديدة فيه، لكي تُسكب في نهاية المطاف على جبهات قتال مفترضة، بوصفهم “شهداء”، بالتزامن مع انسكاب دموع أمهاتهن عليهم، في حين يتم تحويل أبنائهم إلى “أبناء الشهداء”، وإن حالف “الحظ” بعضهم؛ فسيتم قبولهم في “مدراس أبناء الشهداء”، حيث سيتم تلقينهم دروسًا في وطنية مفترضة، تحولهم مع تقادم الزمن إلى وحوش، غايتها الانتقام من قتلة الآباء، والانتصار المفترض للوطن وقائده، وهذا يعني خدمة الدكتاتور في المدى القريب والبعيد.
ضخّ الدماء الجديدة هذا سيكون إجباريًا، عن طريق اصطياد من سيتم ترحيله المفترض، من الحدود أو في المطارات السورية، ومن ثّم اقتيادهم إلى “معارك العزة القومية”، تحت مسمى خدمة العلم، وقد ينضم بعضهم إلى صفوف القوات النظامية طواعية، للانتقام من أقارب أولئك الذين أسهموا في طردهم من ألمانيا، عن طريق مساعدة السلطات الألمانية في التقاطهم وتحميلهم في طائرات الترحيل المفترض.
عمليًا، فإن مؤيدي النظام السوري المفترَضين واللاجئين في ألمانيا ليسوا مثل أولئك الذين يقاتلون معه، سواء في صفوف القوات النظامية أو الرديفة الأكثر وحشية وبربرية وابتعادًا عن الإنسانية وفهم معاني الحرية والديمقراطية وغيرها، وتغيير أفكار أجيال كاملة من مؤيدي الأسد لا يمكن أن يتم بقرار مفاجئ، ولا بكبسة زر، ولا بحشد تأييد “فيسبوكي” و”تويتري” عاطفي ارتجالي غير مدروس لأي قرار قد يسهم في القصاص من المجرم وأعوانه وأنصاره ومحبيه.
الحديث هنا عن عشرات السنين من الاحتلالات المادية والبصرية والسمعية التي طبقها النظام، وعن استخدامه خبراء لتحقيق هذه الغايات، وعن نجاحه الجزئي في خلق إيمان قوي لدى قسم من السوريين باستحالة وجود منافس كفء له، وعن تصويره نفسه بالبطل الوهمي المخلص القادر على حماية الأقليات، واستثماره الناجح في الخوف الطائفي لدى الأقليات السورية، وصولًا إلى مرتبة المؤيدين الأقل توترًا، مثل نموذج “هو كويس بس اللي حواليه عاطلين” أو “شعب جاهل لا يستحق الحرية” أو “اللي بتعرفه أحسن من اللي رح تتعرف عليه”.
معظم مؤيدي النظام السوري هم ضحايا في نهاية المطاف، بطريقة أو بأخرى، ومرضى عصاب جماعي أو طائفي، أو مغبونون، ولا سيّما أولئك من الذين لم يحملوا سلاحًا، واقتصر دورهم في تأييد النظام السوري باستخدامهم الكلمة، وإن إبقائهم في دول مؤسسات تحترم القانون وتعلي قيمة استخدام العقل والمنطق سيسهم مع الزمن في تنويرهم وتغيير آرائهم التي لم يكونوا مسؤولين لدرجة ما عن تبنيها، وسيضمن لأبنائهم مستقبلًا لا وجود فيه لصور الديكتاتور على دفاترهم المدرسية وسجلات علاماتهم السنوية، فلا يتحولون إلى جنود أسد آخر.
ماذا لو ذهبنا أبعد من المطالبة بإبقائهم في ألمانيا وفي غيرها، وعملنا على المساعدة في إخراج الآخرين ممن هم في حكمهم من سورية، لنجرّد الدكتاتور من سلاحه! أليست هذه إحدى طرق النصر بدون قتال؟