بعد أن وافق الاتحاد الروسي والولايات المتحدة على إرسال مستشاريهما للأمن القومي، إلى القدس المحتلة، للتباحث حول قضايا الشرق الأوسط الاستراتيجية، وذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة خلال الشهر الجاري؛ تشير المعلومات إلى أن المؤتمر الذي سيحضره كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيركز، بالدرجة الأولى، على مصير سورية،
كما سيجري الحديث حول دور إيران ووجودها ونفوذها في سورية والمنطقة، وفي خروج إيران من سورية، ويشير بعض المتابعين إلى أن روسيا لم توافق على هذا الاجتماع وتتحمّس له، لو لم تكن لديها تأكيداتٌ بأنها ستنال مقايضة دسمة في ما يخص وجودها في سورية، وروسيا على علم بالوعود الدولية لها في حال نجاحها بإخراج إيران، ولديها وعودٌ بتطويب سورية ملكاً لها بحسب التأكيدات، ومنحها رخصة تشكيل النظام السياسي، والتحكّم بالحياة السياسية السورية.
رأى حازم لطفي، الدبلوماسي السوري ونائب سفير الحكومة السورية المؤقتة في الدوحة، أن “قرار كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا و “إسرائيل” عقد اجتماع ثلاثي خلال الأيام القادمة، يعدّ استمرارًا لنقاش قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط عمومًا، وبدأ في قمة هلنسكي التي جمعت الرئيسين الأميركي والروسي في تموز/ يوليو 2018″، كما “يأتي في سياق معالجة قضية صفقة القرن، وتحجيم الدور الإيراني، وتبادل المصالح للدول الأكثر تأثيرًا في المنطقة (أميركا، روسيا، الكيان الصهيوني) داخل سورية، الدول التي سعت لاستنزاف القوى المحلية والإقليمية والخليجية تدريجيًا، بغية ضمان الهيمنة الجيوسياسية لها على سورية المفصل الاستراتيجي الهام في منطقة الشرق الأوسط”.
وقال لـ (جيرون): إن ملف صفقة القرن هو “الملف المركزي الذي تسعى أميركا لترسيخه وتمريره”، مشيرًا إلى أن “تثبيت حدود الجولان وسحب القوات الإيرانية، يأتيان ضمن هذا السياق، ويبدو أن روسيا أبدت استعدادًا للتخلي عن الحليف الإيراني مرارًا، وقالت: إنها لا تتفق مع أجندة إيران المعادية لـ (إسرائيل)”.
وأضاف: “الاجتماع المرتقب لن يفضي إلى إعادة تعويم الأسد، وإن كانت مؤشراته الأولية تعلن ذلك، وعلى الغالب ستصب مخرجاته في تعزيز ملف صفقة القرن وتحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وسيكون هناك استمرار لاستنزاف إيران وروسيا التين تنتظران ملف إعادة الإعمار لأجل استرداد ما تم إنفاقه على دعم نظام الإجرام السوري، لتحقيق مصالحهم في المنطقة”، وعدّ أن “الدور الأهم يبقى دائمًا دورنا نحن السوريين، ودور القوى الوطنية السورية في استثمار الأوقات الضائعة، بتوحيد جهودها واستكمال بناء خطابها الوطني وقوة تضامنها الداخلي بصدق وبمسؤولية، ثم قدرتها على قراءة المصالح الدولية، واستثمار الممكن بما يصب في المصلحة الوطنية”.
واعتقد الأكاديمي السوري طلال مصطفى أن الاجتماع ” للتباحث فيما يتعلق بالشأن السوري وبخاصة الوجود العسكري الإيراني”، لكنه أضاف: “لن يكون على مستوى التوقعات السياسية التي يتحدث البعض عنها، والتي يتعلق بإخراج القوات الإيرانية وميليشياتها المذهبية الدينية من سورية، مقابل إعادة تأهيل الأسد للاستمرار في الحكم في سورية”، وعقّب: “سقف هذه الاجتماعات يتعلق بقضايا عسكرية فنية فقط، وفي عدم حصول اصطدامات روسية إسرائيلية في حالات القصف الإسرائيلي للقواعد العسكرية الإيرانية في سورية”.
وأشار إلى أن روسيا “تتعمد من مدة إلى أخرى استخدام هكذا اجتماعات وتنسيقات كأداة ضغط على الوجود الإيراني في سورية، الذي يتعارض مع الوجود الروسي في بعض الأحيان، وبخاصة في حال عدم وجود تصور سياسي شامل لحل القضية السورية، التي تحتاج إلى توافقات دولية (أميركية، أوروبية، روسية)، إقليميةأيضًا (خليجية، تركية، إيرانية)”.
أما المعارضة السورية ناديا عقيل، فترى أن“الصهاينة هم من يقود الحروب في العالم، وبخاصة في الوطن العربي، وهم أصحاب المال والنفوذ في أميركا وأوروبا وروسيا”، وأضافت في حديث لـ (جيرون) أن “إيران شريكة تاريخية للصهاينة في العقيدة والمصلحة، ولا أعتقد مطلقًا أن الصهاينة على عداء، أو خلاف مع إيران، وهم من جاء بالأسد وميليشيات حزب الله، وهم من دمّر العراق وسلّمه لأزلام إيران”.
من جهة أخرى، قال الكاتب السوري أحمد قاسم لـ (جيرون): إن” الكثير من الجوانب المهمة تمسّ مباشرةً طبيعة الصراع الدولي والإقليمي على سورية، ومدى تأثير ذلك على طبيعة الصراع الإسرائيلي العربي، الذي بات يشكل عبئًا ثقيلاً على طبيعة العلاقات الدولية في المنطقة، وأهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية”.
وأضاف بخصوص اللقاء الثلاثي المرتقب في “إسرائيل” بين (أميركا وروسيا و “إسرائيل”) أن الهدف من هذا اللقاء -وهو المعلن فيه- مناقشة الوجود العسكري الإيراني في سورية للوصول إلى المشتركات حول عملية وآليات إفراغ سورية من هذا الوجود غير المرحب به أساسًا من قبل السوريين، وكذلك إقليميًا لما يشكّل من خطر على أمن وسلامة المنطقة برمتها، لكن جوهر اللقاء أهم من ذلك بكثير”.
وعدّ أن “سيكون الحوار الأساسي هو البحث عن آليات لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا لا يمكن بحثه بمعزل عن المسألة السورية ودور إيران في إدارة ذلك واستثماره، خدمةً لمشروعها الإقليمي واستمراريتها في تصدير الثورة، وكذلك الاستفادة من إطالة عمر الأزمة، خدمةً لاستكمال صناعة السلاح النووي الذي ترى فيه أساسًا لمواجهة من سيقف ضد مشروعها في المنطقة”.
وتابع: “روسيا تشكل إحدى اتكاءات إيران التي تستند عليها دبلوماسيًا، أقلُّها في مجلس الأمن، ويجب إزالة هذا المسند من خلال التوافق بين الأطراف الثلاثة، عبر المساومات على الكثير من الأوراق التي تمتلكها أميركا و “إسرائيل” لإقناع روسيا ووجودها في سورية”.
أما المعارض والكاتب السوري نجيب سليقة، فقال لـ(جيرون): إن “ما يهم أميركا في منطقتنا هو مصالحها الاقتصادية أولًا، والكيان الصهيوني، وانكفاء إيران ضمن حدودها، وإخراجها من مواقعها في سورية، وتدمير قدراتها العسكرية، لتبقى “إسرائيل” السيد الوحيد والأقوى، ولا أرى صفقة القرن إلا بتوفر شرطين، الأول وجود شريك فلسطيني موافق، والثاني إضعاف إيران حتى لا تتمكن من مواصلة دعمها لحلفائها الفلسطينيين والعرب، حيث إنها تتحرك وفق مصالحها كغيرها، فهي تملك مشروعًا قوميًا للوصول إلى دولة الأمة التي تكون شريكًا لأميركا وروسيا والصين”، وعدّ أن “بقاء النظام عندنا في برنامجه ونهجه، هامّ جدًا للقوى الفاعلة دوليًا بغض النظر عن الأسماء”.
في السياق، قال الباحث السوري المعارض محسن حزام إن “لقاء مستشاري الأمن القومي الثلاثة (الأميركي، الروسي، الإسرائيلي) في القدس، يُستدل من خلاله على حقائق لا بدّ من التأكيد عليها، منها أن هذا اللقاء مهمته رسم معالم جديدة لخارطة المنطقة بمسمى (قضايا الأمن الإقليمي)، بعد المتغيرات التي حدثت في بلدان الربيع العربي نتيجة حروب الوكالة التي فُرضت عليها من قوى الخارج، باستخدام أذرع إقليمية، والأولوية في أي لقاء من هذا النوع بين الأطراف المتنفذة على مستوى العالم، البحث في كيفية ضمان أمن “إسرائيل” وتثبيت وجودها”.
وأضاف لـ (جيرون): “هناك مصالح ما زالت متشابكة ومتعارضة بين الروسي والأميركي، لابد من فضّ الاشتباك فيما بينها وبخاصة في الحالة السورية، تؤكدها المصالح السياسية التي تقول: (حان قطاف منتج مواسم الدعم غير المحدود للنظام السوري)”، ورأى أن هناك “مخاطر كبيرة على سورية والمنطقة من هذه اللقاءات التي وقودها الشعوب من دون أي وازع إنساني، الهدف تدمير إمكانات الأمة في منع توحدها، والأيام القادمة ليست في صالح الشعوب على المدى المنظور”.
من جهة أخرى، قالت الإعلامية الفلسطينية كفاح كيال لـ (جيرون): إن “ما يحدث في منطقتنا، هذه الأيام، يشبه إلى حدّ كبير ما حدث عشية اتفاقية (سايكس بيكو)، فالدول الأجنبية المحورية تحاول تقاسم أقطار عربية ومقدرات تلك الأقطار بحجج واهية وذرائع ليست إلا ديماغوجية استعمارية، فروسيا وإيران وأميركا وغيرها من دول المال والقرار تتعامل وفق مصالحها، وتحييد دولة دون أخرى واستئثار دولة بسورية عن دولة أخرى، ما هو إلا تقاسم مصلحي سيكون وفق أجندات دولية غير واضحة المعالم إلى الآن”.
وأضافت: “وسواء خرجت إيران من سورية أم لم تخرج، فبقاء قوات احتلال أجنبية روسية أو أميركية أو إيرانية، يعني بقاء سورية تحت الاحتلال الأجنبي، إن صفقة القرن المزعومة بدأت تُكرّس على الأرض منذ توقيع اتفاقية (أوسلو) عام 1993، والمتتبع لمجريات الأمور على الأرض، يعرف أن خلال العقد الأخير هناك توجه نحو صفقة سميت لاحقًا بصفقة القرن ولكن حيثياتها كانت تُجسّد على الأرض، عبر مصادرة القرار السياسي، وتحويل قضية فلسطين إلى قضية إنسانية فارغة من محتواها الوطني وبعدها القومي”، وأشارت إلى أن “لا يمكن فصل ما يحدث في فلسطين عما يحدث في سورية بطبيعة الحال، فجزء من صفقة القرن قد كُرّس بهدم مخيم اليرموك في العمق الجغرافي السوري، ومعه مخيمات اللجوء، وغالبيتها في سورية، وبالنسبة للكيان الصهيوني وحلفائه من دول استعمارية سواء كانت أميركا أم روسيا وغيرها، فسوريا تشكل هاجسًا استراتيجيًا لهم، والسيناريوهات التي ترسمها واشنطن أو طهران أو موسكو قد تتحطم عند أول مواجهة مع ثوار سورية على الأرض، كما يحدث الآن في ريف حماة”.
وتابعت: “لكن هذه الدول ومعها لفيف من دول أجنبية وعربية معنية بوجود الأسد ولو ككيانٍ كرتوني، -ومحاولات إعادة تدويره واضحة- لا تريد للثورة أن تظهر وكأنها انتصرت، فهذا يضرب عقائدية تلك الدول الاستعمارية من جهة، وهي رسالة لشعوب تلك الدول التي بدأت تتململ أيضًا، فصفقة القرن، كما يبدو، ستكون لها حصة الأسد في سورية، حيث سيتم هناك تحديد جغرافية المنطقة واستحكاماتها من أجل ضمان الحفاظ على الأمن القومي للكيان الصهيوني والدول الحليفة التي أثبت السياق أنها عدوّ للشعب السوري وللشعب العربي عمومًا”.